fbpx
همس اليراع أبعاد الحرب على الضالع*

بقلم/د. عيدروس نصر

المواجهات التي تشهدها محافظة الضالع منذ أسابيع، تختلف عن تلك التي تجري بين القوات الانقلابية وبين قوات الشرعية في مناطق مختلفة في بعض مناطق  صعدة وحجة والحديدة والبيضاء وتعز والتي يسود فيها الهدوء والتعايش بين الطرفين أكثر مما تشهده من لحظات المواجهة، مع التقدير للتضحيات التي يقدمها المقاومون الحقيقيون في تلك المناطق.

تكاد الحرب على الضالع ان تكون هي الحرب الوحيدة الحقيقية والجادة التي تتم بلا مساحيق ديكورية ولا لوازم تمثيلية بعد أن استنفد طرفا الحرب في اليمن كل ما يحتاجانه من لوازم وحاجيات الاستقطاب الكاذب.

قبل أيام نقل أحد الزملاء البرلمانيين عبر إحدي مجموعات مجلس النواب على خدمة “ووتسأب” خبرًا عن مواجهات الضالع واصفاً إياها ب”حرب الحدود” كما أسماها المصدر وقد تحدث المصدر عن هزائم كبيرة للقوات الحوثية، وبدلاً من أن ينشغل النواب بمضمون الخبر راحوا يتساءلون عن: أي حدود يتحدث الزميل؟ لقد استفزت الزملاء البرلمانيين مفردة الحدود ولم يثر اهتمامهم الخبر عن هزائم الحوثيين وانكساراتهم على أيدي أبطال المقاومة في تلك المناطق ومعها الحزام الأمني الجنوبي.

ومع التقدير الكبير للأعمال اليطولية التي يبديها المقاومون الأبطال في كل من العود والبيضاء وتعز وبعض مناطق الجوف وما قدمه مقاومو مناطق حجور وعتمة، فإن الاتجاه الرئيسي يقول أن الطبقة السياسية في الشمال تمتلك مقدرة وفيرة للتعايش مع الحالة الانقلابية والقبول بأدنى الشروط للعمل المشترك مع الجماعة الحوثية وإن مسألة الوصول إلى صفقة كهذه إنما هي مسألة وقت ليس إلّا.

لكن هذه الطبقة السياسية نفسها ليس لديها أي استعدادلإقامة قواسم مشتركة مع الجنوب وقواه السياسية ومقاومته الوطنية صاحبة السجل المشرِّف في هزيمة المشروع الانقلابي وأنصاره، وقد رصدت العديد من المواقع الإلكترونية مشاهد عديدة لمن يعبرون عن هذا الموقف وهم يمارسون التشفي بالمقاومين الجنوبيين بعيد الأنباء التي تحدثت عن نجاح الحوثيين في السيطرة على بعض المواقع الجنوبية.

وقد جاء حديث وزير الدفاع المقدشي ليكشف تلك الحالة العدائية المزمنة تجاه الجنوب والجنوبيين عندما قالها بصريح العبارة إن أي قوات لا تنطوي تحت الشرعية ستعتبر متمردة حتى لو كانت تحارب الانقلابيين، ويبدو أن هذا هو  السبب الرئيسي لاعتبارها قوة متمردة (أي محاربتها للانقلابيين)، لان الكل يعلم ان حكومة سيادته تجري حوارات مفتوحة مع الانقلابيين الحوثيين وقريبا سيغدو الحوثيون أصدقاء وشركاء (وإخوان كما قال وزير خارجية الشرعية) ويبقى العدو الحقيقي للطرفين هو الجنوب والجنوبيون.

الحرب على الضالع التي يشنها الانقلابيون الحوثيون وأنصارهم، وتساهم فيها ألوية وفيالق الشرعية بالسكوت والتفرج، وربما بالدعم من الباطن، لا تستهدف الضالع كمحافظة أو مديريات شمالية أو جنوبية، بل تستهدف رمزية هذه المنطقة بمواقف أبنائها البطولية في مواجهة العدوان منذ بداياته، وتسجيل أنصع صفحات المقاومة للعتاة والغزاة والمعتدين القدماء والجدد، وهي في الأول والأخير حرب على الجنوب كل الجنوب من باب المندب وكمران وحنيش وزقر حتى صرفيت ونشطون وسقطرى.

الحرب على الضالع تطرح عشرات الأسئلة التي كان ينبغي أن تطرح منذ زمن وأولها: هل وزير الدفاع ونائب الرئيس العسكري العتيد معنيان بما يدور في هذه المنطقة الملتهبة؟ وإذا كانا ومعهما عشرات الفيالق والألوية التي تلتهم ثلاثة أرباع الدعم السعودي ونصف ميزانية الحكومة الشرعية فأين هي تلك الألوية والفيالق التي لم تطلق طلقة رصاصة واحدة منذ ما يقارب أربع سنوات؟ وهل صحيح ما يشاع أن المقدشي وعلي محسن اتفقا مع الحوثي على تأديب الجنوب من خلال الضالع بمديرياته الجنوبية (ومعها المديريات الشمالية التي ظلت عصية على صالح وأخيه علي محسن طوال أكثر من ثلاثة عقود)؟.

الضالع لن تنكسر ولن تهزم لأنها تختزل الجنوب من أقصاه إلى أقصاء، لكن البلداء السياسيين يستعصى عليهم إدراك أن المحافظة التي تحررت بمفردها وبمقاومة أبنائها وهي في ذروة حاجتها وهزمت عدوها وهو في أوج تحالفه وقوته، يستحيل أن تهزم وهي في ذروة انتصارها وإصرارها ومعها كل الجنوب، من شرذمة تمر بأضعف حالاتها وإدنى مستويات الثقة بالنفس.

نتيجة معركة الضالع ستكشف الكثير من الخفايا الفضائحية لمن يدعون مقاومة الانقلاب وهم يدعمونه من تحت الطاولة ومن فوقها، وستفرز الشرفاء والمقاومين الحقيقيين من أبناء الجنوب والشمال على السواء من الأدعياء والمدلسين وتجار الغش والتزييف والافتراء، وبجانب كل هذا ستكشف للأشقاء في التحالف العربي أن رهانهم على القوى التي انخدعوا بها مرارا وتكراراً وراهنوا عليها بعد كل خديعة يتعرضون لها، لن يجدي نفعا لأن تجار الحروب لا يهمهم نتيجة المعركة بقدر ما يهمهم المكاسب المادية التي سيجنونها من إحدى النتيجتين، ولو وجدوا ربحا في الهزيمة لرحبوا بها كما يرحبون بكل حولة دعم يتلقونها من الأشقاء.