fbpx
في الذكرى الثانية عشرة لرحيله.. الشيخ العصامي عمر قاسم العيسائي(1919-2008م) … (5)
شارك الخبر

كتب – د.علي صالح الخلاقي
الشيخ عمر في مرآة محبيه
شخصيا, لم أتشرف بمعرفته أو مقابلته في حياته, لكنني سمعت عنه الكثير والكثير من سجاياه ومناقبه وكرمه وجوده وحبه لأعمال الخير وتعلقه بها مما جعله يحتل مكانة طيبة في قلوب كل من عرفه أو سمع عنه أو التمس خيره, وهم كثيرون, وأنا واحد منهم فقد كان لدعمه نصيب في شحذ هممي لنشر ما تيسر من الموروث الشعبي الذي شمله بعنايته ودعمه, وهو ما لا أنساه له ولواسطة الخير الأستاذ المثقف محمد بن محمد الرشيدي. وكما كان منهجه في حياته أن جعل في أمواله حق معلوم للسائل والمحروم ولمشاريع وأعمال الخير, فقد أوصى أن يكون جزءا مما خلفه صدقة جارية تُنفق في أوجه الخير, ففاز بالذكر الحسن في حياته وبعد مماته, وأجره عند الله كبيراً( ).
ولعل خير من يصفه ويحسن الحديث عن مناقبه وشمائله هم أولئك الذين عايشوه وعرفوه عن قرب أو عملوا معه, فبحسب صديقه ورفيق دربه رجل الأعمال الشيخ عبد الحي السيلاني:” كان ذكياً، حسن الحظ، إلى جانب كونه عصامياً بدأ من الصفر، وقد ساعدته الظروف كثيراً, كان مغامراً، ومتفوقاً في مجال العلاقات العامة، وكانت لديه خبرة كبرى بالحياة تعادل أعلى الشهادات العلمية في تحليل الشخصيات وهو ما كان يركن إليه كثيراً، ومن صفاته التي اشتهر بها كونه رجلاً كريما ومرحاً لا يحب أن يظهر غضبه أو همومه للآخرين».
وقال عنه عبد الحكيم السعدي نائب الرئيس لشؤون العلاقات والاتصالات في مجموعة عمر قاسم العيسائي في حديث لصحيفة “عكاظ” عقب وفاته, أن الشيخ عمر يرحمه الله كان يتابع تدفق المساعدات التي يقدمها للمحتاجين ما يدل على أنه يرحمه الله كان إنساناً يحمل في قلبه حب الآخرين والتواضع والتراحم. ويتذكر قصة شخص فُصل من عمله في أحد البنوك فذهب إلى الفقيد في بيته فاستقبله وأدخله المجلس وعندما سمع قصته ساعده وأمن له عملاً على الفور في مجموعته.
ويلخص الأستاذ محمد بن محمد الرشيدي الذي شغل نائب الرئيس المجموعة سبب نجاح الشيخ عمر في عالم الأعمال في عصاميته ومثابرته التي استطاع من خلالها تكوين مجموعته التي يشار إليها بالبنان .
وأشار عاصم قيسي مدير عام العمليات بمجموعة العيسائي إلى أن الفقيد كان حليماً وحريصاً على متابعة أعماله وأحوال موظفيه الذين يزيد عددهم عن 25ألف موظف. وإن الفقيد كان يوجه بدراسة تحويل شركاته إلى مساهمة، وله موقف مشرف بخصوص وكالة “ناشونال  باناسونيك” اليابانية عندما أرادت الشركة اليابانية عدم تجديد الوكالة مع الدهلوي فقام المسئولون بالشركة اليابانية بالتفاوض مع الدهلوي, لكن الفقيد قال لابنه محمد  “تفاهم مع الدهلوي وساعدهم في حل مشكلتهم”  لكن الشركة اليابانية لم ترغب في تجديد الوكالة مع الدهلوي وهذا الأمر يجسد حرص الفقيد على تسوية الموضوعات بالحلول الودية ولا يحبذ خطف الوكالات، كما يجسد الرقي في التعامل وأسلوبه الإداري الفريد والمحبب للآخرين والذي يراعي مصالح الجميع بغض النظر عن الربح الذي يمكن أن يتأتى منه ربح( ).
أما صديقه الأستاذ عبد العزيز عبد الرحمن النعيم( ) الذي ارتبط معه بعلاقة صداقة صادقة على مدى أربعين سنة وعرف عنه, كما يقول, مواقف وأخلاق رفيعة وراقية لا تفيها أي كلمات, وكتب عن الفقيد في جريدة (المدينة) السعودية واصفا إياه بأنه علم من معالم الكرم والإنسانية.. وخير رمز للخير والتقوى والعطاء والمواقف النبيلة، صاحب الأعمال الجليلة التي اكسبته الشهرة في العالم على المستوى الشخصي والتجاري.. وكان بيته مفتوحا دائما لكل سائل ومحروم فكان من دخل عنده خرج مبتسما فرحا ثلج الصدر… وكان إن أعطى أكرم وزاد ولم ينقص, كرس حياته ليكون اليد التي تعطي قبل أن تسأل وبعد أن تعطي لا تذكر مَنْ وكم أعطت، هو سند لكل محتاج غنيا كان أم فقيرا, يمشي بنفسه للبيوت الفقيرة ويدق بابها ويعطي مما أعطاه الله بنفس راضية.
وكتب الأستاذ سالم صالح محمد مرثية يخاطب فيها الفقيد يقول: كنت حاضراً في كل مكان لم تغب أبداً ولن تغيب لأن بساتين أعمالك الخيرة ستظل تذكر بك وتنوب عنك وتتحدث باسمك وتستفيد من خيراتها أجيال ممن عرفت ومن لا تعرف من القادمين من ظهر الغيب، وحتى عابري الطريق الذين يرفعون أيديهم إلى الله ترحماً عليك ودعاء لك( ).
وتحدث الأستاذ الأديب والكاتب الكبير فضل النقيب, رحمه الله, عن الفقيد قائلاً: الشيخ عمر قاسم العيسائي الذي رحل عن الدنيا الفانية بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال، كان لا يغيب ذكره عن مدار الأيام والسنين, وكثيرون ممن لا يعرفونه معرفة شخصية تراهم وتستمع إليهم يتحدثون عنه حديث الذين عايشوه واستمعوا إليه، مصداقاً للأثر « إذا أحب الله عبداً من عباده حببه إلى الناس» ولست هنا في مجال مآثره والثناء العاطر على سجاياه وشمائله، فقد كان بأخلاقه الرفيعة وإيمانه الصادق العميق وتواضعه اللافت لا يحب سماع المديح ولا التظاهر بأعمال الخير، فهو من ذلك النوع من البشر، الذين سخرهم الله، جل وعلا، لقضاء حوائج المحتاجين، دون أن تعرف شمال الواحد منهم ما أعطت يمينه( )..
أما الشاعر الأديب فاروق المفلحي الذي عرفه عن قرب فكتب يقول عنه:”لم يكن عابرا في الحياة بل تموضع فيها بكل بهاء ونقاء وألق ولم يكن ينام قرير العين الا ذا استشعر ان من حوله في خير وأمان وسلام كان مثالا للعطاء والجود والتواضع والنزاهة كانت الناس تأتي الى قصره فيلقاهم هاشاً باشاً وكان بيته مفتوحا وموائده عامرة ولكل الناس.. تلجأ اليه الناس في الشدائد. يستيقظ فجرا يرتل القرآن ويؤدي الصلوات ويدير شؤونه سائلا كل مدراء شركاته عن احتياجاتهم ومشاكلهم ليذللها فما كان يعتمد على تقارير تصله بل هي الحاضر في كل تفاصيل وهموم شركاته لذا فقد نجحت وازدهرت أعماله والمال البرك يبارك به الله لشدة التصاقه بأصدقائه ومنهم الشيخ علي عبد الله العيسائي رجل الأعمال المعروف, لذا كان الكثيرون يعتقدون انهم اخوة, هنا الوفاء والصدق والشراكات القائمة على الاخلاص والشفافية”( ).
وفاته
انتقل الشيخ عمر قاسم العيسائي إلى جوار ربه يوم 6 يناير 2008م عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عاماً. وقد وافته المنية في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن حيث كان يتلقى العلاج, ونقل جثمانه ووري الثرى اليوم التالي في مقبرة العدل, إحدى مقابر مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة.
عم الحزن لوفاته أرجاء واسعه في موطن إقامته المملكة العربية السعودية وفي مسقط رأسه يافع وغيرها من المناطق والبلدان التي وصلها خيره وحزن لرحيله كل من عرفه أو سمع عنه أو ناله شيئا من خيره, وذرفت أعينهم دموعاً حَرَّى,  وتألموا كثيرا لفراقه وصلوا من أجله صلوات بقلوب خاشعة مشفوعة بدعوات تَتْرَى أن يجزيه الله خير الجزاء ويسكنه مع خير الوَرَى, في فسيح جناته.
وتجسد الحزن على رحيله بكتابات الوفاء وقصائد المدح أو الرثاء, وقد نُشر عنه ما قيل عنه عقب وفاته في كتابين, أحدهما تأبيني وُزِّع في أربعينيته بعنوان(كلمات وفاء في رمز العطاء..الشيخ عمر قاسم العيسائي) أعده الدكتور علي صالح الخلاقي, والآخر بعنوان (إلى فقيدنا الغالي ..الخالد فينا الشيخ عمر قاسم العيسائي) كتبه كل من:سالم صالح محمد وفضل علي النقيب وعلي صالح محمد.
ختاماً
من الصعب تناول سيرة شخصية عظيمة بحجم هذا الرجل او تلخيص تجربته الغنية ونجاحاته الممتدة على مساحة زمنية قدرها سبعة عقود في حيز كهذا، وفي زمن قصير كهذا، فالحديث عنه يحتاج إلى وقفات طويلة وتتبع دقيق لكل جوانب سيرته وكفاحه ومناقبه، منذ ميلاده حتى وفاته، بما فيها من محطات هامة حتى وصل إلى ما وصل إليه من مجد وسؤدد، ومثله يحتاج أن تؤلف فيه الكتب، وتنظم الأشعار لتكون في متناول من أراد الوقوف أمام أسرار نجاحاته للاقتداء به واقتفاء أثره، والتعلم من مناقبه وخصاله النبيلة.
وهذه هي ملامح موجزة فقط من سيرة حياته ونجاحاته في مجالات المال والأعمال وفي أوجه الخير وعلاقاته وقيمه الإنسانية.. وتظل سيرته العصامية المكللة بالنجاح عبرة للطامحين المثابرين لصنع النجاح وحافزا ومدعاة للساعين إلى الخير, وفي كرمه وبذله في ميادين الخير قدوة للباذلين بسخاء وطيب نفس ابتغاء الأجر من الله, فقد ارتضع ثُدِيّ الكرم, كما يقال في أمثال العرب, ومثله قَمِينٌ أن تُخلّد سيرته العطرة وتسجّل مواقفه بمداد الفخر, لتكون منهلا تستقي منه الأجيال تلك القيم الي جُبَل عليها, وتبقى زادا لهم في رحلة الحياة تضيء لهم طريق النجاح وحب الخير والفضيلة.
*********
(من الورقة المقدمة إلى ندوة “ظاهرة الهجرة اليافعية عبر التاريخ – تحت عنوان شخصيات مهاجرة, التي عقدت في قاعة الشيخ عمر قاسم العيسائي بكلية التربية يافع يوم 24سبتمبر2019م ونظمها مركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر)..
يتبع غداً الجزء الأخير …
أخبار ذات صله