fbpx
فرحة الإنجاز العلمي ومرارة الخذلان الوطني!

الدكتور قاسم المحبشي

اليوم حصلت على اللقب العلمي الأخير في مشواري الأكاديمي المرير؛ الاستاذية بامتياز! اليوم فقط وقبل قليل وافق مجلس جامعة عدن على استحقاقي للقب العلمي استاذا (بروفيسور) وكنت حاضرا في اجتماع مجلس الجامعة الموقر المنعقد في المكتبة المركزية بمدينة الشعب، برئاسة أ. د. الخضر ناصر لصور رئيس الجامعة، حضرت ممثلا عن عمادة كلية الأداب لانشغال الاستاذ العميد بمهمة تطبيع الوضع بالكلية بعد هجوم صباح أمس على افراد الحراسة واستشهاد الحارس البطل شايع الحريري رحمة الله عليه وإصابة الجندي الشجاع سالم المنصور الله يشفيه، ذهبت بخاطر حزين وشعور محبط من خيبة الشأن العام، فأعاد لي قرار الترقية بعض من الفرح المرّ.

نعم فرحت بهذه الإنجاز الأكاديمي الغالي الذي أفنيت جل عمري في سبيله، والحصول على درجة الاستاذية في الأحوال الطبيعة يعد حدثا تاريخيا في حياة الشخص والوطن.

أما في اليمن الخراب بالحروب والفساد فالأمر يشبه الانتزاع من براثن الوحش الرهيب. وأنا التلقى التهاني والتبريكات من زملائي في مجلس الجامعة عاد بي شريط الذاكرة الى بداية مشواري مع الجامعة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حين التحق بكلية التربية العليا عدن قسم الفلسفة والاجتماع الذي كان في زمانه قسما نخبويا أرستقراطيا للنخبة من الطلاب. حينها ونحن في سنة ثالث بكالوريوس اندلعت الحرب الأهلية بين الرفاق بتاريخ ١٣ يناير ١٩٨٦م في عدن وكانت حربا كارثية بكل المقاييس نجونا منها بأعجوبة! وتخرجت عام ١٩٨٨ بتقدير ممتاز ومرتبة الشرف، وحينما التحقت بالدراسات العليا ماجستير عام ١٩٩٢م نشبت الأزمة بين العليين الجنوبي والشمالي وانتهت بحرب الاجتياح الغاشمة للجنوب في ١٩٩٤م وتدمير كل شيء فيه ومع ذلك تمكنت من إنجاز الماجستير عام ١٩٩٥م بإشراف الاستاذ الدكتور أحمد نسيم برقاوي بتقدير ممتاز.

وفِي عام ٢٠٠١ ذهبت الى جامعة بغداد لاستكمال أطروحة الدكتوراه بإشراف الاستاذ الراحل مدني صالح الهيتي الف رحمة ونور تَغْشَاه، فكانت عاصفة الصحراء كارثة الكوارث، دمت دولة العراق وجعلت بغداد العظيمة اطلال وخراب ومع ذلك عدنا بعد الاجتياح الى بغداد وعشنا عاما في صراع يوم من الموت، ودافعت عن الاطروحة في سبتمبر ٢٠٠٤م بعد السقوط بعام.

وعدت الى عدن في زمن راصع المهرج الذي قال لي أول ما قابلته في مكتب رئيس الجامعة وسلمته شهادة الدكتوراه قال لي بالحرف الواحد( يا محبشي اسمك بالقائمة السوداء) وبعد مماطلة طويلة تم إقرار لقبي العلمي استاذا مساعدا، وبدات في عدن ايام المقاومة والنضال السلمي فاشتركت بها منذ الوهلة الأولى بالميدان والإعلام والفكر، وفِي عام ٢٠١٠ حصلت على اللقب العلمي استاذ مشارك بتاريخ ذات دلالة حبتورية في ٧/٧/٢٠١٠ وواصلنا المقاومة السلمية في عدن حتى نشبت الحرب الأخيرة قبل أربع سنوات وبسببها تأخرت في إنجاز الاستحقاق العلمي الاستاذية، والحمد لله اليوم حصلت عليه في ظل اوضاع كارثية لم تكن بالحساب، ولكن قدر الله وما شاء فعل.

أخيرا صرت استاذا في وطن هشيم ودولة في مهب العاصفة! ويا فرحة ما تمت، نعم فرحت باللقب العلمي ولكن فرحة مصحوبة بمرارة ساحقة مما نحن فيه من كارثة وطنية عامة! وليس هناك من مصيبة يمكنها أن تصيب الشعوب والأفراد اليوم بافدح من خراب مؤسساتهم وضياع دولتهم الوطنية الجامعة! فكيف لي أن أفرح وما أي الجهات يستورد الفرح في هذا الأصقاع المسكونة بالحرب والجريمة والخوف والاغتراب؟! إنجزت ثلاث ألقاب علمية في أربعة حروب وطنية ولازالت الآخير مشرعة الأبواب واللهم طولك ياروح. والف رحمة ونور تغشاك يا أبي.