fbpx
“اليمن الواحد” ومروجو البضائع التالفة

 

بعد تجربة 29 سنة من المرارات المتعددة مع “اليمن الواحد” عاشها الجنوبيون عانوا فيها ما هو أمر من الأمرين، وبعد حربين مدمرتين كان غطائهما “اليمن الواحد” ارتكبت فيهما من الجرائم ما لم ترتكب مثلها إلا في حروب البوسنا والهرتسك ورواندا وبوروندي، وبعد إقرار غزاة 1994م بخطيئتهم في هذه الحرب التي سماها بعضهم “استعماراً” يطل علينا بعض الجنوبيين الذين يستهدفون إقناع البسطاء والسُذَّج بأن لا مستقبل للجنوب إلا في إطار “اليمن الواحد”.
لن نناقش حقيقة أكذوبة “اليمن الواحد” التي يروج البعض لها على إنها حقيقة تاريخية منذ الأزل، بينما يعلم كل من قرأ مقرر التاريخ في الإعدادية والثانوية، أنه لم يكن هناك قط دولة  اسمها اليمن، تشمل كل أراضي الجنوب والشمال طوال التاريخ كله، عدا مرتين، في عصر الحميرين ، وفي عصر القاسميين وعن طريق الغزو المسلح في المرتين، وقد كان غزواً شمالياً لأراضي الجنوب، ومع ذلك لم يتسع لكل أراضي الجنوب والشمال المعروفين اليوم، وفي المرتين فشلت تجارب الغزو ولم يعد الشعبان إلى السلم والتعايش إلا في ظل استقلال كل منهما والذي تمثل في عدد من الدويلات والسلطنات والمشيخات الموزعة بين مناطق مختلفة من بقاع الشمال والجنوب.
وعندما ذهب القادة الجنوبيون بدوافع الوطنية والنية الصادقة لبناء دولة يمنية موحدة جديدة ترفع من كرامة الإنسان ورفاهيته وسؤدده قوبل مشروعهم هذا بالغدر والوأد والغزو ومن ثم إقصاء كل الجنوب من أرضه وتاريخه وتخوين قادته وحرمانه من حقوقه التاريخية والمستقبلية.
والمأساة التي يدعونا لها أصحاب نظرية “اليمن الموحد” تكمن في أن من سيدير شؤون هذا اليمن (الواحد) هم أنفسهم من أداروا حرب 1994م على الجنوب وهم من نهب وسلب واستحوذ واغتصب حقوق الجنوبيين، وعاملوهم وما يزالون يعاملونهم كمواطني درجة ثالثة ورابعة وربما خامسة وسادسة وسيضاف لهم غزاة 2015م (الحوثيون والعفاشيون)، في ضوء تسوية سياسية يجري الإعداد لها بين طرفي معادلة (الشرعية ـ الانقلاب) يكون الجنوب فيها مادة ترضية للمتنازعين.
أصحاب 1994م قد اقتنعوا بفشل نظرية “الوحدة المعمدة بالدم” وانتقلوا إلى فكرة “فيدرالية الأقاليم الستة” و”فيدرالية الإقليمين” بينما بعض أصحابنا يدعوننا إلى التمسك بنظرية “اليمن الواحد” التي ماتت وشبعت موتا منذ ربع قرن.
مروجو فكرة “اليمن الواحد” كالذي يروج بضاعة تالفة انتهت صلاحيتها منذ عقود وتحولت إلى سموم قاتلة، بينما يحاول تقديمها للمستهلكين على إنها مفيدة للصحة ومساعدة على النمو وهو يعلم أنها لا تجلب لهم إلا الموت الزؤام  والهلاك المبين، وفي أحسن الأحول الأمراض والأوبئة القاتلة.
د. عيدروس نصر.