fbpx
السودان يعيد هيكلة الجيش و”الدعم السريع” لمنع عودة الإسلاميين
شارك الخبر

يافع نيوز ـ متابعات

أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني، عبدالفتاح البرهان، السبت، عن مشروع لإعادة هيكلة قوات الجيش وقوات “الدعم السريع” يراعي متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية، في خطوة تهدف إلى تحييد المؤسسة العسكرية وشبه العسكرية عن التسييس وقطع الطريق على محاولات انقلابية قد يلجأ إليها الإسلاميون الذين خسروا نفوذهم بفعل الثورة الشعبية.

ولم يتطرق البرهان، في كلمته التي ألقاها أثناء حفل تخريج الدفعة الثامنة من قوات “الدعم السريع”، في الخرطوم إلى تفاصيل مشروع الهيكلة، غير أنه شدد على أن بلاده “على مشارف مرحلة جديدة بحاجة إلى وجود قوات محترفة ومتخصصة تؤدي مهامها بالطريقة التي تخدم مصالح الوطن”.

وتنطوي هذه الإشارة على رغبة في تقويض أجسام عسكرية ظهرت في عهد النظام السابق، كما تضع خطوطا حمراء أمام القوات المرجح استيعابها من الحركات المسلحة.

ويرى مراقبون أن البرهان استبق الأوضاع السياسية التي سوف يفرزها توقيع اتفاق سلام شامل ونهائي بين الحركات المسلحة والسلطة الانتقالية، ما يؤدي إلى دخول طرف جديد في إدارة المرحلة الانتقالية يتمثل في الأطراف المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، ما يجعل المكوّن العسكري بحاجة إلى توافق مع القوى التي قد تُغّير من معادلة الحكم الحالية والتي تم اقتسامها بين قوى الحرية والتغيير المهيمنة على الحكومة، والشق العسكري في مجلس السيادة الذي يتشكل نصفه من قوى مدنية.

وتتفاوض الجبهة الثورية الممثلة للحركات المسلحة مع وفد السلطة الانتقالية في جوبا على نسب تمثيل الأقاليم في السلطات الثلاث العليا، وهي المجلس التشريعي ومجلس الوزراء ومجلس السيادة، ومتوقع أن يصل تمثيل الحركات إلى 30 في المئة من إجمالي أعضاء المجالس الثلاث.

وتعد عملية إعادة هيكلة قوات الجيش أحد المطالب الرئيسية للحركات المسلحة التي تتطلع إلى دمج عناصرها داخل الأجهزة العسكرية والأمنية المختلفة، ووقعت على العديد من الاتفاقيات منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر حسن البشير لوقف العدائيات من جانبها في المناطق التي تتواجد فيها لإثبات جديتها في ترك السلاح، فيما يشكل إعلان البرهان الأخير أن هناك العديد من التوافقات جرت بين الطرفين في هذا الملف.

وتجاوزت مفاوضات جوبا الجزء الأكبر من القضايا الخلافية، وبات حلم السلام على بعد خطوات قليلة من أن يصبح أمراً واقعاَ. واستمعت وساطة جنوب السودان على مدار الأيام الثلاثة الماضية، إلى وجهات نظر أصحاب المصلحة في مسار دارفور تمهيداً للتوقيع على اتفاق نهائي حول مسار المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) هذا الأسبوع.

وتصب مسألة طرح إعادة هيكلة الجيش في صالح الجبهة الثورية التي تضم في عضويتها حركات مسلحة وقوى سياسية، وتبرهن على أن مسار السلام يسير في الطريق الذي رسمته، وانخراطها في اجتماعات لفترات طويلة مع قيادات المجلس العسكري، وعلى رأسهم نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يترأس وفد الحكومة قد بدّد الكثير من مخاوف العسكريين.

وتسعى قيادات الجيش إلى محاولة التحكم في الخيوط السياسية بعد إنجاز السلام، بما يضمن عدم ترجيح كفة أحد الأطراف، لأن الجبهة الثورية تعد جزءاً من قوى الحرية والتغيير المهيمنة حالياً على الحكومة.

وطرح نائب رئيس مجلس السيادة، حمدان دقلو، على القوى السياسية مسألة التوقيع على ميثاق شرف لحماية الديمقراطية في البلاد، بما يضمن عدم حدوث اختلالات تؤثّر على سير المرحلة الانتقالية جراء مشاركة قيادات الحركات المسلحة في السلطة، كنوع من طمأنة القوى المدنية حيال نوايا المؤسسة العسكرية.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري في الخرطوم، محمد إسماعيل شقيلة، إن السلوك السياسي لقيادات الجيش داخل المجلس السيادي يبرهن على أنهم أكثر رغبة في إحداث التغيير بالمقارنة مع القوى السياسية التي غرقت في مشكلاتها الداخلية، ما يعبر عن رغبة في حماية المرحلة الانتقالية التي تمر بعنق زجاجة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وتخشى بعض الأطراف السودانية من محاولة تحكم الجيش في مفاتيح إدارة البلاد بطريقة تمكنه من وضع قواعد اللعبة السياسية وإدارتها من وراء ستار.

وأضاف شقيلة، لـ”العرب”، أن الحركات المسلحة ستكون جزءاً من الحكومة الانتقالية على مستوى مؤسساتها الدستورية والخدمة المدنية والعسكرية، وتواجدها في هذه المؤسسات يعد ضمانة لتمرير المرحلة الانتقالية في ظل ضغوط مكثفة تواجهها السلطة الانتقالية من قوى الحرية والتغيير التي ترى أن حضور الأقاليم يفقدها كثيراً من زخمها.

وأكد حميدتي، السبت، أن “أوجب واجبات القوات المسلحة والدعم السريع حماية العملية الديمقراطية وصولا بالبلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة ينتخب الشعب فيها قياداته بإرادة حرة”.

ويرى متابعون أن زيادة الهوة بين قوى الحرية والتغيير والمكوّن العسكري على وقع جملة من الأحداث التي مرت بها الفترة الانتقالية، على رأسها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وإساءة بعض الشيوعيين الذين يلعبون دورا مهما في عملية صناعة القرار داخل الحكومة لبعض الدول العربية الداعمة للثورة قد يجعل من مسألة دخول طرف ثالث متوازن أمرا مطلوبا في الفترة المقبلة التي ستشهد تعديلاً في الوثيقة الدستورية.

وذهب هؤلاء للتأكيد على أن الخلافات التاريخية يبن قادة الحركات المسلحة والقيادات المحسوبة على الحزب الشيوعي، تفسح المجال أمام تحالفات جديدة بين بعض أحزاب قوى الحرية والتغيير المعترضة على أداء حكومة عبدالله حمدوك، وفي القلب منها حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني مع قيادات الجبهة الثورية، ما تترتب عليه تغييرات موازية على مستوى وزراء الحكومة الحالية.

وحسب مصادر داخل قوى الحرية والتغيير، رفضت ذكر اسمها، قالت لـ”العرب”، إن هيمنة تيار داخل الحزب الشيوعي، بجانب البعثيين والجمهوريين، على قرارات الحكومة تسبب في انحراف مهامها، وتسكين نحو 70 في المئة من أعضائها في مناصب حكومية جرى تفريغها وفقاً لقانون إزالة التمكين، وهو أمر أثار غضب قوى ثورية والمجلس العسكري.

وأضاف المصدر ذاته أن هذه الأحزاب ليس لديها ثقل في الشارع يوازي ما حصلت عليه من مناصب، كما أن حضورها الطاغي تسبب في أن تطالب أحزاب أخرى في حصص مبالغ فيها على مستوى إدارة الولايات والمجلس التشريعي ارتكانا على شعبيتها، ما يجعل التهافت على مناصب الدولة بحاجة إلى تدخل طرف قويّ لديه القدرة على الإمساك بزمام المرحلة الانتقالية وعدم السماح بانفراط عقدها، وهو ما يصب في صالح الجيش.