fbpx
إخوة نساء

‎فريدة أحمد

‎سيتحدث عن حقوق المرأة وحريتها وإنجازاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وسيطالب بمساواتها مع الرجل وأهمية دورها في عجلة التنمية والتغيير والنهضة بالمجتمع, وما أن يغلق شبكة الانترنت أو يعود إلى منزله وقوقعته الذكورية, سيبدأ بممارسة سلطته الأبوية والاستبدادية على أفراد أسرته, لنكتشف المفارقة العجيبة بين ما يرفعه هذا الرجل “الأب أو الزوج أو الأخ” من شعارات وبين واقع سيء يمارسه في منزله يناقض ما يتحدث به أو ينادي إليه. منها ما قد يكون حرمانها من إكمال تعليمها بالتوقف عند مرحلة معينة, أو عدم منحها مساحة للعمل خارج المنزل, أو محاصرتها بعدم السماح لها بالخروج أو الدخول إلا بتحديد من تخالط من الناس في محيطها, أو فرض قيود ومراقبة على أبسط حقوقها الشخصية حتى داخل المنزل من أفكار وملابس وكتب واستخدامات انترنت وغيره. مما ينتج عنه نساء مضطربات وضعيفات غير واثقات من أنفسهن, يشعرن بالخوف والاتكالية وعدم قدرتهن على تحمل المسؤولية. فقط عليهن أن يمارسن أدوارهن النمطية التي أوكلها إليهن المجتمع من إنجاب وطبخ وكنس وغسل ملابس وتربية.
‎مازالت شريحة كبيرة جداً من الناس تتعامل مع النساء بهذا الشكل القاسي والمجحف, والذي قد يبدو اعتيادياً أن نراه ونسمع به من غير المتعلمين أو ممن عاشوا في الأرياف أو ممن تربوا على ثقافة العيب والحرام, لكن أن نلمسه من متعلمين ومثقفين يهتمون بقضايا المجتمع ويتحدثون عن الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان ليل نهار, بالتأكيد سيكون صادم ومستهجن بالنسبة للكثيرين. فهو ربما وأقول ربما يرى نفسه حقق إنجاز عظيم إن دعم هذه المرأة في حياته سواء “ابنة زوجة أخت أو قريبة” على أن تبقى في الظل, أما ظهورها فقد يسبب له الحرج بحكم العادات والتقاليد والقبيلة, بل إنه من الممكن أن يدعم نساء أخريات غير مقربات منه بكل ما تعنيه الكلمة من دعم مادي ومعنوي, لكنه يتوقف عند النساء المقربات في حياته.
‎وهذا يفسر كم أن شخصيات بعض الرجال متناقضة في أقوالها وأفعالها, غير واثقة بأفكارها ومعتقداتها, تكثر التبرير والتخاذل وتستسلم للعادات والتقاليد وأعراف القبيلة التي تقمع المرأة, يظهر الرجل الشرقي الصغير في أعماقها مهما أبدت من حداثة وتقدم, وتكون أكثر بشاعة عندما تظهر من تحت هذا الرداء. إذ يكون هناك خوف لدى البعض من أن يكونوا نقطة انطلاق لهذا التغيير في محيطهم, وتساعدهم في ذلك الكثير من النساء للأسف عندما تُظهر إعجابها البريء بهذه السلطة التي يفرضها عليها الرجل, بل وتتباهى بها عن جهل أمام قريناتها, ما يعطي الرجل تبريراً مقنعاً للاستمرار في سطوته التي تتحول مع الوقت إلى استبداد وأحياناً إلى استعباد. وهذا لاحظته أيضاً على مستوى خروج النساء للفعاليات أو المشاركات في أنشطة منظمات المجتمع المدني في اليمن, ستجد محافظات داعمة لمشاركة النساء والدفع بأي جهود نسوية لتطوير مجتمعهن, ومحافظات أخرى تقمع النساء وتعمل على تهميش أدوارهن لأسباب ذكرتها سابقاً إضافة لها التشدد الديني ربما, وهو ما يجعلهن متأخرات عن اللحاق بركب بقية النساء.
‎وبالمجمل لا يمكن التعميم على جميع الرجال ممارستهم التسلط على المرأة أو تبنيهم هذا المسلك, هناك من يدعم دور المرأة في حياته ويدفع بها نحو ميدان النجاح والريادة والقيادة, دون النظر للفروقات بين الجنسين آخذاً بالاعتبار أن كل منهما مكمّل للآخر, وقد يكون دعمه أحياناً أكبر من دعم المرأة للمرأة الأخرى.
‎لربما كنا بحاجة إلى توعية حقيقية وجادة تدعم المرأة من كافة النواحي كلٌ في إطار مجتمعه ومنحها مساحة واسعة لتحديد خياراتها واحترامها, وأيضاً محاولة تغيير النظرة النمطية السائدة التي استقرت في الذهن الشعبي عنها وأراد لها الموروث والمجتمع الذكوري أن تكون عليه, حتى في أبسط المصطلحات والكلمات التي وإن ثنت عليها وأشادت بها تلحقها بالرجل, دلالة على الفخر والزهو بهذا الرجل أكثر منها ربما عندما يقال لها: أخت رجال, لكنهم بالمقابل لا يتنازلون ليقولوا عن أنفسهم من باب الفخر والاعتزاز بأنهم: إخوة نساء.