fbpx
رحلتي الى جيبوتي..قصة مؤلمة

 

حينما غادرنا عدن باتجاه البحر كانت نفوسنا تقول: “وداعا يا عدن الجريحة وداعا يا تاج المدائن يا عاصمة الكفاح يا عروسة البحر وثغر الجنوب الباسم بأي وجهٍ سنودعك وبأي يدٍ سنلوح لك يا من سطرتِ أجل ملاحم التضحيات والفداء ونقشتِ على جبين الزمن أسمى معاني الحرية ها نحنُ تسحبنا سفينة (الحسام 1)الهندية في اليم عنك لكنها لم تستطع أن تسحبنا من حبك الذي أوقعنا فيه طهرك السرمدي..” تبدو عدن من البحر مدينة جميلة وساحرة في كنف موقعها الاستراتيجي الهام في حضنها بيوتا وساحات لا تُرى وهو ما أوهم الغزاة بأن المدينة التي أوجدت نفسها في جغرافيا الصمود واعتلت المجد سهلة المنال فما علموا أنه في كل شارع وزغط وبيتٍ قديم شرفٌ و كرامة تذود عنها الأجيال المتعاقبة جيلا بعد آخر بكل غالٍ ونفيس…

تداولت الحديث طوال السفر من عدن الى جيبوتي مع صديق رائع وفنان تشكيلي كبير هو حمود الضبياني وكان الإعلام هو حديثنا خلال الرحلة الشاقة الذي يصور لنا هذه الفكرة ومن خلال ذلك أدركنا بأن الجماهير لا تستطيع إتخاذ القرار بمعزل عن الإعلام ودون إعتبار لهذه الآلة فقد سئلت من قبل الصديق حمود عن الحرب في عدن وكيف كان يصورها لهم الكثير عدة مرات سألني عن البطاقات لدخول العاصمة عدن ويقول من سألني إن هذا الخبر مدون في كثير من عقول أبناء الشمال بطاقات الهوية لدخول عدن فكيف تنطلي هذه الإشاعة على عقول الناس هناك ؟! قلت له هل تصدق بأن بلدا عربيا أصيلا يمنع الناس من الدخول اليه لقضاء حوائجهم إنها وسائل إعلام تتلاعب بعقولنا كما كتب (هربرت شيللر) في كتابه (المتلاعبون بالعقول) وربما يرجع ذلك التصديق إلى وجود فجوة في تداول الأخبار والمعلومات بين الشمال والجنوب أما بالنسبة للجنوب وعدن تحديدا فصحيح أنها شهدت أحداثا دامية خلال الغزو الأخير لقوات الحوثي والمخلوع صالح لكنها انتهت وبدأت تطوي صفحة تلك المراحل السوداء إلى غير رجعة يكون السفر ممتعا حينما تكون برفقة صديق وفنان تشكيلي رائع ولطيف يتمتع بالسلوك الجيد والثقافة العالية فتحية للرفيق حمود وأتمنى له التوفيق وأقامة سعيدة في بلد المليون شهيد .

 

كانت السماء ملبدة بالغيوم في ميناء(ابخ) بجيبوتي على غير عادته لأن (البلدين يعيشان لحظات تنافر) كما كانت تصلنا الاخبار بإن أوامر عليا ارغمت خارطة طريق الجرحى ونوايا المسافرون حسب مزاجهم ليغيظ المسؤول والمتسبب في ولادة هذه الظاهرة المحيطة بكرتنا الأرضية التي ضاقت بنا السماء ونحن على السفينة نشق العباب على ظهر سفينة (الحسام) يلتقط المسافرون لحظات ستبقى في ذاكرة الزمن لحظات ستنتهي وأشخاصها سيختفون وإن سلموا فإن معول الزمن سينحت وجوه الشباب وسيحوّل الأبدان الغضة إلى جلود مترهلة والصدور النافرة إلى قِرب لا تثير الناظرين ما لم تسجل تلك اللقطات في شريحة إلكترونية أو تطبع على صور (فوتوغرافية) لتبقى الصور تنسج ذكراها على خيوط المعاناة .

 

السفر في البحر يغري بالمغامرة خاصة إذا كانت السفينة مدينة عائمة ولا ينقصك من البسيطة سوى بعض السكينة تتمنى أن تبتعد السفينة ومن فيها عن اليابسة وألا ترسو إلا في مرافئ الحنين.

 

استغرقت الرحلة من ميناء (عدن ) إلى ميناء ابخ أقل من خمسة عشر ساعة

وفي رجوعنا للعاصمة عدن بعد أن غادرنا ميناء جيبوتي طردا وصلنا للتّو لأخذ جوازات سفرنا المنغص من مكتب يملؤه الإستغراب والدهشة لماذا رجعوا مسافرينا بهذه الصورة التراجيدية المؤلمة .

 

استقبلتنا النوارس وتبعتنا حتى ألقت السفينة مرساها ثم ودعتنا مرة أخرى ونحن نلملم ما تبقى منا ونرحل كانت العودة بلا طعم ولا رائحة لولا قمر يضئ كمصباح منارة عتيقة في مرفأ يرتاده الصعاليك والخارجون عن عرف الآخرين رجعنا هائمين ينتابنا الشوق لمكان لا ندري أين أضعناه ونخشى أن نظل طول العمر نبحث عنه بلا جدوى ولا حنكة دليل قليلة هي المدن التي تترك مسها على زوارها في البداية يكون الفراق جراحا مفتوحة ثم تصبح الجراح ذكرى وحنينا حين نستدل بمقولة ت.س.إليوت “ارتحلوا..انطلقوا أيها الرحّالة فأنتم لستم نفس الأشخاص عند بدء الرحلة ” كلهم المسافرون لاحظت العبوس يريحهم أكثر فخرجت الى البر الفسيح وأنا اتفادى النظر الى الخارج محاولا رفع معنوياتي مع ذلك واصلت السير الى المنزل وأنا أشعر بالقنوط وأرغب في قذع حكومتنا بأشد لهجات اللوم والعيب الكبير لمن اصتدفته في طريقي لقد وددت الترحم على منظومة فاسدة امعنت في غيها المتسيب حسب روايتي التي تهرب مني منذ أكثر من أعوام ومادفعني للكتابة عن هذا الحدث المؤلم هو السكينة القاتلة التي تخيم على المحيط وعلى الحكومة اليمنية الهرمة وجعلتهما سيان لقتل الانسان اليمني والعبث به وعدم الاهتمام بإدميته .

 

اغفيت لما يقارب ست ساعات واستيقظت على نقرات خفيفة أنبت ضمير نهض وهو يشعر بدوار خفيف اعتدت عليه بعد كل سفرة طويلة يملؤه السب والقدح لحكومة ديكورية غير عابئة بناسها مما يزيد في شعوري بالندم لأنني تركت حروفي هذه تموت في مكانها حتى أصابها الجمود والحدة لأتمم رواية منفلتة كإنفلات الحكومة اليمنية .