نظمت اللجنة الفرعية للأمن القومي التابعة للكونغرس الأميركي سلسلة من جلسات الاستماع حول “التهديد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين” خلال الشهر الجاري. وركزت جلسات الاستماع على تحديد المخاطر التي يمثلها الإخوان المسلمون على المصالح الأميركية في جميع أنحاء العالم.
إنجاب شبكات متطرفة
وفي جلسات الاستماع، تم وصف جماعة الإخوان المصرية، التي نظر إليها العلماء منذ فترة طويلة على أنها المنظمة “الأم” للحركات الإسلاموية الحديثة، بأنها “منظمة إسلامية راديكالية قامت بإنجاب شبكة من الحركات ذات الصلة في 70 دولة”، بما في ذلك تنظيم القاعدة، وفقا لما جاء في ورقة بحثية نشرها موقع “معهد هادسون” الأميركي لبروفيسور محمد علي عدراوي، الأستاذ والباحث في جامعة جورج تاون.
وأراد الكثيرون في جلسات الاستماع بوضوح أن تقوم الحكومة الأميركية رسميا بإدراج جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية. لقد ظلت الولايات المتحدة لسنوات تصف الحركات الإسلامية الأخرى، مثل حزب الله وحركة حماس، بأنها منظمات إرهابية. ولكن، لم تتخذ الحكومة الأميركية حتى الآن أي خطوات من هذا القبيل بشأن جماعة الإخوان المسلمين.
وتعلم الولايات المتحدة، على مدى عقود من الزمان، جيدا بمدى المناهضة الشديدة للغرب والليبرالية في الأجندة السياسية والإيديولوجية الخاصة بالإخوان. كما سعت أميركا، وهي جمهورية ديمقراطية، دائمًا إلى أن تلعب دورا محوريا في الشرق الأوسط، بهدف ضمان مصالحها القومية، مع الحفاظ على الاستقرار من خلال شبكة من التحالفات والشراكة مع الدول الأخرى ذات السيادة. ولهذا السبب، حاولت الولايات المتحدة بشكل دوري التعامل مع الإخوان لأسباب مختلفة.
وفي الواقع، فإنه في خلال سنوات الحرب الباردة، بدا أن الولايات المتحدة كانت تقيم علاقة وثيقة، وحتى مفيدة مع الإخوان. وبالنسبة لبعض الأميركيين، بدا أن جماعة الإخوان ربما تكون مفيدة لتعزيز المصالح الأميركية في مصر، أحد كبر الدول العربية، وفي أماكن أخرى.
إيديولوجية الإخوان المتعصبة
وبحلول أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، أصبحت جماعة الإخوان معروفة للدبلوماسيين الأميركيين. وأرسل أعضاؤها ما لا يقل عن 320 رسالة إلى سفارة الولايات المتحدة في القاهرة، احتجاجا في الغالب على الدعم الأميركي للاستيطان الصهيوني لإسرائيل في فلسطين.
وفي أعقاب ثورة 1952 في مصر، وصعود الرئيس جمال عبد الناصر إلى السلطة، بدأ المسؤولون الأميركيون يخشون التقارب المصري مع الاتحاد السوفيتي. وأدى ذلك إلى قيام الولايات المتحدة بإعادة النظر في جماعة الإخوان، والتي أصبحت توصف في الرسائل الرسمية، ليست كجماعة متعصبة، بل باعتبارها من “المؤمنين الأرثوذكس”. وبعدها عُقدت اجتماعات منتظمة في السفارة الأميركية بالقاهرة بين القائم بالأعمال الأميركي فرانك جافني والمرشد العام لجماعة الإخوان، حسن الهضيبي.
وبحلول منتصف الخمسينيات، عندما انهارت العلاقات بين الإخوان والحكام العسكريين في مصر بعد فترة أولية من التعاون، أصبح الدبلوماسيون الأميركيون ينظرون إلى ارتباط الولايات المتحدة بجماعة الإخوان على نحو متزايد، باعتباره فرصة ممكنة للضغط على الحكومة العسكرية، المتحالفة مع السوفييت، في القاهرة.
ومن المثير للاهتمام، أن الشخصية الإسلامية للثورة في إيران 1978-1979 وتزايد التطرف في مصر كانا منفصلين، ولم يُظهر المسؤولون الأميركيون في القاهرة أي اهتمام واضح بأن الثورة الإيرانية ربما تثير موجة من ثورات إسلامية مماثلة في مصر ودول إسلامية أخرى.
وطوال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، كان يتم وصف جماعة الإخوان ببساطة بأنها منظمة إسلامية مصرية. وفي الواقع، لم تكن النظرة إلى الإخوان على أنها جزء من النهضة الإسلامية الواسعة النطاق التي غيرت المشهد السياسي للعديد من المجتمعات الإسلامية في السبعينيات والثمانينيات.
وعلى هذا النحو، وبعد اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، كان الانتماء الديني لقتلة الرئيس إلى حركة الجهاد الإسلامي المصري وهي فرع من جماعة الإخوان، بالكاد موضع نقاش في التقارير الأميركية من القاهرة.
وهكذا، فلم تظهر خلال الثمانينيات، فكرة الإسلام الراديكالي في التقارير الدبلوماسية الأميركية، ولا في البيانات الرسمية للسياسة الأميركية حول الشرق الأوسط.
الإسلاموية والإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر
وتغير هذا الوضع في أوائل التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، باعتباره التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، وفشل الشيوعية كإيديولوجية ثورية.
بعد ذلك، بدأ بعض صانعي السياسة الأميركيين في رؤية جماعة الإخوان المصرية، والحركات ذات الصلة التي ساعدت في إلهامها، مثل جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية أو حركة حماس، كجزء من حركة إيديولوجية إسلامية عابرة للحدود، قادرة على الإضرار بمصالح أميركا العالمية.
ومنذ ذلك الحين، تم تعريف “الأصولية الإسلامية” بشكل متكرر على أنها مصدر قلق مستمر للدبلوماسية الأميركية.
وكما حدث، حافظت السفارة الأميركية في القاهرة على اتصالات مع الإخوان طوال فترة أوائل التسعينيات من القرن الماضي. وكان يتم تقييم الحركة الإسلامية على أنها لاعب مهم في الساحة المصرية، ومستقبل مصر. ولكن، كانت جماعة الإخوان المسلمين ما تزال محظورة في مصر. ونتيجة لذلك، توقفت الولايات المتحدة عن التواصل الدبلوماسي مع الإخوان في النصف الثاني من التسعينيات.
ثم جاءت هجمات القاعدة في 11 سبتمبر 2001 على الوطن الأميركي. وكان للاعتداء المذهل أثره الموسع بشكل كبير ومكثف في مناقشة الولايات المتحدة حول التهديدات التي تشكلها الإسلاموية أو الإسلام الراديكالي. وبالتبعية اندلع نقاش حاد داخل دوائر النفوذ في واشنطن وخارجها، لتقييم مخاطر جماعة الإخوان ودورها التكويني في ظهور الإسلام الحديث. وبرزت وجهتا نظر متباينتين في الأكاديمية الأميركية وبين صانعي القرار السياسي.
ورأى أحد المنظورات أن الإسلاموية كإيديولوجية سياسية، وحركة حديثة كانت فريدة من نوعها في المجتمعات الإسلامية. وعلى وجه الخصوص، تم فهم الإسلاموية كشكل من أشكال المحافظين السياسيين (وليس الدينيين)، والتي بدأت مع جماعة الإخوان في مصر وانتشرت بشكل كبير في جميع أنحاء العالم. في حين استندت الإسلاموية إلى هوية المسلمين وإحباطاتهم وما يتعرضون له من مظالم، ولذا فإنها لم تكن حركة دينية في حد ذاتها، بل كانت في الأساس استجابة سياسية حديثة للسلطوية المستعصية، والمشاكل السياسية الأخرى، التي تعاني منها العديد من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة.
وبدلاً من ذلك، بدأ محللون آخرون يرون أن هجمات 11 سبتمبر هي تعبير عنيف لا عن إيديولوجية سياسية، بل عن نظام المعتقدات الإسلامية، أو عن التفسير الإسلامي الأساسي للإسلام، مع كل ما يستتبعه الحديث عن السياسة والعنف.
وبرزت مقاربتان سياسيتان مختلفتان للتعامل مع الإسلاموية، من واقع هاتين الرؤيتين، شملتا التواصل الدبلوماسي مع الإخوان. على سبيل المثال، أكد الرئيس جورج دبليو بوش على التعزيز النشط للإصلاح الديمقراطي في المجتمعات الإسلامية. وكان هناك بالنسبة للكثيرين في ذلك الوقت، اعتقاد سائد بأنه حتى الإيديولوجية السياسية المتفاعلة مثل تلك الموجودة في جماعة الإخوان يمكن أن تتحول تدريجياً لتصبح معتدلة من خلال التوسعة الديمقراطية.
ولكن على عكس المثالية الديمقراطية لبوش، فقد تبنى الرئيس باراك أوباما، قبل انتخابه، نظرة أكثر “واقعية”، عن الإخوان والإسلام، حيث كشف علنًا عن شكوكه بشأن الإخوان. بالنسبة إلى الرئيس أوباما، كانت الإسلاموية أو الإسلام السياسي نتاجًا عضويًا حديثًا للسياسة والثقافة الإسلامية، ولا سيما للتفسير الأساسي والمحافظ للغاية للإسلام. وعلى النقيض من بوش، لم يعتقد أوباما، مع ذلك، أن هذا التغيير الديني والسياسي داخل الإسلام يمكن فرضه أو تحفيزه من الخارج. وأنه، بدلاً من ذلك، كان يجب أن يحدث من داخل المجتمعات الإسلامية ومن خلال قيادة المسلمين.
فتح الباب للإخوان
بين ربيع وخريف عام 2011، تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون، مرارًا وتكرارًا، عن الحاجة إلى التعامل مع الحركة الإسلاموية. وقال العديد من كبار الدبلوماسيين ومسؤولي البنتاغون إنهم عقدوا “محادثات مشجعة مع مجموعة من قادة المعارضة، بمن فيهم جماعة الإخوان.”
وأضافت الورقة البحثية لمعهد هادسون أن الانفتاح الدبلوماسي لإدارة أوباما على الإسلاميين، كان يعني ضمناً، أن دعم الولايات المتحدة السابق لبعض أصدقائها من الحكام في دول الشرق الأوسط موضع نقد.
وطوال تلك الفترة، بدا أنه كلما تحدث المسؤولون الأميركيون عن الحاجة إلى إصلاح السياسة الأميركية للتعامل مع الحقائق الجديدة في مصر، كلما تلاشى النقاش الدائر حول جماعة الإخوان نفسها في الخلفية. وفي الواقع، فكلما أصرت إدارة أوباما على الحاجة إلى قيادة سياسية جديدة في مصر تلبي تطلعات الشعب، وتحكم بشكل شامل، كلما كان يقل تركيزها على مسألة الإسلاموية في حد ذاتها.
ترويض الإسلام السياسي
وبعد فوز الإخوان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر عام 2012، ظل احتمال أن يلحقوا الضرر بالمصالح الأميركية في المنطقة مصدرا لقلق بالغ. ولكن، استمر الارتباط بجماعة الإخوان هو القاعدة للدبلوماسية الأميركية.
وخلال هذه الفترة الانتقالية، خضعت مخاوف الولايات المتحدة الطويلة، من تاريخ الإخوان في التطرف ومعاداة أميركا، لبعض التعديلات، حيث طرح المسؤولون في واشنطن فكرة أن دعم حكومة الإخوان المنتخبين، والعمل معها، يمكن أن يخدم كنموذج، وأن يساعد في كبح انتشار الحركات العنيفة في أماكن أخرى.
وشهد عام 2012، عقد العديد من الاجتماعات رفيعة المستوى بين قادة الإخوان والمسؤولين الأميركيين. وفي أبريل 2012، استضاف البيت الأبيض وفداً من ممثلي الإخوان بعد بضعة أشهر فقط من اجتماعات وكبار ممثلي الولايات المتحدة (من بينهم وليام بيرنز، المسؤول عن العلاقات مع الإخوان) في القاهرة.