fbpx
المغترب الجنوبي .. ودوره في دعم الثورة الشعبية

لكل مغترب ومهاجر جنوبي حكاية مع الوطن, كم هي صعبة ظروف الحياة التي أجبرته أن يترك أرضه وبيته وأسرته, على أمل العودة يوماً إلى مسقط الرأس الذي لا يغيب لحظة عن ذهنه و قلبه, فالجنوب ذُبح واكتوى لعدة عقود بسبب سياسات رعناء وعقليات متحجرة, دفع ثمن ويلاتها الباهظ المواطن الجنوبي, فتجد منهم من فضل البقاء في الداخل رغم مرارة العيش وضنكه, ومواطن نُفي واغترب إما لأسباب سياسية أو أسباب معيشية ونفسية.  ما يدعو للتأمل أن نسبة كبيرة من الشباب الجنوبي في الداخل إما مطارد أو معتقل أو عاطل عن العمل, أو ينتهل علمه من مناهج دراسية تقتل لديه التفكير والإبداع عندما تتحدث عن وجوبية الوحدة وبأي ثمن, وهو يرى فيها تدميراً لأرضه وتشريداً لأهله.

 

قبل أيام كنت أشاهد الفيلم الفرنسي welcome لشاب عراقي كردي يُدعى بلال, وهو يحكي عن معاناته أثناء عبوره الحدود الفرنسية, للهجرة سباحة نحو المملكة المتحدة, و مع تشديد أجهزة الرقابة والحصار التي تحيط  بمخارج البر والبحر الإنجليزي, دفع في نهاية المطاف حياته ثمناً لتلك المخاطرة. يعتقد بعض من الناس أن المغترب سعيد بغربته ويملك من الراحة النفسية والمادية ما يملك, رغم أن حال بعض المغتربين من الناحيتين قد يكون أسوأ من حال غيرهم من مواطني الداخل, وقد لا يستوعب مرارة هذا الأمر إلا من جرّب الغربة بكل سلبياتها ومساوئها, كما أن الكثير من جنوبيي الداخل في حوارات عديدة معهم, يعتقدون أن المغترب أقل وطنية من غيره, نظراً لبعده عن الشارع وعدم مشاركته في مسار الأحداث, خصوصاً بعد بروز الحراك الجنوبي وانطلاق ثورته الشعبية عام 2007, وهذا الأمر غير صحيح بتاتاً, المغترب الجنوبي قدم أنموذجاً رائعاً في مساندة ودعم الداخل على المستوى المعنوي والمادي والإعلامي في إبراز قضيته وإظهارها للرأي العام بالشكل المقبول.

 

لطالما شن النظام اليمني حملة قمعية وحرب إعلامية نفسية على الجنوبيين بعد اندلاع ثورتهم الشعبية, بهدف إرهابهم وإضعاف نفسياتهم, ومحاولة زعزعة ثقتهم بقضيتهم وحريتهم والتشكيك في قياداتهم, كما كان يسعى ومازال, إلى التعتيم الإعلامي عن طريق نشر الإشاعات المغرضة والترويج للأكاذيب وتزوير الحقائق بأساليب دنيئة, أثبت صمود شعب الجنوب فشلها. وقد لعب المغتربين أثناءه دوراً بارزاً في فضح تلك الأكاذيب, نظراً لظروف التهيئة المناسبة سواء على مستوى مساحة الحرية, أو العوامل المساعدة في المتابعة والسرعة عبر الشبكة العنكبوتية, فالمواقع الإخبارية والمنتديات الجنوبية وشبكات التواصل الاجتماعي فيس بوك, تويتر, يوتيوب وغيرها كانت من أهم الوسائل التي أبرزت مجازر النظام اليمني وجرائمه ضد الإنسانية, وظهور جنوبيي المهجر على برامج الفضائيات رغم تعتيم بعضها, كان له الأثر الجيد في إبراز قضية الجنوب إعلامياً في المؤتمرات والندوات والمحاضرات والاجتماعات, كما ساند المغتربين إخوانهم في الداخل عن طريق التظاهر في الخارج أما كل سفارة وقنصلية في البلاد المسموح بها, وهم يرفعون أعلام الجنوب ويهتفون بشعارات الاستقلال والحرية, لا ننسى الدور الريادي لحركة “موج” الجبهة الوطنية للمعارضة التي كانت من أولى الحركات الجنوبية التي أنشئت في الخارج في أعقاب حرب 94 مباشرة, وإعلام حركة تاج والمرصد الجنوبي لحقوق الإنسان الذي ما فتأ عن كشف أساليب النظام وتماديه في انتهاك الحق الجنوبي, إلى جانب مجموعة 33 التي دعمت أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين مادياً مع عدد كبير من التجار الجنوبيين في دول الخليج, ودور كل مغترب جنوبي ضحى استشعاراً منه بحجم المسؤولية الوطنية تجاه قضيته و أرضه.

 

يُقال أن للغربة ثمنٌ أغلى يدفعه المغترب, ولا يتمنى إلاّ أن يتخلص من هذا الكابوس بالعودة إلى وطنه القديم الجديد مكرماً معززاً مرفوع الرأس, على أن ينفى بعيداً خارج وطنه. سأختم بقصيدة لشاعر الغربة / أحمد مطر, عنوانها ” غربة كاسرة” :

ربّ

طالت غربتي

واستنزف اليأس عنادي

وفؤادي

طمّ فيه الشوق حتى

بقيّ الشوق ولم تبق فؤادي !

أنا حيّ ميتٌّ

دون حياة أو معاد

وأنا خيط من المطاط مشدودٌ

إلى فرع ثنائيّ أحادي.

كلما ازددت اقتراباً

زاد في القرب ابتعادي !

أنا في عاصفة الغربة نارٌ

يستوي فيها انحيازي وحيادي

فإذا سلمت أمري أطفأتني

وإذا واجهتها زاد اتقادي

ليس لي في المنتهى إلاّ رمادي !

وطناً لله يا محسنين

حتى لو بحلم ..

أكثير هو أن يطمع ميت

في الرقاد؟

ضاع عمري وأنا أعدو

فلا يطلع لي إلا الأعادي

وأنا أدعو

فلا تنزل بي إلا العوادي

كلّ عين حدّقت بي

خلتها تنوي اصطيادي !

كلّ كف لوّحت لي

خلتها تنوي اقتيادي !

غربة كاسرة تقتاتني

والجوع زادي

لم تعد بي طاقة

يا ربّ خلصني سريعاً

من بلادي !