fbpx
هجرات اليافعيين إلى الهند (9 والأخيرة)
شارك الخبر

كتب – أ.د.علي صالح الخلاقي
أحداث مهمة تؤرخها المراسلات
———————
تعد المراسلات مصدراً تاريخياً للأحداث التي دونتها بالصدفة والتي قد لا نجدها في غيرها من المصادر, ورغم أنها كتبة بلهجة غير فصيحة وبدون تفاصيل إلا أنها غنية بمحتوياتها من الحقائق والوقائع التاريخية التي تفيد الباحث المختص عن أحداث الهند أو يافع.
فمن أحداث الهند ومن رسالة بعث بها أحد المهاجرين من بلد حيدر عباد, نعرف أنه في يوم الثلاثاء 20 شوال (عاشور) 1264هـ حدث اشتباكات (هَدَّه) بين المسلمين والروافض (الرفاظ) وقتل من المسلمين أربعة أشخاص وهرب الروافض, ثم تصالح الناس, وأخبار حيدر عباد غير جيدة (مربوشة) ولم تعد كما كانت( ).
ومن أخبار سنة 1275هـ نعرف عن حدوث هدنة بين السلطان أفضل الدولة بن ناصر الدولة وبين الانجليز(الفرنج). أما أخبار الفرنج فحدث بينهم وبين مولى دلي (دلهي) معركة عظيمة ويقال أن النصر مع المسلمين( ).
ومن أخبار سنة 1329هـ حدوث مرض عظيم في حيدر آباد تسبب بوفاة حوالي (لاك) أي مائة ألف شخص من المسلمين وغيرهم (الكفار) ولا أحد يعرف هذا المرض, وممن توفى بسببه المهاجر أحمد بن ناصر بن محمد بن أحمد بن خلف العبادي ووالدته شايعة بنت حسين( ).
ونعرف من رسالة أخرى سنة 1332هـ أن حيدر آباد قد عانت من قحط شديد لا يمكن وصفه استمر مدة14عاما عجافاً, عم بسببه الغلاء وتضاعفت الأسعار فالطعام الذي كان سعره بربية تضاعف ثلاث مرات, وقس على ذلك بقية المواد, وفي ذلك العام هطلت الأمطار حسب العادة وبقي صلاح قلوب الناس( ).
ومن أخبار يافع نتعرف من مراسلات المهجر الهندي في أحداث سنة 1316هـ نتعرف من مضمون رسالة أحد المهاجرين في حيدر آباد على ما بلغه من أخبار الجفاف والقحط الذي عمَّ في يافع وأن أكبر ضرر (جعث) كما بلغه وقع في خلاقة وفي بني بكر, وبسبب ذلك مات كثيرون ورخصت قيمة الأراضي الزراعية( ).
وتكشف لنا رسالة تعود إلى سنة 1333هـ/1915م عن الحروب التي دارت بين يافع والزيود, والتي تزامنت مع أحداث الحرب العالمية الأولى ومحاولة الأتراك الوصول إلى عدن, وقد استغل الإمام الزيدي يحيى بن حميد الدين الفرصة وحاول الوصول إلى أطراف يافع, لكنه مني بهزيمة قاسية وعاد على أعقابه, وهو ما جعل صاحب الرسالة يذكر الانتصار الذي بلغه ضد الزيود ويجعله يحمد الله ويفرح غاية الفرح( ).
الخلاصة
——
إن هذه الدراسة تكتسب أهميتها بتفردها في دراسة أحوال وشئون المهاجرين اليافعيين إلى الهند منذ القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين في ضوء وثائق ومراسلات أصلية تنشر لأول مرة، وهي تكشف عن جوانب خفية وحلقات مجهولة من تاريخ المهاجرين، كاد أن يطويها النسيان، وتبين ظروف وأسباب هجرتهم التي تعد اختيارية وفردية وأهم دوافعها اقتصادية بحتة بهدف كسب الرزق، وقد تكون حافزا للدفع بآخرين من الأسرة أو الأسر الأخرى خاصة عند احراز نجاح  فبوجود عوامل الجذب فأن الرعيل الأول من المهاجرين يستدعون أقربائهم إما لمساعدتهم أو للحاق بهم لتحسين أحوالهم المعيشية، ونتعرف على طرق ووسائل سفرهم وصعوبات الوصول في عرض البحر وكيفية تقبلهم وضعهم وعملهم في موطن الاغتراب وظروف معيشتهم وارتباطهم الحميم بوطنهم وتواصلهم مع أهلهم واستمرار دعمهم والتعرض لتأثيرهم الاقتصادي والاجتماعي في يافع وغير ذلك مما يمكن استخلاصه من مضامين هذه الوثائق الثمينة والنادرة التي تكشف جوانب خفية عن حقبة المهجر الهندي، بما في ذلك ثقلهم العسكري والاقتصادي على موطنهم الأصلي وكيفية اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة وتأثير هجرتهم الطويلة على أسرهم ، خاصة الزوجات والأمهات اللاتي يعشن خلال سنوات الاغتراب في ترقب وشوق لعودة المهاجرين، ولعل الزوجات هن أكثر انتظارا لعودة أزواجهن اللاتي تزداد معاناة بعهن، فوفقاً للتقاليد، فإن أعمال حراثة وزراعة الأرض عمل من اختصاص الرجال، لكن عملية التنقل والهجرة  تغير الظروف تغييراً جذرياً، فعندما يعمل الرجال في أماكن اغترابهم  البعيدة عن أسرهم، فإن النساء يضطررن للتكيف والقيام بأعمال رجالهن المهاجرين، أو المتوفين في مهاجرهم أو ممن يطول انتظارهم وتنقطع أخبارهم، حيث يغيب البعض لسنوات طويلة وقد يرتبط بالزواج من هنديات مسلمات.
ورغم عيشهم في مهاجرهم واستقرار كثيرين منهم واندماجهم بالتزاوج إلا أنهم يحافظون على تقاليدهم التي تكون لها سلطة قوية في إملاء معايير السلوك والآداب الاجتماعية , ولذلك يظل اليافعي محافظاً على تراثه وعاداته وتقاليده , وهو ما يفسر حب المهاجرين منهم لمسقط رأسهم وتعلقهم بأهلهم وقومهم وعشيرتهم.
كما تقدم هذه الدراسة من خلال الوثائق والمراسلات تفاصيل قيمة عن جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية والعلاقات الأسرية والمشاكل الاجتماعية والتأثير الواضح للمهجر الهندي على جوانب الحياة العامة في يافع في تلك الحقبة وكذا الترابط الوثيق والتقارب بين الحضارم واليافعيين في مهجرهم، علما أن هذه الدراسة لم تتعرض لليافعيين الحضارم.
ختاما يلزمني الوفاء أن أزجي جزيل الشكر لكل من ساعدني في الحصول على الوثائق والمراسلات عن حقبة المهجر الهندي التي كانت المادة الرئيسية لهذه الدراسة، وأخص بالذكر هنا: ناصر علي محمد بن عزالدين البكري، محمد علي بن خلف العبادي،عزالدين عبدالله محمد عبدالله بن عزالدين البكري, قاسم صالح دينيش البكري، محمد حسين العاقل بن دينيش البكري، صالح بن صالح الجليل الخلاقي، عبدالله سالم أحمد ابن عبد سالم البكري، محمد صالح السنيدي وصلاح أحمد حسين الواحدي، ولا أنسى من توفاهم الله وعلى رأسهم والدي الحاج صالح عبدالرب يحيى بن سكران الخلاقي، وقاسم صالح بن صالح عمر بن سكران الخلاقي(رحمهما الله واسكنهما فسيح جناته). وأرجو أن تكون هذه الدراسة حافزا لكل المعنيين بتقديم صور مما لديهم من وثائق ومراسلات عن حياة المهاجرين سواء في الهند أو في غيرها من المهاجر التي ينتشر فيها اليافعيون لتوسيع إطار هذه الدراسة في المستقبل وإصدارها في كتاب توثيقي.
أخبار ذات صله