fbpx
على ذكر الحكومة في عدن

 

د. عيدروس نصر
في مقالة سابقة لكاتب هذه السطور عن رئيس الحكومة وموقفه من القضية الجنوبية كنت قد تحدثت عن ضرورة اتخاذ موقفٍ جديد من القضية الجنوبية يساهم في الانفراج باتجاه الاقتراب من الحل العادل لهذه القضية التي يقر بعدالتها القاصي والداني.
وكان أحدهم قد علق قائلا : أنت تطلب منه أن يعطيك الانفصال وهو معين من الحكومة الشرعية لليمن الموحد؟؟؟ ومع إنني لا أعير كل التعليقات وما أسميه “مناجمات الضرائر” اهتماما، فإن من المهم فهم المقصود بالموقف الجديد من القضية الجنوبية.
لم يطلب أحد من رئيس الحكومة (لا الحالي ولا القديم) ولا من سواهما إعطاء الجنوب دولته، لأن هذه القضية سيقررها الشعب الجنوبي بإرادته الحرة، وليس عن طريق الوصاية أو الأوامر الاستعلائية الصادرة ممن يتلقون الأوامر من أمراء حرب 1994م، لكننا نرى أن على من يعتقدون أنهم مسؤولون عن مستقبل البلد أن يتسلحوا برؤية مبتكرة جديدة لثنائية الشمال والجنوب، وثنائية الوحدة وحق تقرير المصير، وإن يقرأوا جيدا المعاهدات والوثائق الدولية المتعلقة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وإذا لم يقتنعوا بكل هذا فليسألوا أنفسهم كم صمدت محاولة توحيد جمهوريتي جنوب اليمن وشمال اليمن؟ وهذا سيسهل علينا الوصول إلى حل مقنع لشعب الجنوب حول قضيته التاريخية ومستقبله الحر، بدلا من ألعاب الحواة والخدع البصرية التي ولى زمانها بلا عودة.
ونتمنى أن يسألوا أنفسهم: هل ما يسوقونه من أحلام متعالية ومعادلات دوغمائية عن دولة الأقاليم والدولة الاتحادية أمرٌ قابلٌ للحياة، بعد أن رفضه الشماليون قبل الجنوبيين، الشرعيون قبل المتمردين، الأغلبية قبل الأقلية؟
أما الإصرار على مواقف تآكلت واضمحلت ممكنات التعاطي معها، بل وأوصل التشبث الصنمي بها اليمن إلى ما هي عليه من دمار وتفكك وتراجع وتحلل وانهيار لكل مقومات المجتمع المعافى، فإنه لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانهيار والدمار المادي والبشري والأخلاقي والعودة بالبلد ليس إلى شمال وجنوب فقط بل إلى شظايا جغرافية غير قابلة لتكوين كيان واحد قابل للحياة.
الذين درسوا العلوم الطبية ومارسوا مهنة الطب يعلمون جيدا أن العلاج الصائب والناجع لكل حالة مرضية يعتمد على التشخيص السليم لأسباب الإصابة ونوعية هذه الأسباب وحجم تأثيرها وقابليتها للعلاج الصيدلاني أو التدخل الجراحي أو العلاج الطبيعي، أما أن يكون السبب عدوى معوية ميكروبيولوجية، ويكون العلاج كسر العظم ونقل جزء منه إلى عضو آخر فإن النتيجة لن تكون إلا إضافة مرض جديد فوق المرض المستفحل الذي يتضاعف تأثيره يوما عن يوم ويؤدي إلى إعاقة أبدية يستحيل علاجها لا سمح الله.
لا تبتهجوا كثيرا أيها الصنميون فالجسد الجنوبي يمتك من المقاومة لكل أنواع العدوى ما يجعل قادرا على استئناف الحياة رغم الآفات المزروعة والأوبئة المنقوله إليه بتعمد وعناية، بيد أن اختصاركم الطريق واعترافكم بجوهر القضية الذي يتلخص في فشل محاولة التوحيد وفشل مشروع الأقاليم سيختصر علينا الكثير من الوقت وسيوفر علينا وعليكم الكثير من الإمكانيات المادية والبشرية والمعنوية.