fbpx
الثأر معاناة لا تنتهي

 

أم ثكلى ..أب مكلوم .. زوجة ترملت .. طفل تيتم .. رعب وخوف وذعر يخيم على كل شيء, وتوجس من كل شيء, قلق ..اضطراب.. توتر .. جثث همدت ..أرواح سكنت .. أجساد تهاوت .. دماء سالت .. وأرض تبتلع كل شيء..

لا شيء يبقى سوى الحسرة والأوجاع تقتات من الأحياء وبعض من الذكرى التي تتقاذفهم كلما شدهم الحنين لمن تساقطوا بين يدي الطيش (والحمية) والغباء والتعصب الذي يقضي على كل شيء ولا يفرق بين أحد , أطفالا ,شيوخ , شباب وربما حتى النساء..

الثأر سرطان يتوغل بين الأسر , بين الأفراد , بين الجماعات , يغمد خناجره في ظهورهم ويقتل فيهم البقاء, يفرق جمعهم ,يقلق سكينتهم , يبث الخوف والتوجس في دواخلهم, وينشر جحافل حقده في الأرجاء ويذكي نار الانتقام ورد الاعتبار بهمجية وعقلية رجعية تتعطش للدم وإزهاق الأرواح..

 الثأر يخلفه الراحلون للباقون ليكملوا رحلة التهاوي والسقوط بين يدي الانتقام ورد الاعتبار والأخذ بالثأر,دون أن تنتهي هذه الرحلة أو تصل إلى محطة توقفها وتعلن نهاية بدايتها المشئومة التي تحصد الأرواح وتزرع الخوف في الأرجاء وتبث الرعب في دواخل الكل دون استثناء..

والمصيبة أن الدماء تظل تنساب والأجساد تظل تتساقط والأرواح تظل تزهق ومسلسل الخوف والتوجس من الآخر يلازم الكل ويجبرهم أن يعيشوا فصوله ولحظاته بكل تفاصليها المؤلمة المرة, لانهم فقط رضخوا لحميتهم السخيفة وعقلياتهم المقيتة ولصوت الشيطان الذي يناديهم من أعماقهم أن يكملوا رحلة الموت التي اختاروا أن يسيروا في طريقها اللأمنتاهي..

فكم من أسرة اختارت أن تسير في هذه الطريق بمحض أرادتها فلم تهنأ في حياتها ولم تستكن في منازلها ولم تأمن على أطفالها أو شبابها أو شيوخها,فكانت معيشتها ضنكا,بها من الأهوال والأخطار والفجائع ما يميت كل فرحة أو سعادة عاشتها للحظات أو ربما لدهور..

الثأر معاناة لا تنتهي بانتهاء شخص بعينه أو جماعة بعينها أو تتوقف عند حدا معين بل تستمر حتى تقضي على الجنس البشري من تلك القبيلة أو تلك الأسرة في حلقات عنوانها الخوف والدموع والضياع واليتم للأطفال والترمل للنساء والحسرة للمجتمع أجمع..

حتى الجنس البشري لا قيمة له أو أهمية له يقتل ويسحل, يسفك دمه,تزهق روحه , يمزق جسده, ييتم ولده , تمل زوجته, دون أي مسوغ قانوني أو وازع ديني يقف ضد هذه الهمجية التي ما أنزل لها به من سلطان,بل تجاوزوا كل قوانين الدين الحنيف وسماح الإسلام التي كرمة الجنس البشري وفضلته عن سائر الخلق ومنحته كرامات وامتيازات لم تعطى لغيره من الخلائق..

بيد أن الإنسان أصر إلا أن يتجاوز كل تلك الحدود الدينية ويعتدي على حرمات في الأرض ليسن قانون القتل والترويع والإبادة في بني جنسه بقانون مقيتة وعقليات سخيفة وهمجية لا يتعامل بها حتى الحيوان في الغابة.