fbpx
هجرات اليافعيين إلى الهند(3)
شارك الخبر

كتب – أ.د.علي صالح الخلاقي.
اليافعيون في حيدر آباد
——–
انتهى صراع القرن الثامن عشر من أجل السلطة بحلول عام 1818م معلنا بذلك نهاية عصر الجنود العرب, فقد هزم البريطانيون أغلب القوى الهندية والأجنبية بما في ذلك النظام في حيدر أباد وسيطروا على مصادر الدخل في جنوب الهند والبنغال.
وكانت نهاية السلطة الماراثية عام 1818م بمثابة إعلان لقيام الثورة العربية في حيدر أباد. كان الفوج الأول من العرب الذين وصلوا حيدر أباد عبارة عن فرقة من الحرس مرافقة للديوان أي رئيس وزراء النظام “أرستو جاه” في رحلته من بونا إلى حيدر أباد عام 1797م ، أي قبل ذلك بما يقارب عقدين.  استناداً إلى مصادر معاصرة فأنه عندما مُنح العرب شروط الاستسلام في معركة ناجبور عام 1817م:”نُفي الولاياتيين (من مواليد حضرموت ويافع وغيرهم) إلى بلاد العرب ، ولكن العرب المولدين أصبحوا مشكلة واجهت الحكومة البريطانية. في ظل هذه الظروف عرض نظام حيدر أباد الأمان على المولدين العرب، باعتبارهم إخواناً من المسلمين، وذلك بموافقة الحكومة البريطانية”. ونتيجة لذلك اقتيد العرب المسرحون إلى حيدر أباد تحت إشراف الوحدة العسكرية بقيادة هاميلتون في يناير عام 1818م. كان من بين الجنود المسرحين عمر بن عوض القعيطي الذي أسس فيما بعد السلطنة القعيطية في حضرموت.
ورغم انتشار المهاجرين الحضارم واليافعيين في كثير من مدن الهند مثل بونا وكلكتا وبومبي و وبرودا ودراس وغيرها, إلاَّ أن حيدر آباد (الدكن) ظلت الأكثر استقبالاً لهم, وكان سلاطينها يدعونهم للعمل لديهم ويسندون لهم المهام كافة ويولونهم الثقة, فانعكس ذلك على استقرارهم الاجتماعي, وكان ميدان العمل الرئيسي لهؤلاء المهاجرين بالهند هو التجارة والجندية, وكان أغلب من يصل من يافع وحضرموت خلال القرن التاسع عشر من أبناء القبائل المسلحة لذلك ينخرطون بسرعة في سلك الجندية النظامية وغير النظامية( ).
أما الأسباب التي دفعتهم إلى الهجرة إلى حيدر آباد فمنها أنها مركز جذب واهتمام المهاجرين الذين وفدوا إليها على دفعات متتالية بحثاً عن الثروة والجاه. وكانت المعلومات تصل إليهم إما عن طريق أقربائهم المهاجرين في حيدر أباد, إضافة إلى الأوضاع السياسية القائمة في حيدر آباد بين حكومة النظام ومنافسيهم من الجنود السيخ الذين تزايد عددهم نفوذهم فيها, فقامت حكومة النظام في حيدر آباد بانتهاج سياسية تجنيد المسلمين في جيش الولاية وخاصة العرب القادمين من الجنوب العربي (الحضارم واليافعيين) لمواجهة المد السيخي فيها وليحافظوا بهم على الحكم، وقد  بلغ عددهم في ذلك الجيش عام 1849م أكثر من خمسة آلاف مجند. حيث شجعت بعض الامتيازات الممنوحة للعرب في تلك الولاية على اتجاه هجرتهم إليها والانخراط في صفوف جيوشها. فعلى سبيل المثال كان العرب في خدمة النظام حتى عام 1872م معفيين من إجراءات القانون العادية في تلك الولاية. ولم يقتصر تواجد العرب على العمل فقط في جيش نظام حيدر آباد، فقد اتضح للطبقة الثرية في حيدر آباد، أن أفضل طريقة لحماية مصالحها هي بتوظيف واستخدام جماعات من العرب. ولم يأت عام 1854م إلا وكان أي رجل له ثروة أو نفوذ بحيدر آباد محتفظاً بفرقة خاصة من الجنود العرب.
وهكذا اتسع نطاق الهجرة في القرن التاسع عشر الميلادي, وكان معظم المهاجرين من منطقة حضرموت ويافع, وكان ميدان العمل الرئيسي لهؤلاء المهاجرين بالهند هو التجارة والاشتغال بالعلوم الدينية وانتظمت أعداد كبيرة منهم في الخدمة العسكرية بجيش نظام حيدر آباد الإقطاعي المسلم، حيث كانت هذه الولاية أحد المهاجر الرئيسية للقادمين من الجنوب العربي إلى الهند في تلك الفترة( ).
وكما هو معروف وتؤكده المراسلات التي بحوزتنا فأن الحكومة البريطانية لم تكن راضية أن ترى العرب في حيدر آباد، وجلّهم من الحضارم واليوافع، منافسين لها في السيطرة وبسط النفوذ فقد ظهر للحكومة البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر، أن العرب ليسوا خطراً على المركز البريطاني في حيدر آباد فحسب، بل على الكيان البريطاني بأكمله في الهند. وكان يعتقد أنه في حالة وجود اضطرابات على الحدود فقد كانت هناك ضرورة لإبقاء قوات بريطانية كبيرة لردعهم وإرهابهم؛ بل أن تقريراً إلى رئيس مجلس الهند ذهب أبعد من ذلك ووصفهم بأنهم “أكبر شوكة في خاصرتنا في الهند”. ولذلك لم تقف السلطات الاستعمارية البريطانية في الهند مكتوفة الأيدي، بل حاربتهم في حيدر آباد ببث الدعاية التحريضية ضدهم بهدف انتفاضة السكان عليهم ، كما سعت إلى بذر الشقاق بين المهاجرين والسكان المحليين. وبذلت السلطات الاستعمارية جهوداً واسعة لانقاص عددهم وتخفيض رواتبهم  والحد من ازدياد نفوذهم واخضاعهم للسيطرة البريطانية، وأدخلت عام 1852م  نظام الجوازات في بومباي لمنع هجرة العناصر العربية . وفي سنة 1864م منح التشريع الهندي السلطة للمجلس التنفيذي بمساعدة حيدر آباد لمنع دخول العناصر العربية. وفي سنة 1872م جعلهم نظام حيدر آباد خاضعين لمحاكم العدالة العادية. وقد نجحت هذه الإجراءات إلى حدٍ ما في التقليل من ازدياد عدد الجالية العربية . إلا  أن عددهم بلغ عام 1886م حوالي ستة آلاف مجند عربي. ورغم العراقيل البريطانية لإيقاف هجرة العرب إلى الهند فقد استمر تدفقهم إليها حتى حصولها على الاستقلال الوطني في عام 1947م( ).
جمعدارات يافعيون
————
شكَّل المهاجرون من الجنوب العربي, وخاصة من يافع وحضرموت, نسبة كبيرة من المجندين في جيش ولاية حيدر آباد وكان اعتماد الحكام عليهم بدرجة رئيسية لما تمتع به أولئك اليافعيون والحضارمة من مميزات عسكرية وشجاعة وأمانة وإخلاص, وهو الأمر الذي جعلهم يحظون بمكانة خاصة من لدن الحُكّام ويعتمدون عليهم بدرجة رئيسية في قوام جيشهم وينعمون عليهم بالامتيازات والرتب العسكرية ، فقد ترقى البعض منهم إلى مراتب عسكرية في هذا الجيش  وهي رتبة الجمعدارية. وكان الضباط العرب الرئيسيين الذي نالوا لقب الجمعدار من أصل جنوبي عربي، وقد كان هذا كافياً لمعرفة تكوين جيش نظام حيدر آباد، وقد اشتهر من هؤلاء بشكل خاص: الجمعدار عمر بن عوض القعيطي اليافعي والجمعدار غالب بن محسن الكثيري الحضرمي والجمعدار عبدالله بن علي العولقي من منطقة العوالق (شبوة حالياَ) وغيرهم ممن نالوا الشهرة الواسعة، وقد تولوا مراكز سياسية كبيرة قادوا الجيوش في حيدر آباد وكانوا من أقرب المقربين لدى ملك حيدر آباد، وأوثق الناس اتصالاً به، وقد ساعدتهم الظروف على امتلاك الأموال والعقارات. وفي منتصف ثلاثينات القرن الماضي بلغ عدد العرب الحضارم واليافعيين في حيدر آباد نحو عشرة آلاف يشتغلون كجنود في الجيش الغير النظامي، ويتعاطى العسكري الواحد معاشاً شهرياً قدره أربعة عشر روبية، أي نحو جنيه ونصف جنيه، ومنهم من يتولى حراسة خزائن الدولة ، وقصور سموّ النظام، وحرمه الخاص، وقصور الكثير من الأمراء والنواب والحكام، وكان الحكمدار على هؤلاء السلطان عمر بن عوض القعيطي اليافعي (توفي سنة1936م) وكانت تصرف له خزينة حكومة حيدر آباد نظير ذلك معاشاً شهرياً قدره 1320 روبية, وهو مبلغ كبير مقارنة براتب الجندي. ولكن تلك الحال لم تدم طويلاً ، فقد انهار ذلك المركز الاقتصادي، وتضاءلت تلك المنزلة السياسية ، ولم يبق من تلك الشخصيات البارزة سوى القعيطي اليافعي( ).
وتكشف دراستنا عن أسماء عدد من المهجرين اليافعيين ممن حصلوا على رتبة (جمعدار) أو (شاوش) ولم نسمع بهم من قبل, لأن عملهم ونشاطهم العسكري اقتصر على مهجرهم ولم يتعداه إلى مسقط رأسهم كما حدث مع الجمعدارات الثلاثة (القعيطي والكثيري والعولقي), أو غيرهم . والفضل في هذا الكشف التاريخي يعود للوثائق والمراسلات الأسرية التي حصلنا عليها من قبل البعض مشكورين والتي لولاها لما كان لنا أن نعرفهم عنهم شيئا، وهؤلاء هم:
1- الجمعدار عبدالحبيب ابن سالم احمد عمر أحمد عبدالله الحطيبي العمري البكري، يبدو أنه عاش متنقلا بين يافع وحضرموت والهند، ولا نعرف عام وفاته وأين لقي ربه.. لكنه عاش قبل عام 1219هـ  كما جاء في وثيقة توكيل مؤرخة 30 ذو القعدة من ذلك العام من وريث الجمعدار وهو علي أحمد ابن عبدالرحمن ابن أحمد ابن عبدالله الحطيبي العمري البكري الذي وكَّل فيها القاضي عبدالحبيب ابن الفقيه أحمد ابن حيدر علي ابن عزالدين البكري وأقامه مقام نفسه في كل ما تركه مورثه الجمعدار عبدالحبيب ابن سالم مما خلفه في جهات بلاد حضرموت( ). وتذكر وثيقة أخرى، مؤرخة 1220هـ، أنه حصل الانقطاع الشرعي بين وَرَثة عبدالحبيب ابن سالم أحمد عمر الحطيبي العمري البكري وهم الشيخ الخضر ابن محمد عبدالله عنه وعن أخوته بوبك (أبوبكر) وعبدالكريم وعيال أحمد ابن محمد وعن كريمته فاطمة بنت محمد عبدالله في وريثة عبدالحبيب ابن سالم( )، وهذا يعني أنه عاش في الهند قبل وفاته بعقود حتى حصل على الجمعدارية، وبذلك يكون من أقدم من حصل على هذه الرتبة العسكرية الرفيعة ممن بلغنا خبرهم فيما بين أيدينا من مراسلات تعود إلى تلك الفترة, وهذا لا ينفي أن يكون هناك آخرون أقدم منه ممن حصلوا على هذه الرتبة العسكرية الرفيعة.
2- الجمعدار عبدالله حسين الخلاقي، ورد اسمه في رسالة مؤرخة 1230هـ( ).
3- الجمعدار عبدالقوي بن عمر حسين المرفدي، ورد اسمه في نفس الرسالة المؤرخة 1230هـ.
4- الجمعدار معوضة سعيد، ورد اسمه في نفس الرسالة المؤرخة 1230هـ. ويبدو أنه غادر المهجر الهندي وتركها عائداً إلى المكلا كما تبين رسالة20 مؤرخة ربيع أول سنة 1244هجرية, ورد فيها اسمه معوضة بن سعيد بن عوسان البكري وأرسلها إلى القاضي عبدالحبيب بن أحمد حيدر الفقيه البكري وفيها يذكر أخبار الكسادي وبن بريك( ). كما ورد اسم نجله طاهر معوضة بن سعيد عوسان البكري, في رسالة محررة 17رمضان سنة 1279هـ بعث بها من المكلا إلى القاضي علي حيدر بن عزالدين البكري مع وكالة فيما هو له من إرث طاهر معوضة في جبل يافع( ).
5- الجمعدار مثنى بن.. ورد اسمه هكذا ناقصا  في نفس الرسالة المؤرخة 1230هـ.
6- الجمعدار أبو بكر بن عوض بن علي بن عمر الفتح الدغشري العكري الخلاقي الموسطي اليافعي، ورد اسمه الكامل في رسالة  بعث بها إلى أخيه عبدالقوي بن عوض بن علي بن عمر الفتح الخلاقي اليافعي مؤرخة في  22عاشور سنة 1264هـ/الموافق21/10/1848م( ). وفي وثائق ومراسلات عديدة يذكر فيها برتبته العسكرية (جمعدار)، بما في ذلك وثائق خاصة بورثته، وتوجد وثيقة بختمه مؤرخة 25جماد الآخر 1280هـ يقر فيها بوقفه طيناً (أرض زراعية) من أملاكه لصالح مسجد الطلح في خلاقة. وتوفي سنة 1289هـ كما جاء في وثيقة توكيل من أخيه عبدالقوي بن عوض لموكله في الهند صالح عبد الخلاقي بتمثيله في كل ما ورثه الجمعدار في حيدر أباد.
7- الجمعدار محسن أحمد الشيبة الخلاقي، ورد اسمه ورتبته سنة 1257هـ في رسالة من أحمد عبدالنبي بن عوض بن دينيش البكري، وفي رسالة الجمعدار أبوبكر عوض سنة 1280هـ( ).
8- الجمعدار جابر بن ناصر الرباكي الخلاقي، ورد اسمه ورتبته في رسالة الجمعدار أبوبكر عوض سنة 1280هـ.
9- الجمعدار عوض بن عوض القعيطي ورد اسمه ورتبته في رسالة الجمعدار أبوبكر عوض سنة 1280هـ.
10- الجمعدار أحمد بن خلف بن عبدالله بن علي بن عثمان العبادي،  ورد اسمه مع لقب الجمعدار في رسالة مؤرخة 1264هـ من الجمعدار أبوبكر بن عوض الخلاقي، وكذا في عدد من رسائل أسرته, وكان ثرياً ولديه أملاك, وله مكانة كبيرة ومؤثرة في حيدر آباد, وامتلك نسخة مخطوطة نادرة من القرآن الكريم بخط ناسخها صالح بن حميد بن خميس بن محمد بن عبدالله المسكتي, الذي انتهى من نسخها يوم الاثنين11ذي القعدة سنة 1262هجرية..
11- الجمعدار حسين بن خلف العبادي،  ورد اسمه الأول وكنيته فقط في رسالة من ناصر بن محمد احمد خلف  وعبدالله بن محمد احمد خلف آل باعباد محررة  يوم السبت سلخ القعدة سنة 1296هجرية. وقد يتبين لنا اسمه الكامل من وثائق أو مراسلات أخرى يمكن الحصول عليها مستقبلا.
12- الجمعدار علي بن أحمد خلف العبادي، ورد اسمه ولقبه في رسالة مؤرخة سنة1324هـ, وله ابن اسمه عبدالله معه في حيدر آباد .
13- الجمعدار محمد بن أحمد خلف العبادي حسب رسالة محررة سنة 1355هـ..
14- الشاوش( ) السنيدي بن أحمد علي البكري، ورد اسمه ورتبته في رسالة من أحمد معاضة بن عوض البكري سنة 1230هـ  ويذكر فيها أن السنيدي ابن أحمد البكري بخير وفي أتم الصحة والعافية وأنهم في بلاد واحدة ، هي بونة، وإذا كتب الله لهم بالعافية فأنهم مسافرين من الهند لسوء أحوال العسكرة بسبب خلاف الفرنجي(الانجليز)  مع (الخوند راكي بونة). وكانت وفاته في 30 ذي الحجة  (شهر عرفة)  سنة 1233هـ بعد مرض عضال عانى منه طوال سنتين، حسبما ورد في رسالة من بندر مُنبي موجهة لعبدالحبيب بن أحمد حيدر الفقيه البكري وحيدر بن عبدالله بن أحمد الفقيه البكري.
15- الشاوش راجح بن فرج صالح السعدي ورد اسمه ورتبته في عدد من الرسائل, وقد تم اختياره وصيا على أملاك المتوفي في حيدر عباد عبدالرب صالح عوض الخلاقي, ومعه قاسم بن محسن السعدي, وكان كما يبدو من الرسائل من الشخصيات ذات المكانة الاجتماعية بين المهاجرين ويلجأون إليه في حل مشاكلهم وفي إصلاح ذات البين( ).
16- الشاوش صلاح الضُّبي اليافعي, عمل في جيش النظام بحيدر آباد ووقعت بينه وبين الجمعدار عبدالله بن علي العولقي واقعة, قُتل فيها صلاح وجماعة من الطرفين( ).
17- عبدالحبيب بن عامر بن عوض بن عبدالله القعيطي حيث كان ضابطاً كبيراً في جيش نظام حيدر آباد, وأسهم فيما بعد في تثبيت دعائم الدولة القعيطية في حضرموت وتوفي في حيدر آباد بعد سنة 1300هـ( ).
18- محسن بن عامر بن عوض بن عبدالله القعيطي , كان ذا منصب كبير بجيش النظام بحيدر آباد وقام بدور مهم في تثبيت أركان الدولة القعيطية بحضرموت, وتوفي بحيدر آباد بعد سنة 1300هـ( ).
ولم تكن رتبة الجمعدارية مجرد قيادة عسكرية عليا في الجيش فحسب، وإنما كان من مهام الجمعدارية أيضاً القيام بالإشراف على أمور التجنيد والتسليح ودفع المرتبات للرجال العاملين تحت إمرة الجمعدارات، الذين كانوا يعمدون عند عملية التجنيد إلى اختيار الرجال المنتمين إلى قبائلهم ومناطقهم بالذات( ).
ولا شك أن هناك آخرين من أبناء يافع عموماً قد بلغوا مراتب عسكرية وسياسية ودينية عالية في نظام حيدر عباد, ومنهم -على سبيل المثال- العالم صالح بن علي بن ناصر بن علي بن جابر اليافعي وقد ألف كتاب “الشواظ المتلظي في الذب عن عقيدة العلامة الحفظي” وهو عبارة عن رسالة طويلة في الدفاع عن منظومة “عقد اللآل في فضائل الآل” للعلامة أحمد بن عبدالقادر الحفظي الشافعي المتوفي سنة 1233هـ, وله مقالات نشرت في مجلة “المنار” المصرية في العقد الأول من القرن العشرين الميلادي( ).
ومع مطلع القرن العشرين برز اليافعيون في حيدر آباد في مجالات شتى منها مختلف الألعاب الرياضية التي أصبحوا بارعين بل وأساتذة فيها, وممن اشتهر منهم في هذا المجال عيسى بن عفيف بن علي اليافعي الذي أسس مركزاً لتعليم فنون المصارعة وتدريبها وأصبح ذلك المركز من أشهر المراكز في حيدر آباد والتي بلغ عددها آلاف المراكز, ومع وفاة عيسى اليافعي سنة 1347هـ/1928م اشتهر ابنه محمد بن عيسى بها، وبالرغم من مزاولته لتلك الرياضة وإشرافه على المركز كان في الوقت نفسه صاحب مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم والتجويد( ) ووالدته هي أخت الأديب والمحقق المشهور عمر بن صلاح بن يحيى اليافعي, الذي لعب دوراً كبيراً في تجميع مخطوطات علمية نادرة وتعريفها للمجتمعات العلمية وإعدادها وتحقيقها وترجمتها للنشر( ). وفي مجال الأثقال يُذكر باجابر باحسين بن عمر اليافعي الذي فتح مركزاً خاصاً لكمال الأجسام( ).
واهتم البعض بالتعليم لما يحظى به المتعلمون من مكانة في محيطهم, بل حتى أن الأهل في يافع يفرحون كثيراً لخبر أولادهم الذين التحقوا في مدارس العلم. ففي رسالة من قاضي خلاقة قاسم عبدالصفي محررة 25شوال 1315هجرية أرسلها إلى ولده محمد في الهند عبر فيها عن الفرحة والسرور لخبر ابنه الذي ذكر لهم أنه (يقرأ العلم) ويحثه على الحفاظ على التمسك بمكانة الأجداد يقول بالنص:” أما من عندك فانت ذكرت  انك بتقرأ العلم وفرحنا واسترينا أنا وأهل خلاقة الجميع يوم زقرت(أمسكت) مهرة اجدادك نقول الله يقيمك ويهديك إلى ما يرضيه ويجنبك ما يعصيه”.
وبلغ الأمر بالبعض ليس إلى التفوق في النهل من العلم والارتقاء في مراتبه, بل وأن أصبحوا معلمين وحصلوا على مرتبة الإفتاء, ففي من رسالة عبدالله بن محمد ومحمد بن ناصر بن محمد أحمد خلف آل باعباد محررة في 9رمضان 1332هجرية, بعثا بها إلى يافع يزفان خبراً مبهجاً عن تفوق أحدهما في العلم وبلوغه مرتبة رفيعة لم يصل إليها أحد من أهله المتقدمين, حيث حاز محمد بن ناصر بن محمد أحمد خلف آل باعباد على مرتبة (مفتي الشوافع) وأصبح عالماً يقوم بتدريس حوالي 50 شخصاً( ).
ولا شك أن هناك ممن بلغوا مراتب هامة في مجالات شتى لكن لم تصل إلينا أسماؤهم لانعدام التوثيق وصعوبة الحصول على المعلومات عنهم. وقد نحصل على وثائق ومراسلات في المستقبل من أرشيف الأسر اليافعية ذات الصلة بالمهجر الهندي تكشف المزيد من الأسماء ذات التأثير العسكري أو الاقتصادي أو الديني وغير ذلك.
 وما حفظته لنا المراسلات هو أسماء عشرات وربما المئات من أسماء المهاجرين الذي وردت أسماؤهم في معرض توصيل السلام إلى الأهل في نهاية كل رسالة, وكذلك أسماء (راقم الحروف) أي من قام بكتابة تلك الرسائل ممن يحرصون على ذكر اسمائهم, ولا يتسع المجال لإيراد أسماء المهاجرين كافة, وسأكتفي بذكر بعض كتبة الرسائل الذين يحرصون على تدوين أسمائهم ربما لقلة من يجيد الكتابة في ذلك الزمن. وتخلو رسائل المهاجرين من آل باعباد التي بين أيدينا من ذكر اسم كاتب الرسالة لأنهم من بيت علم وفقه ويكتبون رسائلهم بأنفسهم, وكذلك القضاة من أهل خلاقة وغيرهم. وممن كان يكتب رسائل المهاجرين في حيدر آباد نورد الأسماء التالية- على سبيل المثال:  عبدالرب بن عبدالرحمان بن أحمد عوض العودي المنصوري الحوري البعسي اليافعي( ), محمد عبدالله علي صالح العنيس الخلاقي( ), عبدالقوي قاسم( ), ابوبكر بن عبدالكريم بن علي ابوبكر الجهوري( ), سالم عوض سالم ابن عمر حسين الخلاقي( ), صالح بن سالم لحمدي( ) وهو حضرمي من أصل يافعي ويتضح ذلك من طغيان لهجته الحضرمية التي كُتبت بها الرسالة مثل قوله”صدَّرت لكم جملة كُتب ولم يعود يَوَاب(أي جواب), أو كاتب رسالة أخرى لم يذكر اسمه ولكن لهجته تدل على أنه حضرمي حيث كتب “لحتى نتخاري(أي نتخارج) نحن وعيال عمي”( ), ونجد روابط كثيرة بين الحضارم واليافعيين في المهجر الهندي, حتى أنه يصعب التفريق بينهم في الهند لدى الباحثين وهو ما يعكس صلاتهم وروابطهم القائمة في حضرموت وفي يافع, خاصة مع الوجود اليافعي القديم في حضرموت, كما أن من أهم منافذ سفر اليافعيين هما بندر المكلا وبندر الشحر, إلى جانب بندر عدن.
*********************
الجزء الثالث من البحث المقدم لندوة (ظاهرة الهجرة اليافعية عبر التاريخ) التي نظمها مركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية يوم 24سبتمبر2-19م في كلية التربية يافع..
يتبع الجزء الرابع غداً.
أخبار ذات صله