fbpx
“التحالف مع دول التحالف العربي”

 

هناك مقولة جميلة كتبها نجيب محفوظ في رواية “السكريّة” قال فيها (هذا البلد عجيب يندفع في السياسة وراء العاطفة)، ولا ابالغ ان قلت اننا بحاجة الى خفض مستوى تفعيل عواطفنا عند التفكير في قضيتنا الجنوبية ومجلسنا الإنتقالي الجنوبي. لا أتمنى أبداً ان نمارس على أنفسنا سياسة تجهيل الذات فنصبح كما قال الكاتب جلال الخوالدة (في الماضي كانت تُمارس علينا سياسات التجهيل، والآن نمارس على أنفسنا سياسة تصديق كل الخداع الإعلامي .. والنتيجة واحدة).

الجنوبيين بقيادة المجلس الإنتقالي الجنوبي لم يتحالفوا مع التحالف العربي فقط، بل ذهبوا الى ابعد من ذلك. والحقيقة التي لا يريد الآخرين ان يفهمها الجنوبيين هي اننا جميعاً نجدف في القارب نفسه. قارب الإستقلال وعودة الحقوق ورفع الظلم وتقرير حق المصير.

الشرعية التي تتحكم فيها جماعة الإخوان اليوم لديها مهمة سياسية كبيرة تتلخص في محاولتها القضاء على اي تفاهمات جنوبية مع التحالف العربي، وبأي ثمن تعيد الشرعية وتكرر محاولاتها دون توقف. واعتقد ان المحاولة الحاليّة التي تمارسها الشرعية اليوم هي أخطر أنواع المحاولات على الإطلاق، وقد برزت هذه المحاولة الخطيرة في توجيه الإعلام السياسي للشرعية والجماعة تجاه اقناع الجنوبيين بأن التحالف العربي تخلى عن المجلس الإنتقالي الجنوبي من خلال الضرب على وتر شركاء لا أتباع.

من يقود الشرعية اليوم يمتلك بعض وسائل الخداع، لكنها ليست بالمعقدة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، سارعت الشرعية بعد حملتها الإعلامية التي حاولت من خلالها اقناع الشارع الجنوبي بتخلي التحالف عن المجلس، سارعت بقرارات الإقالة التي استهدفت بها اعضاء من هيئة رئاسة المجلس الإنتقالي الجنوبي. لترسل رسالة للجنوبيين مفادها ان قرارات الإقالة ما هي الى دليل عملي على ما جاء في وسائل الإعلام طيلة الفترة السابقة. ولا انكر ان هذه الديباجة قد اوقعت بعض الجنوبيين في المطب الحكومي الذي ترعاه وسائل اعلام جماعة الإخوان.

والأمر الآخر والأهم هو القصور الذي يعانيه بعضنا في فهم طبيعة وجوهر التحالف. وهذا القصور لم يأتي من فراغ، فشقه على الأقل جاء نتيجة فعل فاعل ! والمهم جداً هو ضرورة ادراكنا وقدرتنا على تبادل الأدوار. فمن غير المعقول ان يتحمل التحالف العربي كل التفاصيل، وكأننا ضعفاء لا نتحمل اي مستجدات سياسية في المنطقة، فسرعان ما نجد انفسنا متمسكين بمواقف انفعالية أو عاطفية لا طائل لها وليس فيها أي مصلحة وطنية.

وبالعودة الى وسائل الخداع التي ذكرتها آنفاً، استطيع القول ان قرارات الإقالة من وجهة نظر الشرعية تمثل اثبات للحملات الإعلامية التي لم تخلوا ايضاً من محاولة التغطية على الفشل الحكومي الذريع في توفير ما يلزم لهذه المناطق من احتياجات بسيطة، وقد يخفى على المواطن ان المحافظات بدون ميزانيات تشغيلية. فالحكومة تعامل الشعب بالمفهوم الذي تراه وتفهمه، فهي مثلاً تعتقد ان التغيير يكفي لنسيان فترة طويلة من الفشل. وكأن قرارات التغيير هي صك غفران للحكومة، وبالتالي فتح مرحلة قانونية جديدة لتعذيب المواطن وحرمانه.

تحاول الشرعية وجماعة الإخوان اخفاء المكاسب السياسية الجنوبية التي حققها ويحققها الجنوبيين بمساعدة التحالف العربي، لكي لا يعير المواطن الجنوبي لوجود دول التحالف العربي اي اهتمام. وعلاوة على ان الشرعية والجماعة يهاجمون ويشوهون دول التحالف العربي في الجنوب ويرحبون بها في الشمال، الا انهم يدركون ان بقاء التحالف العربي بجانب المجلس يعني فقدان المصالح الإستراتيجية لهذه الجماعة التي تختطف الشرعية.

والحقيقة هي ان الجندي الذي يبنيه التحالف العربي اليوم في الجنوب جنوبياً، والمؤسسة التي يعيد بنائها التحالف العربي اليوم في الجنوب جنوبية، والقادة الذين تصنعهم دول التحالف العربي اليوم في الجنوب جنوبيين. والتسليح وبناء القوة اليوم يتوجه جنوباً، والدعم المادي والإعلامي والمعنوي، ومعظم المقومات التي اصبحنا نملكها اليوم جاءت بدعم من التحالف العربي، حتى المجلس الإنتقالي الجنوبي تأسس وامتد في كل محافظات الجنوب ودشن أول برلمان جنوبي في الجنوب، كل ذلك تم انجازه عندما جاء التحالف العربي، فما الذي نريده بالضبط .. هل نطلب من دول التحالف العربي رفع العلم الجنوبي في الرياض وأبو ظبي لكي نصدقهم ! قليلاً من التفكير.

لذلك، ارى ان المجلس الإنتقالي الجنوبي سيحافظ على علاقتة الإستراتيجية بدول التحالف العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وستستمر الشرعية وجماعة الإخوان في محاولاتها المتجدده بهدف زعزعة هذا التحالف الإستراتيجي. وسيختار الجنوبيين طريق الصواب كما يفعلون دائماً، وستدرك الشرعية وجماعة الإخوان ان جغرافية الجنوب السياسية ليست أرض خصبة لمعركتهم، وبالنهاية سيخسرون.

محـمد الغيثي
نائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية