fbpx
قبل أن يدوسك الآخرون

فريدة أحمد
أسوأ ما يمكن أن يلفت نظرك وأنت تتلصص على صفحات بعض الأصدقاء المضافين لديك على صفحات التواصل الاجتماعي, هو تعريف أحدهم عن نفسه بأنه من الـ”رويال فاملي” أي الأسرة المالكة حد تعبيره, وهو يعني بذلك أسرته التي كانت تحكم قبل قيام ثورة 14 أكتوبر في جنوب اليمن, الفترة التي كانت تضم آنذاك إمارات وسلطنات ومشيخات “الجنوب العربي” في فترتي خمسينيات وستينيات القرن الماضي. مؤسف أن يعيش شاب في مقتبل العمر على هذه الأمجاد ويتغنى بها, يكبر وهو يعيشها بكل تفاصيلها ويربي أبناءه عليها, والأسوأ منه أبناء الجنوب عموماً عندما يشيدون بثقافة عدن ومدنيتها وقمة رقيها وتحضرها في الماضي أمام كل حوار أو نقاش مع ما دونهم, اعتقاداً منهم بأنهم الأفضل وأن هذا يمكن أن يشفع لهم ويهزم الطرف الآخر الذي قد يكون تقدم عليهم بمئات المراحل في ثقافته وعلمه وعمله, وأصبح ناجحاً وفاعلاً في محيطه ومجتمعه, وهو كما هو, باطل عن العمل بحجة أنه لا يليق به ولا بمكانة أسرته ذلك العمل, ومازال يبالغ ويستدعي التاريخ بمناسبة أو بدون, دون أن يتقدم خطوة إلى الأمام أو يطّور من نفسه, متوقفاً عند زمن معين عاشه أسلافه الذين قدّموا في حياتهم شيء على الأقل ليصنعوا له تاريخاً ناصعاً ومدعاة للفخر, ويمنحونه دافعاً لأن يمضي في مستقبله مبتكراً مبدعاً مكملاً لرسالتهم, لا أن يغرق نفسه بين ركام الماضي الذي عاشوه بتعقيداته وظروفه المختلفة.
بالتأكيد وحسب المقولة الشهيرة “من ليس له ماضٍ لا حاضر له” قد أتفق في جزئية أن الحاضر لا يكون إلا بفهم وتأمل طبيعة وظروف هذا الماضي, وما هي الأحداث التي يمكن أن يستفيد منها الشخص بالإيجابيات والسلبيات دون تكرار إلا لما يرى أن له فيه منفعة ولمجتمعه. لا أن يعيشه بكل تفاصيله متجاوزاً عوامل الزمن وتغييراته, فيكون بذلك كالذين شبههم علي الوردي في كتابه “مهزلة العقل البشري” بالأبطال الذين يهجمون بالسيف على جندي حديث يحمل بيده رشاشاً سريع الطلقات, وهم مهما تفننوا في إبداء ضروب البسالة والشجاعة فإن الرشاش يحصدهم في دقائق, حيث لا تنفعهم بسالتهم ولا شجاعتهم, وهم يتمسكون بالماضي دون أي تقدم في فهم أدوات الحاضر وكيفية التعامل معها.
إذا كنا ندّعي المدنية والتحضر, علينا أولاً إثبات ذلك بالتحرر من هذه الأفكار والقيود البدائية التي تجعل من الآخرين يستبدلون مهاجمتنا بالضحك علينا, تعليم وتثقيف أبنائنا هو خير سلاح للنهوض بالمجتمع ومواجهة المصاعب في وقتنا الحاضر, تعليمهم الفعل المدني الحقيقي الذي يمكّنهم من الاعتماد على ذواتهم, دون اتكاء على جُدر نجاحات الآخرين أو العيش على ذكرى أضرحة الأجداد.
حسناً قد يبدو الحديث عن التسلح بالعلم والقراءة مملٌ وقديم, وربما يمتلئ غباراً لكثر ما سمعناه وعلمونا إياه في المدارس منذ الصغر, لكنها الحقيقة التي يجب أن نحث عليها ولا نغفل عنها أو نتجاوزها, يؤلمني أن أرى شباب التسعينات ومدى فداحة الأخطاء الإملائية في كتاباتهم ومنشوراتهم وطرق تفكيرهم على وسائل التواصل الاجتماعي, قد يكون للأحداث السياسية والتركيبة الديموغرافية وسوء التعليم واختلاف الأمكنة الذي جعل من الأفكار تتصادم مع بعضها البعض وتتراجع عن التقدم لتصنع هذا الأثر, فضلاً عن المتغيرات العالمية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية التي أدت لوصول هذا الجيل من الشباب لما هو عليه اليوم, مع ذلك هذا لا يمنع من المحاولة والإصرار بدل الاتكال على القدر والظروف التي تعيقهم عن تحمل المسؤولية, بالعكس أرى من وجهة نظري أن الشاب قد يشعر وهو يشق طريقه في ظروف قاهرة كهذه أنه مميز, ولا يشبه غيره من المتشائمين و المتذمرين الذين يلعنون سوء طالعهم ليل نهار.
فلا الإتكالية ولا التفاخر بالماضي ولا الجهل يمكن له أن يرفع من شأنك, بعقيدة العلم والإيمان بها يمكن أن تنجح وتتقدم وتنتج جيل تفخر به وبإنجازاته في المستقبل, لا أن تورّثه أزمان بعيدة تمنعه عن مواكبة حاضره والمضي قُدماً, وخذ بهذه النصيحة مني: من لا يساير الزمن يدوس عليه الآخرون.