fbpx
نحو تشبيب الحراك !!

 

الصورة أعلاه باتت من صور الحياة اليومية في العاصمة عدن, حرق الإطارات وقطع الطرقات وتعطيل مصالح الناس وتهديدهم ومحاصرتهم, والأدهى من ذلك والأمر عندما يعتقد من يقوم بهذا العمل أنه وطني وبطل وسيُخضع كل من يشكل الضغط عليهم لمطالبه ولو على حساب أبناء مدينته ومصالحهم.

شباب الجنوب لديهم أفكار مغلوطة عن الحرية وقد تصبح هذه الأفكار كارثية عندما يحصد نتائجها من لا ذنب لهم من الناس, عندما يواجهون آلة القمع العسكرية بحجة فتح شارع أو عند ملاحقة المتسببين بها, الحرية المرادفة للفوضى والعبث ليست حرية, والاعتداء على الآخرين وتكسير السيارات وحرق الإطارات وتشويه الشوارع ومعالمها وتلطيخها بالألوان كل ذلك ليس من الحرية في شيء, بل إن العصيان المدني ذو الرسالة النبيلة اللاعنفية تحول من عمل سامي إلى عمل أقرب للبلطجة والتهور عندما أساء الشباب استخدامه وهو الذي يعد من أكثر الأعمال تشكيلاً للضغط لتحقيق المطالب ولو بشكل جزئي .. إرساء مفهوم الحرية بشكلها السلمي لا المطلق بات من الضرورات الملحة لدى الشباب خصوصاً ونحن نمر بمرحلة ثورية حساسة نفتقد فيها للأمان وغياب القانون, قضية الجنوب العادلة لا علاقة لها بالتنكيد على الناس والتضييق على مسار حياتهم, ولا ينقص الباحث عن لقمة عيشه أو الطالب المعرقل عن دراسته حشد إعلامي تحريضي من الخارج لا يتضرر منه في النهاية إلا هؤلاء البسطاء.

شباب الجنوب بحاجة إلى التأهيل والتعليم ورقي التفكير, وأخص منهم “شباب الحراك الجنوبي” لكونهم  أكثر من حمل همّ قضية الجنوب على ظهورهم, وأكثر من بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل استعادة حق بلادهم, وظلوا يتمسكون بمبادئهم صامدين مرهقين على حساب تحقيق أي مصالح شخصية لا يتوانى الكبار في البحث عنها واستغلالها, وعندما نتطرق لمفهوم الحراك الشبيبي نعني بذلك إعداده للقيادة وتشكيل وعيه السياسي والثقافي والاجتماعي ومنح الشباب فرصتهم في إدارة دفة الأمور بالصورة التي تليق بثورة عظيمة كثورة الجنوب, بعد أن فشل قادتها الكبار فشلاً ذريعاً في تسييرها وإدارتها, وبدل صرف طاقات الشباب المتفجرة في أماكن ليست لها من العنف والعداء والشبهات, فالشباب الجنوبي لديه مواهب وميول متنوعة لا يوجد من يصقلها أو يتبناها, لو يتم توظيفها في أماكنها المناسبة ستكون رافد قوي لتحسين أوضاع الشباب المعنوية, وسيستفاد من ثمارها المرجوّة على المدى الطويل ولما بعد الثورة.

 كنت قد اقترحت من قبل مشروع تأهيل “شباب الساحات” على أن يتم جمع نشطاء وإعلاميين متمكنين ذوي خبرة كافية لتنفيذ مجموعة من البرامج التدريبية الخاصة بالتوعية الشبابية, بحيث يتم التفرغ لهذه المهمة الوطنية بعد كل فعالية أو مسيرة جنوبية, على أن يقوم كل ناشط إعلامي لديه القدرة على الحوار والتدريب بجمع عدد من الشباب والشابات في الساحة بفئات عمرية محددة هو يختارها , والبدء معها بمناهج تثقيفية ومواضيع عن مفاهيم الحرية والتحاور والقبول بالآخر, وتهيئتهم إعلامياً وعن كيفية تعاملهم مع وسائل الإعلام والصحافة وتبني قضايا حقوق الإنسان وإيصال أصواتهم ورسائلهم للخارج, هؤلاء الشباب ليس بإمكانهم حضور الدورات والبرامج التدريبية المغلقة والتي تخص شريحة معينة من الناس, وفكرة التركيز عليهم والعمل معهم من الساحات فكرة نشيطة وفيها تعزيز لدور الشباب ويمكن لها أن تجذبهم وتجعلهم على أهبة الاستعداد أثناء وما بعد الثورة, عوضاً عن تجمعاتهم وهدرهم للوقت في أركان الأحياء والبيوت, وليسمى البرنامج التدريبي بـ “مشروع ساحـة” يمكن لأي مؤسسة إعلامية أو حركة فاعلة تبنّيه أو يمكن أن يقوم به مجموعة من النشطاء طوعياً تحت إشراف أساتذة ذوي ثقة وكفاءة, فالنضال الحقيقي يبدأ من الساحات, إن تم الاهتمام بالساحات وتأهيلها سيقطع الجنوبيين أشواطاً كبيرة في تنويرعقولهم بدل قطعهم للشوارع وتعطيلهم لمصالح الناس بمناسبة أو بدون.

مع تنويه إلى إن التأهيل وتشبيب الحراك لا يعني تجاهل أو تجاوز حكمة الكبار وسداد رأيهم, فثورة الجنوب ليست شبابية صرفة, هي ثورة جمعت الشباب والمشيب والنساء والأطفال, هنا يمكن الاستفادة من خبرة الكبار الإيجابية وترك السلبية منها, وسيكون الجنوب وثورته بخير ومستقبله أفضل بوعي شبابه وثباتهم على القيم والمبادئ التي عبّدها لهم الشهداء.