fbpx
شعراء من الجنوب،تعابير بليغة وتنبؤات تتحقق
شارك الخبر

بقلم السفير/ علي عبدالله البجيري

قديماً قالت العرب ”المعنى في بطن الشاعر ” ، وهو مثل بليغ للتدليل على ان التفسير والمغزى الحقيقي للقصيدة يضل دوما لدى شاعرها، مهما أستشف المستمع من معاني لها. وهذه المقولة تنسب للشاعر الجاهلي ( امرؤ القيس ).

سأقف في مقالي هذا عند اربعة شعراء جنوبيين، تميزت قصائدهم بارتباطها بالأحداث والتنبؤات لقادم الأيام، والتي بالفعل تحققت ولازلنا نعيشها

اليوم.

الاول هو الشاعر الشعبي السيد قاسم بن محمد العوذلي، من محافظة ابين، منتمي الى قبيلة العواذل. وقد عرف عنه الدهاء والحكمة والبصيرة، وكانت له مكانه رفيعة في اوساط قومه، متميزا بمواقف مبدئية تجاه الأحداث. فهو لم يستسلم لأحداث مرحلة ما بعد الاستقلال ولم يخضع لحكم وقوانين ” الرفاق ”، معتزا بنمط حياته القبلية ممتطيا جنبيته ” العوذلية ” المتميزة، فهو لم يتركها طوال حياته، رحمة الله عليه.

ففي سبعينات القرن الماضي وتحديدا أثناء فترة الشطط والجهل السياسي، كانت رؤيته لتلك المرحلة واحداثها ومنها احداث ” ماعرفت بالأيام السبع المجيدة ” وأحداث التأميم وغيرها، هي احداث عابره مثلها مثل الرياح السائرة، ليس لها تأثير او بقاء، بما معنى انها لاتنفع ولاتغني ولا تشبع من جوع، واصفا تلك المرحلة في بيت من الشعر بالغ الدلالة وغزير المعنى بقوله فيه :

” بن قاسم محمد خذ لك من امنود قبضه وأزقر عليها بماشي وروني كيف نقضه “.

وهنا يكمن عمق المعنى وجمال التعبير ودقة التنبئ.

فلا يمكن للانسان ان يقبض على ” امنود ” التي هي الرياح او ان يقبض على الهواء العابر؟ ولا يمكن ان يستفيد الانسان من هواء ليس فيه شئ، بل لا يمكن لهواء عابر ان يستمر ويبقى في مكانه. هنا تتجلى دقة التوصيف لمرحلة سياسية كاملة شابتها عدم الحكمة والتخبط في اتخاذ القرارات. فشاعرنا افصح ببيته الشعري هذا وتنبئ بان تلك المرحلة هي مرحلة فاشله وزائلة وليس لبقائها أي دليل أو أساس، فهي حتما منتهيه، وهذا بالفعل هو ما حدث لها.

لقد عرف الشاعر قاسم بن محمد العوذلي ببعد بصيرته، فكان حكيما في قبيلته العوذلية، وهو ذو مشورة واجبة و حكمة نافذة .. تميز شعره ببعد النظر والدقة في إصابة الهدف والتبصير بالقوادم، وما أكثر القضايا التي اشار إليها واصبحت اليوم حقيقة نراها بأم أعيننا.

هذه القصيدة ارسلها إلى صديقه الشاعر عبد الله الجحملي

، يتنبئ لإحداث قادمة وخطيرة في هذه القصيدة تعابير دقيقة يوصف فيها تحسره على المستقبل المجهول لوطنه الجنوب بعد ان اجتاحته قبائل وعصابات ”بيت ال الاحمر ” وسيطرت على مقدراته، معتبرا وحدتها تلك بانها ” ضلامة وظلم ” حينها تنبئ بان الحال سوف لن يدوم وان الدائرة سوف تدور وسيعود الحق لأصحابه، وسوف يجازى المعتدون بشر أعمالهم.

يقول رحمه الله في بعض ابياتها الحزينة:

والضلامة ظلمنا شد من ظلم لبنان.

لكن الصبر وأرباب السفن من زجاها.(قوتها )

كل شي له نهاية با يجي يوم عيبان.

با يجي دور صنعاء با تشاهد عزاها.

او تجي عاصفة في منتصف شهر شعبان.

تجرف الارض والسكان تجرف قراها .

وإن جت طاحنة ”صعدة” او جت قوم ”حوثان”. باتضلي قناديس الخزاء في خزاها.

وإن قامت قفاها بين عادل وعدنان

فأحسب امعرشة (البيت ) أندقت على ذي بناها.

فالشاعر في قصيدته هذه اعتمد على الوصف والتشبيه لما يراه ويشاهده وكذا الإيحاء والتنبئ لما يمكن ان يحدث في المستقبل. وعكس مشاعره وآلامه تلك في ابيات حزينة واصف واقع ما يحدث في وطنه الجنوب بالضلامة والظلم، بل انه تنبئ بمجي الحوثيين من صعدة واستيلائهم على السلطة. واليوم نلمس تنبؤاته تتحقق على ارض الواقع، فياله من متنبئ.

شاعرنا الثاني في مقالنا هذا هو الشاعر الشعبي

ناصر المكرش ويلقب ” ابو حمحمه ” رحمه الله. هذا الشاعر الفصيح والشجاع كان لا يخاف لومة لائم فقد خاطب مباشرة رئيس الوزراء حينها المرحوم محمد علي هيثم اثناء مهرجان جماهيري نظم على شرفه عام ١٩٦٩م منتقدا بعض الاحداث ومتنبئا بمصير قيادات تلك المرحلة، قائلا:

يا بر (بن )علي هيثم يا زعيم القومية ،ذي تلبسون إمكوت وامبدوي جرم، شع (شف ) قد لبسهن جرجرة من قبلكم واصبح مشرد بين مكة والحرم.(جرجرة رحمه الله هو اخررئس وزرا لحكومة إتحاد الجنوب العربي قبل الاستقلال)

ولعل بلاغة هذه الكلمات تعبر عن حقيقة نراها اليوم ، وبالفعل اصبح كثير من القيادات بما فيهم المرحوم محمد علي هيثم مشردون بين مكة والحرم. اين الرئس هادي انه مترحل بين مكة.والحرم اين الرئيس العطاس ،اين الرئيس البيض اين الرئيس علي ناصر

اما شاعرنا الثالث في مقالنا هذا هو الشاعر الشعبي عمر صالح البان من محافظة لحج والذي جاءت قصيدته التي القاها عام ١٩٩٤م كانها كتاب مقرؤ للمستقبل القادم، متألما لما حدث لوطنه من غزو عسكري، مبيننا فيها تنبؤاته للانتقام الكبير من الله عز وجل من كل ظالم :

يا أهل الريف والبندر اذا ما الوادي قد دفر

وطم البحر خور مكسر عسى ماشي تشوفو شر

بصنعاء ربنا قدر و لا يبقى بها متجر

وكل الأغنياء تفقر عسى ماشي تشوفو شر

تعز العز با تخسر مطر من نار با تمطر

ولحمر لونه قد صفر عسى ماشي تشوفو شر

صماصيم والله با تظهر من حوف بل و من خنفر

و أهل الدجل تتقهقر عسى ماشي تشوفو شر

جيوش في بحرنا و البر

بلاوي في المخا تظهر وبعض الناس تتنصر

وصالح بن افندي فر عسى ماشي تشوفو شر

أهالي لحج يا أنور يموتو من شديد الحر

و لا معقول تتطور عسى ماشي تشوفو شر

با يظهر من جديد هتلر و يافع تسكنه صيعر عسى ما تشوفوا شر

مايميز قصيدة الشاعر عمر البان انه قالها قبل الغزو الحوثي للجنوب عام 2015م وغناها الفنان فيصل علوي الذي توفاه الله في 7فراير 2010 و من بعده ابنه علوي فيصل الذي غناها ووثقها على اليوتوب قبل وفاته في 27 /10 /2017

شاعرنا الرابع في مقالنا هذا هو الشاعر الشعبي محمد عوض المشطر من محافظة ابين رحمه الله، وقد عرف عنه الشجاعة وعدم التردد في مواجهة الخطاء والظلم. وفي قصيدة له قالها قبل وفاته يقول في بعض ابياتها

العام بادو (من اباده )الجماعه واليوم يشتو المربي

ياصاحبي شل ذنبك قد كودني شل ذنبي .

ماشي فرق يالجماعه مابين هادي ووهبي .

قال المشطر محمد فوق امعسل حط ذبي

وانتو تقولو محاصر مابين دلهي وبومبي .

الغريب جدا في هذه الابيات انه تنبئ بمصير ”هادي وحصاره.وفشله،قبل ان يصبح وزير دفاع ونائب للرئيس ثم رئيسا للشرعية المهاجرة بين مكة والحرم

كان هادي حينها مجرد قائد عسكري ضمن قوات الرئس علي ناصر المتواجدة في شمال الوطن ،انه لأمر عجيب جدا ان تصدق تنبؤاته ؟

اذن نحن نقف أمام اربعة شعراء تحدثو عن اربعة تواريخ لا تنسئ لفضاعة مأسيها 1969 ابو ”حمحمة ” ، و1970 و1996 بن قاسم بن محمد و 1994 عمر صالح البان ‘ 1991 محمد عوض المشطر رحمة الله عليه.

كل هذه الاشعار تعكس مشاعر شعراء الجنوب لما حدث لوطنهم بسبب وحدة فاشلة اعتمدت على القوة والقمع وافساد البشر،

ودمرت النسيج الاجتماعي وحدة شعارها النهب وفرض التخلف والاحتكام لقوانين الغاب.

حاولت في هذا المقال ان انظر إلى الاوضاع  والاحداث المتلاحقة في الوطن من ابواب اخرى من كلمات شعر شعبي له اثره ويعكس ما يعانيه الوطن من نزيف حتى اليوم

كل انسان له رأيه فيما حدث ويحدث.

لقد كانت الوحدة سياسية بإمتياز لم تستطيع ان ترسي وتحافظ على الروابط الاخوية والتاريخية بين الشمال والجنوب ولكنها مع.الاسف اثبتت فشل الحكام والحكم ”ولعل شعار الوحدة او الموت ”دليل على شعارات القتل والعنف

أسست لمرحلة خطيرة جدا من الاحقاد وكراهيات من صنع وتصرفات الافراد …

هذه الاشعار تعكس معانات الناس ولاتعني التشفي او تؤسس لكراهية بين ابناء الوطن فمعظمها قيلت قبل الوحدة وبعدها

ما نراه اليوم ”ان شرعية الرئيس هادي المختطفة من حزب الاصلاح والمصالح )فشلت في خلق نموذج في المناطق المحررة بل وزادة من معاناة الناس اسوئ مما كانت عليه الاوضاع،لقد تشضئ الوطن وبدل الدولة هناك دويلات والقادم اسوئ

الخلاصة الوحيدة التي توصلت اليها ان مصيبتنا في حكامنا

واختتم هذا الموضوع بما قاله ” الشاعر الداغستاني ”رسول حمزاتوف :

إن الشعراء ليسو طيورآ مهاجرة ،والشعر دون التربة الأم شجرة بلا جذور وطائر دون عش.

أخبار ذات صله