وعلى المستوى الاجتماعي والإنساني كان للمغتربين دور بارز في رعاية الحالات الإنسانية، ودعم التنمية وتنفيذ مشاريع البنية التحتية، وبرز دورهم بشكلٍ جلي إبّان أحداث الحرب الأخيرة منذ عام 2015م، حيث أحدث غياب الحكومة والمنظمات الدولية في ظل الحرب أزمة إنسانية كبيرة كادت أن تتحول إلى مأساة، لولا تداعي المغتربين وتعاونهم، فكان لهم أن حلوا محل الدولة وأنقذوا النازحين بما وفروه لهم من مأوى وغذاء ودواء، ليشكلوا نموذجا فريدا وقدموا دورا رياديا، الذي لطالما اضطلعوا به في كافة المراحل وخاصة في أوقات الأزمات والكوارث والظروف الصعبة.
مصدر رئيس للدخل
وتعتمد الكثير من الأسر على ما يرسله المغتربون، حيث لا يوجد لديهم مصادر دخل أخرى غير ذلك، وتتركز أعداد المهاجرين في بعض المناطق بشكلٍ أكبر مما سواها، ومن أبرزها يافع وحضرموت وشبوة التي تعتمد أغلب الأسر فيها على الغربة كمصدر أول للدخل نظراً لكثافة أعداد المغتربين من أبنائها، وتأتي بعدها بقية المناطق فيما يخص عدد المغتربين واعتماد الأسر على الدخل المحقق من عوائد المغتربين كمصدر أساسي للدخل.
معاناة المغترب
وكما هي الحروب لا تخلف غير المعاناة والآلام، حيث لم يكتوِ بانعكاساتها الراهنة على الداخل وحسب، بل كان للمغترب في المملكة العربية السعودية نصيبه الأكبر من تداعياتها، فكان للسياسات الاقتصادية مؤخراً وما تمخض عنها من توطين لأغلب القطاعات التي كانت تشغلها العمالة الوافدة، ما قلص دخول المغتربين ورمى بهم خارج أعمالهم، وأعقبها فرض رسوم الإقامة بمبالغ تفوق إمكانيات كثير منهم، فلم يجدوا خيارا سوى العودة إلى بلدهم قبل تراكم الرسوم وتعريضهم للمهانة.
واليوم نجد على إثرها بأن المغتربين الذين قدموا للوطن الكثير، قد أصبحوا ضحايا مثقلين بخسائر مادية ومعنوية وانعكاسات نفسية كبيرة جراء تصفية استثماراتهم ومصادر رزقهم في المملكة.
وأمام الدولة والمجتمع مسئولية أخلاقية واجتماعية تحتم عليهم الإسهام في حل الإشكاليات التي سيواجها المغتربون، كلاً من موقعه، وفي حدود إمكانياته وقدراته.
ومن هذا المنطلق، يسلط الباحث ورقة العمل هذه، لدراسة وحصر الإشكاليات والتحديات المتوقع أن تفرزها موجات النزوح الجماعية للمغتربين العائدين من المملكة، وتقديم عدد من التوصيات الهادفة لتيسير عملية تكيف المغترب مع وضعه الجديد، وتقليص آثار تداعيات الأزمة عليهم.
أولا: فئات المغتربين حسب مستوى تضررهم
للتعرف على طبيعة الإشكالية التي يواجهها المغتربون في المملكة، فلابد من توزيع المغتربين إلى فئات متعددة بحسب تفاوت مستويات الضرر التي ستلاقيها كل فئة، من أجل الوصول إلى بلورة معالجات وحلول تتناسب مع طبيعة التحديات ذات الصلة.
المستوى الأول: فئة المثقلون بديون والتزامات يعجزون عن الإيفاء بها:
ورغم محدودية نسبة هذه الفئة نوعاً ما، إلا إنها هي الأشد تضرراً، وإنقاذهم يتطلب تعاون الجميع للحيلولة دون تعرضهم للمهانة والمعاناة في سجون الترحيل هم وعائلاتهم وأولادهم.
تشمل هذه الفئة العمالة التي تتقاضى أجور متدنية، وتتصرف بها لتغطية متطلبات أهاليهم أولاً بأول، وإن استطاع بعضهم جمع القليل من المال، فإن عودته إلى الداخل وبقاءه بدون عمل داخل الوطن كفيلٌ بتبديدها ما لم يسارع لاستثمارها فور عودته في تجارة تضمن له دخلا دائما في الداخل، وإن كان المبلغ ضئيلا لا يكفي لإقامة عمله الخاص، فهناك حلولٌ بديلة كالشراكات والمساهمة.
المستوى الثالث: فئة متوسطي الدخل:
تتضمن هذه الفئة من يتقاضون أجوراً متوسطة، وأصحاب أنشطة الأعمال الصغيرة والأصغر، هذه الفئة كانت أول المتضررين لأنهم أول من طبقت عليهم سياسات التوطين والتي تسببت باستبعادهم من أعمالهم، أو دفعت بهم لإنهاء نشاطات أعمالهم وربما تكبد بعضهم خسائر مالية كبيرة جراء ذلك.
هذه الفئة برغم ما لحق بهم من خسائر وأضرار، إلا أنه لا زال بإمكانهم تعويض الأمر، في حال المسارعة باتخاذ قرار الانتقال إلى بيئة أخرى تضمن تنمية رؤوس أموالهم، دون إطالة الانتظار حتى يستصعب عليهم الأمر، فالقادم أصعب وقد لا يُتاح لهم غداً من الفرص ما هو متاح لهم اليوم.
المستوى الرابع: فئة الميسورين والمقتدرين:
يندرج تحت هذه الفئة رجال الأعمال والتجار وأصحاب الاستثمارات المتوسطة والكبيرة الذين يمتلكون استثمارات في أعمال ونشاطات متعددة.
هذه الفئة ستتكبد كلف عالية جراء سياسات التوطين وإلزامهم بتوظيف عمالة عالية الكلفة قليلة الإنتاج ضعيفة الأداء، إضافة لتحمل رسوم وضرائب كبيرة، وبرغم ذلك إلا أنها لن تتضرر كثيراً إذا أحسنت التصرف واتجهت وبشكلٍ عاجل لتنويع مصادر الدخل وتعدد مواطن الاستثمار.
تداعيات مأساوية
ثانياً: تحديات المغتربين والانعكاسات الناشئة عنها
– لعقود مضت لم تشعر الحكومات المتعاقبة بثقل حمل الشعب على كاهلها، لأن المغتربين حملوا العبء الحقيقي في توفير السكن والدواء والملبس والمشرب، وبالتالي فعودة مئات الآلاف من المغتربين، وفقد مئات الآلاف منهم لوظائفهم في هذه الظروف، ستخلف تبعات سلبية على المجتمع والاقتصاد الوطني ككل قد تفرز تداعيات مأساوية إن لم يتم تداركها وبشكلٍ عاجل.
– فقدان الكثير منهم لمصدر الدخل الوحيد يجعلهم عاجزين عن شراء أبسط متطلبات العيش الكريم.
– انتشار البطالة واستفحالها في أوساط المغتربين العائدين ما قد يجعلهم فريسة التجنيد من قبل جماعات متطرفة تمثل خطرًا على المجتمع المحلي والإقليمي والدولي، بل وتهدد الملاحة الدولية.
– هناك عدد كبير من أولاد المغتربين ولدوا بدول الخارج وصاروا جزءا منها ومن تركيبتها السكانية، ومنهم من لم يزر أرضه ولم تعد له أي ممتلكات أو روابط فيها. لذا فإعادتهم بهذه الظروف يُصّعِب إمكانية تكيفهم مع البيئة المحلية، ويعمق معاناتهم.
– قد تؤدي تلك العودة الجماعية إلى تفشي الفقر والجوع وانعدام أي فرص للعمل، مما قد يتسبب بانتشار حالات السطو والنهب والسلب، والتفكك الأسري، وتشكيل عصابات إجرامية منظمة، العنف، التطرف، تفشي الأوبئة وسوء التغذية وتشرد الأطفال وحرمانهم من التعليم ..إلخ، بما يُضاعف الأزمات الراهنة، ويعمق مآسيها ويوصل تبعاتها إلى عقر كل بيت.
ثالثاً: انعكاسات الاستثمار غير المدروس على المستثمر والسوق
– ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات، وكذا إيجارات المحلات التجارية، ما يشكل عبئا كبيرا على التجار وينعكس سلباً على الأسعار ليخلف المعاناة على المستهلكين، وخاصة ذوي الدخل المحدود.
رابعاً: التوصيات والحلول المقترحة للمغتربين
– دعم المغتربين المتعثرين والمثقلين بالديون.
– مساعدة أصحاب العائلات العاجزين عن سداد متخلفات رسوم الإقامة والعودة إلى البلد رسميا.
– دراسة السوق وحصر فرص الاستثمار والتحديات والمعالجات ذات الصلة.
– تقديم المشورة والرأي للمغتربين من واقع دراسات الجدوى ونتائج التقييم.
– مساعدة المغتربين في اختبار وتقييم واختيار العمالة والتكيف مع سوق العمل.
3 – دمج رؤوس الأموال المغتربة الراغبة بالاستثمار داخل الوطن في كيانات اقتصادية قادرة على المنافسة، يتشارك في رأسمالها أكبر عددٍ ممكن من المغتربين، عبر تبني رجال الأعمال لمشاريع يتيحون جزءاً منها كأسهم تباع للمغتربين، أو من خلال تشارك المغتربين ذوي الدخل المتوسط والمحدود بمفردهم، على أن تتصف تلك الشركات بالخصائص الآتية:
– أن تكون لها القدرة على العمل وتجاوز صعوبات وعقبات الظروف والبيئة المحلية.
– أن يكون لدى هذه الشرکات قدرة كبيرة على تنفيذ الاستثمارات الضخمة، وإمكانية المنافسة.
4 – تشكيل أطر وهياكل تنظيمية للجاليات ضمن عمل مؤسسي فاعل يحقق التعاون فيما بينهم.
6 – بالنسبة إلى فئة الدخل المتوسط عليهم نقل الأصول إلى خارج المملكة أو تحويلها لأموال سائلة يسهل لهم إخراجها، وسرعة اتخاذ قرار الانتقال إلى بيئة أفضل تضمن لهم تنمية رؤوس أموالهم.
خامساً: توصيات موجهة للجهات الرسمية ذات الصلة
1 – إعداد رؤیة تنمویة لعدن، بإشراك القوى السیاسیة ومراكز الدراسات بمناقشتها وإقرارھا وتنفيذھا.
3 – معالجة قضايا الأراضي باعتبارها أحد أبرز أسباب عزوف المستثمرين عن الاستثمار في عدن، والمحافظات المجاورة، وتخصيص مناطق استثمارية في المدن الرئيسية.
5 – الاهتمام بتوفير الخدمات الأساسية، وتذليل وسائل النقل بأسعار محفزة وجاذبة للاستثمار.
6 – تفعيل دور الضبط القانوني وإيقاف ممارسات النهب والبسط على ممتلكات المستثمرين.
8 – إبرام اتفاقيات ثنائية لتبادل الخبرة مع دول عربية لديها مغتربين بالخارج ولها باع في رعايتهم.
10 – التنسيق مع الهيئات الدولية المانحة، للمشاركة في معالجة أزمة المغتربين وتداعياتها على أوضاعهم، والاستفادة من برامج الدعم التي تقدمها المؤسسات الدولية مثل، برنامج مؤسسة التمويل الدولية للخدمات الاستشارية: برنامج التمويل الأصغر، نظام حوكمة الشركات، واستكشاف بدائل تنمية منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة والبرامج التدريبية.
12 – تقديم تسهيلات استثمارية للمغتربين العائدين، وتوفير الحماية اللازمة لاستثماراتهم وتمكينهم من التكيف مع بيئة العمل بالداخل.
المراجع:
1 – البنك الدولي – حشد جهود المغتربين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي وريادة الأعمال – ديسمبر 2016 م.
3 – أمين اليافعي – عاصفة الترحيل: العمالة اليمنية في السعودية – مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية – 8 أبريل 2018م.
5 – نجيب عبد الحق الصلوي – دراسة حول «دور رأسمال المغترب في التنمية الحوافز و المعوقات»- ورقة عمل مقدمة للمؤتمر العام الثاني للمغتربين سبتمبر 2002م – عدن.