fbpx
هجرات اليافعيين إلى الهند (1)
شارك الخبر

يافع نيوز – خاص.
ملخص البحث الذي قدمه د.علي صالح الخلاقي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ، جامعة عدن إلى الندوة العلمية التي نظمها مركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر تحت عنوان(ظاهرة هجرة اليافعيين عبر التاريخ) وعقدت يوم 24سبتمبر 2019م في قاعة الشيخ عمر قاسم العيسائي بكلية التربية يافع:
مقدمة:
اليافعيون شغوفون بالهجرة منذ أزمنة قديمة، ولا شك أن لذلك صلة واضحة بمحدودية أراضيهم الصالحة للزراعة، فقد كانت هي المصدر الرئيس للعيش، واستنزفت الكثير من جهودهم لتشييد المدرجات الزراعية في بطون الجبال وبناء السدود والخزانات
وأسباب الهجرة متعددة، ولعل أبرزها أن اليافعيين كثيرو النسل مع قلة الأرض الزراعية وشحة الأمطار الموسمية ولهذا كانت بلادهم تزدحم بهم فيهاجر كثير منهم بحثا عن الرزق لهم ولأسرهم، إذ تجبرهم قساوة الطبيعة وقلة مواردها وخيراتها فوق أرضهم الصخرية على أن يشدوا رحالهم ويجوبون أصقاع الأرض بحثاً عن حياة أفضل ومصدر عيش كريم لهم ولمن بقي من أسرهم في الوطن وبإمكاننا أن تصادف اليافعيين في أرجاء كثيرة داخل الوطن وفي أرجاء المعمورة.
وللأسف لم تحظ هجرات اليافعيين إلى الهند التي كانت أولى مهاجرهم ومحط رحال الكثير منهم إلى جانب اندنوسيا ثم بقية المهاجر العربية والأجنبية الأخرى، بالدراسة أو التحليل، فقد انعدمت الكتابة عنهم وعن نشاطهم وأحوالهم وتأثيرهم ومكانتهم في مهاجرهم، خاصة وأن أحداً منهم لم يترك لنا كتابا أو ذكريات تدون شيئاً عن حياتهم ونشاطهم في تلك المرحلة رغم وصول بعضهم إلى مراتب عسكرية هامة، خاصة في نظام حيدر آباد، حيث كان حضورهم قويا ومؤثراً.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تتناول هجرات اليافعيين إلى الهند بشكل خاص، والتي استندنا فيها إلى وثائق ومراسلات تاريخية  تعود إلى حقبة المهجر الهندي تسنى لنا الحصول عليها من أرشيف بعض الأسر اليافعية وتُنشر لأول مرة.
ومن المعروف أن اسم العرب، وعلى الأخص  الحضارم واليافعيين، قد لمع في الهند بصفة غير اعتيادية نظراً لمجهودهم وصبرهم ومثابرتهم وذكائهم، وكان غالبية العرب يعملون في الجندية، ولم يكن الجندي العربي غريباً على الهند، حيث أشار عدد كبير من المؤرخين والرحالة العرب من أمثال ابن بطوطة والأفرنج وغيرهم الذين زاروها عبر القرون عن وجودهم في جيوش وأساطيل حكام الهنود سواء كان الحاكم مسلماً أو هندوكياً( ).
ومع انحطاط عصر الدولة المغولية في الهند برز دور العرب العسكري ووصل ذروته في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر في نشاطهم الملحوظ وثقلهم العسكري في مجموعة كبيرة من دويلات الهند. وكان القسم الأعظم من المهاجرين الحضارمة قد اتجه إلى أندنوسيا وسنغافورة وماليزيا، وكانوا يتعاطون كل الحرف والمهن ،ويفضلون مهن التجار والصناعيين (منسوجات) أما بنو يافع فكانوا يقومون بالالتحاق بجيوش الإمارات الإسلامية الهندية قبل أن يمتصها الاتحاد الهندي. وهكذا فأن قسماً من ضباط جيش نظام حيدر آباد كان أصله من يافع( ).
إن معظم المهاجرين من الجنوب العربي هم من منطقة حضرموت ويافع وكان ميدان العمل الرئيسي لهؤلاء المهاجرين بالهند هو التجارة والاشتغال بالعلوم الدينية وانتظمت أعداد كبيرة منهم في الخدمة العسكرية بجيش نظام حيدر آباد الإقطاعي المسلم، حيث كانت هذه الولاية أحد المهاجر الرئيسية لهم، إذ أدت الأوضاع الاوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة في ولاية حيدر آباد وكذا زيادة النفوذ الهندوكي والبريطاني فيها مال الحكام الهنود المسلمون في تلك الولاية إلى انتهاج سياسية تجنيد المسلمين في جيش الولاية وخاصة العرب القادمين من الجنوب العربي ليحافظوا بهم على الحكم، وقد  بلغ عددهم في ذلك الجيش عام 1849م أكثر من خمسة آلاف مجند. حيث شجعت بعض الامتيازات الممنوحة للعرب في تلك الولاية على اتجاه هجرتهم إليها والانخراط في صفوف جيوشها. فعلى سبيل المثال كان العرب في خدمة النظام حتى عام 1872م معفيين من إجراءات القانون العادية في تلك الولاية. ولم يقتصر تواجد العرب على العمل فقط في جيش نظام حيدر آباد، فقد اتضح للطبقة الثرية في حيدر آباد، أن أفضل طريقة لحماية مصالحها هي بتوظيف واستخدام جماعات من العرب. ولم يأت عام 1854م إلا وكان أي رجل له ثروة أو نفوذ بحيدر آباد محتفظاً بفرقة خاصة من الجنود العرب.
وكما تبين المراسلات التي بحوزتنا فأن الحكومة البريطانية لم تكن راضية أن ترى العرب في حيدر آباد، وجلّهم من الحضارم واليوافع، منافسين لها في السيطرة وبسط النفوذ، ولذلك لم تقف السلطات الاستعمارية البريطانية في الهند مكتوفة الأيدي، بل حاربتهم في حيدر آباد ببث الدعاية التحريضية ضدهم بهدف انتفاضة السكان عليهم ، كما سعت إلى بذر الشقاق بين المهاجرين والسكان المحليين. وبذلت السلطات الاستعمارية جهوداً واسعة لانقاص عددهم وتخفيض رواتبهم  والحد من ازدياد نفوذهم واخضاعهم للسيطرة البريطانية، وأدخلت عام 1852م  نظام الجوازات في بومباي لمنع هجرة العناصر العربية . وفي سنة 1864م منح التشريع الهندي السلطة للمجلس التنفيذي بمساعدة حيدر آباد لمنع دخول العناصر العربية. وفي سنة 1872م جعلهم نظام حيدر آباد خاضعين لمحاكم العدالة العادية. وقد نجحت هذه الإجراءات إلى حدٍ ما في التقليل من ازدياد عدد الجالية العربية . إلا  أن عددهم بلغ عام 1886م حوالي ستة آلاف مجند عربي. ورغم العراقيل البريطانية لإيقاف هجرة العرب إلى الهند فقد استمر تدفقهم إليها حتى حصولها على الاستقلال الوطني في عام 1947م( ).
يتبع غدا…
أخبار ذات صله