fbpx
“بعرارة” الجنوب !!

بقلم / وهيب الحاجب
الحديثُ عن محافظاتِ الجنوب بشيء من المناطقية المفرطة واحدٌ من أهم أسباب التأخّر والعجز عن انجاز أي مشروع سياسي يحمل القضيةَ ويحتوي أبعادها السياسية والقانونية ويدفع بها بقوةٍ إلى أفق السياسة العالمية والقانون الدولي .
فالمناكفاتُ السياسية داخل البيت الجنوبي ذاته وتمسك الوحدويين “الانتهازيين” بمشروعهم ومزايدة النفعيين وبرجماتية الشرعية الجنوبية كلها عواملُ انحسرت وتلاشىت وانتهىت بعد أن كانت واضحةً على الساحة إبان البدايات الأولى للثورة الجنوبية فسببت حنيها نوعاً من الإرباك والتأخير في حسم القضية وبلوغها المرحلة المتقدمة التي وصلت إليها اليوم ، ولعل النظام اليمني قد لعب على مثل هذه العوامل وغذّاها وشجّعها قبل أن تصيرَ إلى حُكم العدم كما هو الحال الآن .

 
“المناطقية السياسية” ومحاولة ايجاد أو خلق نوع من التمايز بين محافظات الجنوب -بأي شكل من الأشكال- هي العوامل الجديدة التي سيلعب عليها العدو في هذه المرحلة ؛ لكسب مزيد من الوقت وتأخير القضية وعرقلتها من النهوض في خِضم التطورات المتلاحقة والمتغيرات المتسارعة على المستوى الإقليمي والدولي ، وهي العوامل عينُها التي ربما ستؤتي أُكُلَها كما يُراد لها وبفعالية أكثر من العوامل السابقة التي باتت في حكم العدم ، فمحاولة الترويج لمثل هذا التمايز بين مناطق الجنوب أو تسويقه من منطلق أناني وضيّق هو غباء سياسي وعمل غير مسؤول وغير واعٍ ولا مدرك لتبعاته وانعكاساته على القضية المركزية والعقل الجمعي في الجنوب .

 

صحيحٌ أن هناك بُعدا تاريخياً ورمزيةً ملحوظة لدى بعض المناطق والمحافظات وهناك عُمق استراتيجي لمحافظات أخرى وجذور للنضال وأسس للمدنيّة والحضارة لغيرهما .. لكن هذا لا يعني أن تُستغَل تلك العوامل لابتزاز القضية المركزية أو السعي نحو الهدف الأكبر فرادا .. هذا لا يعني أن تُختزل الجنوب ،بكل مقوماتها، في عامل واحد أو جزء من تلك العوامل أو في منطقة أو محافظة ، فالجنوب القضية والدولة والشعب هي حاصل جمع تلك العوامل وهي مجموع ما يمكن أن تشكله تلك العوامل وينجزه أبناؤها مستقبلا ، وبدون هذه الجزئيات لا يمكن البتة بلوغ الكل ، والجزء -علميا- لا يمكن البتة أن يكون كلا أو بديلا له !!

 
يجب أن يظل الجنوب اليوم جسدا واحدا ومتوحدا بنسيجه الاجتماعي والسياسي ومتماسكا بأبعاده الجغرافية كافة ليجمعها فكرٌ ومنهج تحرري واحد ، فمناطق الجنوب اليوم على مسافة واحدة من الأهمية بالنسبة للثورة ومتانة القضية ، وكل شبر وسكانه من أرض الجنوب معنيٌ بصناعة التأريخ الجديد والمستقبل القادم للدولة الجنوبية ، فلا توجد لدينا في الجنوب “بعرارة” ولا تبّة لسنا في حاجة لتواجدها ضمن الكيان الجنوبي أو نسترخص حضورها وتمثيلها في أي مشروع جنوبي !!

 
ما أريد أقوله بصراحة هو أن مشروع الحكم الفيدرالي في إطار الدولة الجنوبية الواحدة هو الضامن الوحيد الذي سيكفل لكل منطقة بعدها الذي تتميز به ، وهو الضامن الأكيد لعدم وجود “بعرارات” مهمّشة أو منسية في إطار دولة الجنوب ، بل هو الكفيل بإعطاء كل ذي حق حقه .. أما اللهث وراء ذلك التمايز اليوم والمزايدة به على بعضنا ونحن مازلنا في قبضة الاحتلال فسيبقينا جميعا “بعرارات” مشتتة تئن تحت رحمة ذلك الاحتلال !!