fbpx
ورود على فوهات البنادق ( 5-6) / بقلم / إياد علوي فرحان
شارك الخبر


ثمة مثل يقول “لا اعتقد بالخرافات ,, لكن لا ضرر من الدق على الخشب”…أود توضيح امر ربما قد يكون فيه بعض التبيان للفرق الجوهري بين “اليمننة التاريخية” ان جازالتعبير و”اليمننة السياسية” بمفهومها  و”تطبيقاتها” التي عرفها واستوعبها بل وذاق ويلاتها كل مواطن جنوبي شريف كان “وحدويا يوما من الايام”..وهي اليمننة التي لعبت عوامل عديدة على تكريسها بالجنوب في1967م “شرحنها بعضها فيما مضى” لعل أهمها أن “طرف واحد” كرسها بعد إقصاء كل الأطراف الجنوبية من القرار،كرسها لأنها كانت حينها متواكبة مع البعد القومي العربي وحلم الوحدة الكبرى الذي تشبع به شعبنا الجنوبي وحركته الوطنية التحررية،وهو نفس “الطرف الواحد” الذي استمر في اقصائه للاخرين وعاد مرة اخرى منفردا بالقرار وأدخلنا في وحدة 22مايو الارتجالية المتهورة التي لم تكن تمتلك اي مشروع او رؤية،وفي كلا  الحالتين كان قرارا منفردا لم يستفتى عليه الشعب ومرجعياته،ولكن تم تقبله كخطوة في سياق وحدة عربية كبرى تماما كما تم تقبل الوحدة “عرفيا” من الشعب في 22 مايو1990م لنفس السبب وبصورتين متشابهتين وفي زمنين مختلفين،ثم مالبث وان  بدأ الأمر القبيح يتكشف ،والمراد به تمرير خديعة تاريخية مقيتة تسمى”عودة الأصل للفرع”..ويمننة كهذه لا حاجة لنا بها، ونحن منها ومن سبقنا وسيخلفنا براء أن كانت تعني شرطا لعروبتنا الضاربة في عمق التاريخ والتي هي اعم واشمل من هذه “الجهوية” التي لا تنقص -بضم التاء- ولا تزيد في عروبتنا شيء..هذه اليمننة التي تربطنا بمثقفو”الغزوات الجاهلية لحمران العيون” والتي تعني عندهم الشروع بأحتلال وغزو وضم وإلحاق الفرع إلى الأصل”بداعي يمانيته” فتبا لها ولتذهب إلى الجحيم..فليست هذه اليمننة التي ستأتي بمشروع وحدوي حضاري لخير ونماء الإنسان ولو بعد ألف عام..وليست هذه اليمننة التي قصدها الجيل الذي سبقنا والتي عنى بها تحقيق وحدة وردية حالمة وجاذبة ومثمرة، ولم يعنيها “لذاتها”..ولو علم الناس في حينه عن المآل الذي ستؤل إليه ،وأنها ستكون سيفا مسلطا على أعناق ابنائهم وأحفادهم يقتلهم ويكفرهم لخرجوا عليها بحد السيف ونبذوها أفواجا والى الأبد…أما اليمننة بمعناها الحضاري والتاريخي فمرحى لها.. فالتاريخ الحضاري اليماني حافل وعريق ومشرف ،ولوعدنا للتاريخ بعيدا عن “النوايا الخبيئة” و”المكر السياسي” لوجدنا أننا نتكلم عن بلدان يمانية وعن يمانية نصف الجزيرة العربية تاريخيا وليس الجنوب فقط !ولو مضينا خلف سياسية “الانشلوس” الاستعمارية التي اتبعها حكام صنعاء في الجنوب، لوجدنا انها صالحة
 لضم اي جزء من اجزاء البلدان اليمانية التي كانت يوما موجودة في التاريخ متى ما توفر مسوغا لذلك ولاحت الفرصة وبالاعتماد على نظرية”عودة الفرع للاصل”.. لتكتمل الفروع ويكتمل العهد وتتم عودة”الرايخ اليماني” المزعوم إلى الوجود مرة اخرى!!
وآنا هنا لست في معرض إجراء”مباحث في الهوية”لأنها ليست وظيفتي ولا أحبذ هذا لشعبي بالوقت الراهن،لكني أتمنى على أصحاب الملكات والقدرات الأكاديمية التاريخية أن يعملوا على تنظيف سجلات التاريخ “المضروبة” المكدسة التي تحاصر عقولنا منذ ردح من الزمن، والتي تعج بسفاسيف المسفسفين،وتزخر بسفسطات المسفسطين،الذين عملوا على إرضاء المنتصرين واطاعة المسيطرين،وعلى إشباع معظم سجلات التاريخ بكم لا حصر له من التضليل والأوهام والأكاذيب والتحريف والتشويه وقلب الحقائق والتلاعب بالدلالات والمفاهيم والألفاظ،والتي ظل القائمين عليها وعلى أهدافها واستمرار تداولها تاريخيا يحشرونها برؤوسنا حشرا،بدءا بكتاب المدرسة وانتهاء بالآلة الإعلامية التابعة والموالية التي لاتسكت ابدا،لدرجة أن الناس ألفت هذا الغش واعتادته،بل واستحوذ عقولهم وصارت نصوصه مقدسة والخروج عليها هو خروج على المنتصر وأحيانا على الملة”كما صار في فتوى حرب 1994م الاستعمارية على جنوبنا الحبيب”!!

أتمنى أن ينظف -بضم الياء- هذا التاريخ من الرتوش الفاضحة الكثيرة التي تملئه ولا بأس من إشراك علماء الفروع العلمية التاريخية المختلفة كالاثنولوجيا و الاثنوجرافيا وحتى الانثروبولوجيا لنتوسل الحلول في تنقية هذا السجلات المكدسة المنحرفة التي تتسبب اليوم بكثير من جرائم التاريخ التي لاتغتفر،وتكرس وقائع كاذبة وحقائق مزورة و “تقدم الباطل والبهتان في صورة الحكمة والحق”،وما حدث ويحدث وسيحدث على ارض الواقع حيث الحقيقة التاريخية المجردة الخاضعة للسن الكونية والتاريخية الطبيعية،أكد ويؤكد وسيظل يؤكد كم هي هذه السجلات المؤرخة مغشوشة ومزورة لان محتوياتها الدخيلة الغير أصيلة تصطدم على الدوام من حقائق التاريخ العارية ووقائعه النقية فهي لامكان لها بينها ولاانتماء مهما كان تقليدها دقيقا وتزويرها متقنا.
وبالعودة الى موضوعنا فبعد حرب السويس1956م ازدادت أهمية عدن الإستراتيجية لذا الانجليز كما رأينا في الحلقة السابقة ليس لانه اهم محطة تموين واكثر موانئ العالم التي تمور بالنشاط والحركة مورا وحسب، بل لانه كذلك المقر الثابت والرئيس للجيوش البريطانية بالشرق الأوسط و لقوات التدخل البريطانية بالمنطقة برمتها،وذلك لتأمين المصالح البريطانية وحتى الغربية وحماية النفط المستخرج ودوله بالخليج والذي كان  يصدر لعدن وتأمين عبوره، لقد جاء في مجلة”الايكونومست”البريطانية الشهيرة في مطلع عام 1964 بأن عدد القوات البريطانية في عدن قد بلغ 5 ألاف عسكري إضافة إلى 4 ألاف طيار بيد أنها لم تشير إلى عدد جنود الأسطول البحري البريطاني بنفس الفترة،كما نشرت جريدة “إيدن كرونيكل” قبل هذا بعام ما يفيد بأن عديد القوات البريطانية في  عدن قد زاد إلى عشرة ألاف جندي،بل وصل الأمر إلى حد تسريب أخبار لبعض الصحف العربية التي كانت مشهورة آنذاك تشير إلى أن “لندن” قد زودت قواتها المسلحة في عدن بداية الستينات بأسلحة نووية وأنشأت مخازن لحفظها هناك!
 لقد اقام الانجليزمراكز عسكرية بمكيراس والضالع والسلطنة القعيطية وبيحان ولحج ،وانشئوا مطارات حربية بعدن وحضرموت والعوالق العليا وومكيراس والضالع وبيحان وسقطرة وحتى جزيرتي ميون وكمران، كانت عدن بالنسبة لبريطانيا موقعا متقدما أماميا لقواعدها في ماليزيا واستراليا،ومن حيث الأهمية الإستراتيجية العسكرية لها فإنها كانت تحتل موقع الريادة والأهمية الكبرى ليس بين قواعد بريطانيا وحسب،بل  بين سلسة قواعد الأحلاف العسكرية الغربية العالمية التي كانت بريطانيا تمثل ضلع أساس فيها كحلف الأطلسي والحلف المركزي وحلف جنوب شرق أسيا.

 ومن جانب أخر ساد هذه الفترة مناخ ثوري ظلت تزداد حرارته باستمرار في صفوف الجماهير بالبلاد العربية قاطبة،وصارالمزاج المعادي لبريطانيا بالمنطقة هو الغالب على الاجواء معطيا قوى اليسار الفسحة الاكبر على حساب القوى الاخرى،لقد اصطدمت التوقعات البريطانية على اثر نكسة حزيران 1967م بحقيقة تصعيد العمل الثوري السياسي و”المسلح تحديدا” بدلا من الانحسار الذي كانت ترجوه.
كانت الشقيقتين الرئيسيتين الجبهة القومية وجبهة التحرير صاحبتي الكلمة العليا في الجنوب عامة وعدن خاصة مع مطلع العام1967 مع أفضلية نسبية لجبهة التحرير بعدن وأفضلية مطلقة للقومية بالريف وكانت الجبهتان قد جابت شهرتهماالعالم من خلال أساليب حرب العصابات المبتكرة التي اتبعتاها ضد البريطانيين،لقد استطاعت “القومية” أن تسيطر على كل أقاليم الجنوب ماعدا ثلاثة كانوا بأيدي “التحرير”،وكانت الجبهتان قد نجحتا في التغلغل عميقا في صفوف الكيانات العسكرية والأمنية التي تطورت وأنشئت لأجل أكمال مشروع  دولة”اتحاد إمارات الجنوب العربي”وهو المشروع الذي انسحب البريطانيون من عدن والجنوب دون إكماله.
 كان يوجد بعدن والمحميات الغربية والشرقية تكوينات عسكرية مختلفة اغلبها بدائية خاصة بحكام المحميات،وبعضها متطور أنشأته بريطانيا،كان أهمها  تلك التي أنشأتها وجهزتها واشرفت عليها بريطانيا في عدن”جيش محمية عدن” “الليوي” الذي انشى في 1925م كبديل لفرقة المشاة البريطانية الهندية التي غادرت عدن ليتبع سلاح الجو الملكي البريطاني،وقد انشئ من بقايا الكتيبة الاولى المسرحة بعد تنقيحها من العناصر “الغير جنوبية”واستعين بأبناء قبائل المحميات في تكوينه بشكل كبير،وسلح بالبنادق “ابو خشب” وبالمصفحات المزودة بالرشاشات الثقيلة و”المدفعية المضادة للطائرات مع الحرب العالمية الاولى” وكانت ترسل أحيانا بعض قواته لمهام بمحميات بريطانية أخرى في مصيرة العمانية مثلا وكذا في أبوظبي وأماكن أخرى خارج الجنوب،وكذا انشئ الحرس القبلي والحرس الحكومي اضافة الى البوليس،،كما كانت هناك تكوينات أخرى مشابهة في حضرموت وكان أهمها “الفيلق البدوي الحضرمي H.B.L” الذي أنشئ كقوة تتبع صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا ومقر قيادتها بعدن،وجهز ودرب على طريقة “دوريات الصحراء في جيش البادية الاردني” وبخبراته إضافة للبريطانيين في 1939م ،وصار القوة الاساسية فيما بعد في حضرموت والمهرة لحفظ الامن فيها والدفاع عنها،ولكنه أقحم بعد الاستقلال بطريقة غريبة في حرب “الوديعة” وقاتل ببسالة رغم التفوق الكبيرللسعوديين،لكنه تضرر منها كثيرا فتم دمج بقيته بعد ذلك في الجيش الجديد،كما كانت هناك قوات متعددة في كيانات الجنوب المختلفة وكان لا بأس في بعضها،ولكنها جميعها لم تكن ترقى إلى أن تكون في مستوى جيش قومي قوي ومتطور قادر على تلبية  المتطلبات الدفاعية والأمنية للكيانات السياسية التي ينتمي لها فكيف سيلبي متطلبات الدولة التي تعمل بريطانيا على تأسيسها لتكون شريكة اخرى موالية لها بالمنطقة ويمكن الاستعانة بها!؟
 ومن هنا بدأ البريطانيون العمل بعناية على تأسيس” الجيش والحرس الاتحاديين” والأجهزة  العسكرية الأمنية اللازمة لمتطلبات الدولة المرتقبة من خلال توليفة تجمع من كل تلك التكوينات العسكرية القديمة في المحميات الغربية والشرقية إضافة إلى عدن .
وبمناسبة تأسيس “جيش الاتحاد” في 29 يناير 1961م اعلن “المندوب السامي البريطاني” في “عدن” بأن تدريب وقيادة وانشاء الجيوش الحديثة عملية صعبة ،ولهذا سيتم الاعتماد منذ اللحظة على “قيادة الشرق الاوسط للجيوش البريطانية” في مهمة “بناء جيش الاتحاد”،حيث كانت تخطط “لندن” بذلك الوقت الى زيادة عدد قواته الى خمسة الاف جندي .
– انتهى-

أخبار ذات صله