fbpx
قوى (التحبير والاستقلال)

فريدة أحمد

المماراة في كتابة البيانات والخطب الثورية أصبحت شغل الجنوبيين الشاغل, فإن طلت علينا مناسبة احتفائية أو مليونية ما, تذهلك كمية البيانات الصادرة على المواقع الإلكترونية والصحف الجنوبية, تعبيراً عن ذلك الحدث أو تلك الفعالية, والأمر وحده لا يقتصر على المكونات والفصائل, بل يصل حد الشخوص, فالشيخ الفلاني يجب أن يهنئ الرئيس الفلاني, والقائد الفلاني يجب أن يشيد ببيان الزعيم الفلاني, والمكون الفلاني يجب أن يؤيد بلاغ الفصيل الفلاني, وهلم جرا, ما يشعرك أنك مدعواً لحفلة لتبادل بطاقات الدعوات والتهاني. ناهيك عن البيانات التأسيسية لمكونات مفرخة, لا مغزى لها إلا سحب البساط من مكونات أخرى, خرجت عن طوع قياداتها وتمردت عليها.

وها هي تطل علينا بعد أيام مليونية 21 مايو, وستذهلكم كمية البيانات المحبّرة ((الهامة)) كما يحلو للبعض توصيفها, بصيغ متنوعة لا تختلف عن سابقاتها. مؤسف جداً ما يجري في الجنوب, وكأن مثل هذه المناسبات الموسمية ومنشوراتها هي إكسير الحياة لثورتنا, الثورة بحاجة لعمل حقيقي جاد ومسار سياسي أكثر ذكاء, هي في غنى عن بيان أو خطبة حماسية أو ترديد شعارات أو كلمة لا ينفك القيادي عن تكرارها على المنصات, بحاجة إلى برامج عمل وخطط مدروسة للنهوض بالثورة من الوحل الذي أوقعها فيه صراع القادة.

دائماً ما ننتقد الخصوم ونحمّلهم مسؤولية ما جرى ويجري في الجنوب, وعندما نوجه النقد لأنفسنا ونعمل على تقييمها و مراجعتها, يُظهر لنا ذلك مدى ضيق الأفق في ذواتنا بصورة مستعصية على الفهم, فما هذا إلا من أجل الجنوب والسير به نحو خطى واضحة, نحن نمارس الانتهاكات عليه بأنفسنا ونضعفه, عندما نصفق لمن يدوس عليه بأقدامه من أبناءه, ونكتفي في الأخير بالقول منكسرين: ما حيلتنا إلا الدعاء أو الصبر, بينما بإمكاننا عمل وتقديم الكثير, أقلّه النقد البناء بين وقت وآخر, وأعني به النقد الذي يرفع الهمم ويغذي العقول بالوعي السياسي والأخلاقي السليم, الذي يخدم قضية الجنوب ويرتقي بها نحو مسمى (ثورة تحرير واستقلال).