fbpx
هيكلة الشمال اليمني

نورا المطيري

لاشك أن تصريحات السفير الأمريكي في اليمن، السيد كريستوفر هنزل، بشأن مُشكلة الشرعية اليمنية الحالية وإحتمالية إنهيارها، والتي قال فيها أيضاً “أتوقع أن دولة الجنوب العربي قادمة، ولا أخفي سراً أن أمريكا والإتحاد الأوروبي متفقان على أهمية عودة دولة الجنوب” ستثير الحديث عن الرؤى الأمريكية والأوروبية بشأن الأزمة في اليمن ومدى المساهمة الدولية، بعد إتفاق الرياض، في إعادة ترتيب الأولويات، بما يضمن حل النزاع في اليمن، بشكل نهائي.

ويبدو أن لقاء السيد هنزل مع عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي، في نوفمبر 2019، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وتقديمه التهنئة على توقيع اتفاق الرياض وتأكيده على دعم الولايات المتحدة للاتفاق الذي وُقِّع برعاية كريمة من السعودية والإمارات، قد ساهم بشكل كبير، على رفع مدى اهتمام الإدارة الأمريكية بهذا الإنجاز التاريخي، والتفكير بجدية، بالتعاون والتنسيق مع قيادة التحالف العربي، على خريطة طريق جديدة، تضمن سرعة الحل والتنفيذ، لإعادة هيكلة الشمال، بتوليفة ناجعة متماسكة، تساهم فعلاً في محاصرة للحوثية الإرهابية المدعومة من إيران ومكافحة الإرهاب في اليمن، سواء الحوثية وداعش والقاعدة، أو الجماعات الإرهابية كالإخوان، والتي تزعم بأنها جزء من الجيش الوطني اليمني، لكنها تأتمر بأوامر خارجية أو منشقة.

بالطبع، تصريحات السفير الأمريكي، حول الشرعية اليمنية، تُحلل رأي الإدارة الأمريكية، والأوروبية على ذات الصعيد، بإثبات عجز الشرعية اليمنية، رغم المحاولات الكثيرة، عن تفكيك توغل جماعة الإخوان في مفاصلها الإدارية والعسكرية، وعجزها لذات السبب، عن تحقيق إنجازات إستثنائية على الجبهات أو المفاوضات مع الحوثية، فيصبح الرأي الأمريكي، وبسبب ثقة الجميع، بحنكة الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، وتوليه زمام الإدارة اليومية المستمرة، للملف اليمني، أن إعادة هيكلة الشمال والجيش اليمني، قد أصبح الأولوية الأهم، والخطوة الأوسع، نحو تحقيق السلام، وإنهاء التمرد الحوثي.

ولاشك أيضاً أن استقبال سمو الأمير خالد بن سلمان للعميد الركن “طارق محمد عبدالله صالح” قائد المقاومة الوطنية اليمنية، عضو القيادة المشتركة في الساحل الغربي باليمن، دلالة على أهمية إعادة هيكلة الجيش اليمني، وتوزيع القوى السياسية والعسكرية وتوحيد صفوفها، لوأد محاولات إفشال إتفاق الرياض، ولمواجهة الحوثي والمحافظة على سلامة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، والتنسيق المشترك لمواجهة ميليشات إيران الإرهابية.

وجهة نظري، أن ترشيح “طارق صالح” المحتمل، لمنصب وزير الدفاع اليمني، خلفاً للمقدشي، الذي جعل من الحوثي قوة عسكرية، قد يساهم، وخلال تنفيذ المرحلة الثانية من إتفاق الرياض، القاضي بتشكيل حكومة يمنية مناصفة بين الشمال والجنوب، من تقليص نفوذ الإخوان المتدثرين بثوب الإصلاح، والمتآمرين مع الحوثية، الرافضين تحرير صنعاء، والمتربصين للجنوب، فيتولى “صالح” إعادة هيكلة الجيش في الشمال، والوقوف صفاً واحداً مع القوات الجنوبية، للتوجه نحو صنعاء وتحريرها.

ومن جانب آخر، لا أعتقد أن التحالف العربي، سيتجاهل حوار وزير داخلية الإخوان مع قناة الجزيرة الذي توعد بـ “احتلال عدن والقضاء على الانتقالي”، وما تعنيه تلك النوايا، لاستنزاف التحالف العربي، خدمة لأعداء المملكة في طهران، والسماح للحوثيين بالسيطرة على اليمن.

إذاً، لم يعد خافياً على الأمريكين أو الأوروبيين، والمجتمع الدولي أيضاً، أن ما يقوم به الإخوان في اليمن الآن، ومخالفتهم الأوامر والتوجيهات، بالتحرك نحو جبهات مأرب ونهم وصنعاء، والإلتفاف والتوجه نحو شبوة وأبين وعدن، إنما هي حرب نفسية يخوضونها، في اللحظات الأخيرة، ضد التحالف والشرعية والجنوب في آن معاً، لدعم الحوثية وإفشال إتفاق الرياض وإظهار المجلس الإنتقالي الجنوبي معطلاً للإتفاق، وكذلك الإستماتة لدفن مشروع الدولة الجنوبية القادمة، التي يُلمح الأمريكيون والأوروبيون الآن، بإمكانية الإعتراف بها.

إعادة هيكلة الشمال اليمني، بما يتناسب مع قوة وتماسك الجنوب العربي، خصوصاً بعد قرار الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي الجنوبي، بتشكيل “الهيئة العليا لإدارة الحوار الوطني الجنوبي” للشروع في الحوار الجاد مع المكونات الجنوبية دون استثناء بما فيها رموز الشرعية لتوحيد جهود القوى الوطنية الجنوبية والإسهام الفاعل لتنفيذ اتفاق الرياض والتوافق على توحيد الخطاب السياسي، سوف يمهّد للمجتمع الدولي، التفكير في الغاء الوحدة الاندماجية الفاشلة، بين الشمال اليمني والجنوب العربي، ويؤسس مبدئياً للدولة اليمنية الفدرالية الاتحادية، بين مكونين أساسيين، برئاسة الرئيس عبدربه منصور هادي، والتي ستتمكن من تكثيف الضغط على الحوثية لقبول السلام والعودة تحت مظلة الشرعية، بدل مظلة إيران، أو الذهاب إلى خيار حرب حاسمة تستأصل الميليشات الحوثية من العاصمة صنعاء.

وعلى ذات الصعيد، تحدث سفير الإغاثة الإنسانية، العضو في مجلس الخبراء العرب، الدكتور عادل بكيلي عن مفاوضات تشاورية مغلقة ومستمرة، بدأت في نيويورك مساء الجمعة 24 يناير 2020، تناقش حل الدولتين في اليمن وفك الإرتباط وعودة الوضع القانوني الدولي إلى ما كان عليه قبل 22 مايو 1990، وإذا صح ذلك، وتم إعادة هيكلة الشمال اليمني، وتوحيد الصفوف الجنوبية، فإن حل الأزمة في اليمن سيأخذ طابعاً مختلفاً، وسيقلب الطاولة على الحوثيين والاخوان ويقطع الطريق أمام إيران وتركيا وقطر، التي إجتمعت لدعم الحوثية والإخوان، وتسهيل الإتفاق بينهما، لإطالة أمد الحرب، خدمة لمصالح مشبوهة، ونكاية في التحالف العربي في اليمن.