fbpx
قصيدة وجدانية في مخطوطة تاريخية من الشيخ الشمسي إلى آل بن سليمان في “فَلَسَان”

 

علي صالح الخلاقي:
وقعت في يدي مخطوطة نادرة وعجيبة، من صديقي الشاعر زيد حسين ثابت السليماني ، هي عبارة عن قصيدة وجدانية طويلة كتبت بخط جميل وبورقة مستطيلة بلغ طولها أكثر من عن عشرة أمتار، ولو بلغ خبرها القائمين على موسوعة “جينس” لأضافوها إلى موسوعتهم.
صاحب القصيدة الشاعر أحمد بن صالح بن محمد بن الشيخ الشمسي، من قرية (عَوّين) في البيضاء، وأرسلها إلى الشيخ ناصر عبدالقوي وأخيه هيثم عبدالقوي والشيخ عبدالله عثمان وأخيه ثابت عثمان والكافة من آل بن سليمان ومن سكن معهم في فلسان – بمكنب السعدي – يافع.
تتألف أبيات القصيدة من 308بيتاً بلغة عامية أقرب إلى الفصيح، والتزم فيها قافيتين، قافية في صدر البيت وأخرى في العجز. وهي نموذج للشعر الوجداني أو الصوفي الذي ساد لقرون خلت في كثير من مناطق الجنوب.
قدم الشاعر لقصيدته بمقدمة بليغة، تشتمل على الحمد لله والصلاة على رسوله وآله، ثم مهد بتقديم لقصيدته يصفها بكل تواضع بقوله:
وبعد فهذه قصيدة ركيكة المعنى، ضعيفة المبنى، كثيرة اللحن والنقصان، والغبون والهذيان، ولكن هي على قدر من أملاها، وكمثل من أنشاها، وكلٌ يكون حاله على قدر مقاله، أنشأها الحقير الفقير، المعترف بالتقصير، حامل الذنوب الثقيلة، وعامل الأفعال الرذيلة، القاصر المُقصِّر المنسي أحمد بن صالح محمد بن الشيخ الشمسي، غفر الله ذنوبه، وستر عيوبه، أنشأتها إلى جنتب المشايخ الكافين، والقبايل الوافين، المحبين الناصحين، الطايعين الصالحين، السالكين المسلك السوي، الشيخ الماجد ناصر عبدالقوي وأخيه هيثم عبدالقوي والشيخ قوي الإيمان عبدالله عثمان وأخيه ثابت عثمان والكافة من آل بن سليمان ومكن سكن معهم في فلسان..
أما عن غرضه من تأليفها، واعترافه بما تحمله من نقص أو عيبوب فيقول:
أنشأتها إليهم لقصد البركة والالتماس، ولعل يسمعها الغافل الذي مثلي من الناس، فتكون مذكرة له لعمل الأرماس، وتسلمه من البُعد والإفلاس، وتهديه إلى سبيل الهدى، وتحفظه من الزيغ والردى، ومن وقف عليها من أهل العلم ، والذكاء والحلم، ورأى فيها خللاً أو زللاً، أو خدلاً أو خَبَلاً، أو سهواً أو نسيان، أو زيادة أو نقصان، أو لحناً أو تغيير، أو تقديماً أو تأخير، فليصلحه أصلح الله دينه مع دنياه، وبلّغه مناه وفوق ما تمناه، فإني لم أكن لذلك أهل، ولا عندي علمٌ ولا عقل، والله الموفق للفظ الغريب والقول العجيب ، وما توفيقي إلا بالله عليه وإليه أنيب..
وبعد مقدمة طويلة تتألف من 45 بيتاً، يدخل في فصل يخاطب فيه رسوله الحامل لقصيدته ويمدح اسلافه وأجداده الأصفيا الذي يصفهم بـ(كمَّن ولي رُبان)، ثم يعرج إلى وصف طريق السير حتى بلوغ الهدف المتمثل في فلسان موطن آل بن سليمان الذين شملهم بهذه القصيدة، حيث يقول:
ويا حادي أبكِر شِدّ لك مزلم
نايف مهذب يلبّك لا بدا لك شان
دايم معنّى في الساحات يتنعّم
خفيف سيره وفوقه قرز من رغوان
بكّر من البيت ذي للخير قد عَلّم
وارشد بنوره لأهل الخسر والطغيان
ولا معانا سوى عفو الله الأكرم
وظننا في الرسول المصطفى قد كان
كذا حسبنا بقومٍ تطلق المهتم
أجدادنا الأصفيا كَمَّن ولي رُبّان
اسرح من الحيد ذي فيه العُوَل ندحَم
حَيد الرّجاجيل كم شاجع وكم فتان
من حيد (عَوّين) فيه أربعمئة تلتم
رجال شجعان تخرج كلها رُميان
اشرح وقل يا إله العرش تجلي الهم
ويا رجال السلف تكفوننا العدوان
واجزع (دُبَان) اعتبر بيضا بني مهتم
واخرج بـ(نعوة) مع (طفّة) بني (بُرمان)
وانزل بها في سِيَل (يافع) وسرو اسعم
لا تلقي إلا على الوافين في (فلسان)
في قرية العز وأهل الخير والمغنم
قرية رجال الوفاء ذي تكرم الضيفان
أهل الديانة وأهل الجود ما تُشتم
أهل الشخا والفضايل فعلهم قد زان
وانشد على الشيخ ذاك العارف الأحشم
ناصر كثير المصالح ممتلي عرفان
كذا وهيثم أخيه الصالح الأحلم
عيال عبدالقوي يا خير من أخوان
وانشد على صنوهم عبدالله الأفهم
الفالح الرابح الناصح ولد عثمان
كذا وثابت ولا تنسى لمن يلزم
لهم من أهل المخوة واذكُر الجيران
يا رب زدهم من الخيرات وَتكرَّم
واصلح لهم كل حاله يا عظيم الشان
واغفر لهم كل زلة يا صمد وارحم
لهُم وجِرهُم من النيران يا رحمان
منَّا السلام عليكم ما المطر غيّم
وكلّما تهمِل الأوداق بالرشّان
سلام مخلوط بالمسك الذكي الأفخم
والنّد والعبهر المعجون من سيلان
سلام فيه الرضا لا نحوكم يمّم
يغشاكم الكل والأصحاب والأعوان
مع العشائر ومن في سوحكم خيّم
مع الحضارة وذي معكم في البلدان
ثم ينتقل إلى فصل يشمل وصاياه العديدة للخلان، وتشمل على تقوى الله والصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت والبر بالأهل والحث على القيم النبيلة التي يصعب استعراضها كاملا، حيث تعرض لها في اكثر من مائتي بيت شعري.
والخلاصة فإن هذه القصيدة تمثل نموذجاً للشعر الوجداني والاعتقاد في الأولياء والصالحين في مرحلة تاريخية سادت لبضع قرون حتى عشية الاستقلال الوطني، وتكاد القصيدة التي تزيد عن 300بيتاً تشكل ديواناً لوحدها، إذا ما طبعت..
وللأسف لم يرد تاريخ القصيدة، وهي تحتاج للتحقيق من زمنها وزمن الشخصيات الواردة فيها..