fbpx
الحرب اليمنية ولغز آينشتاين
د. عيدروس نصر
يقوم لغز آينشتاين على معادلة تشبه المعادلات الجبرية المعقدة ذات المجهولين والثلاثة مجاهيل، لكنها هنا ذات أكثر من خمسة وعشرين مجهول ليس بينها معلوما إلا عنصرين أو ثلاثة، وبقية العناصر يتم تقديم معلومات عنها من خلال معطيات مبنية على بقية العناصر المعلومة والمجهولة والمطلوب من القارئ أن يكتشف تفاصيل كل عناصر اللغز.
لسنا هنا بصدد هذا اللغز الذي يمكن أن يصلح لاختبار درجات العبقرية، لكن ما ذكرني بهذا اللغز هو سلسلة الألغاز التي تحيط بالحرب اليمنية منذ الانقلاب الحوثي على الشرعية في سبتمبر العام 2014م وما تلته من تداعيات.
معطيات اللغز في حرب اليمن تقول الآتي:
• هناك رئيسٌ شرعيٌ، تم انتخابه في الشمال فقط، وقاطع الجنوبيون الانتخاب لأسباب لا تتعلق بشخص الرئيس لكنها تتعلق بوضع الجنوب تحت الاجتياح والاحتلال منذ العام 1994م.
• الذين انتخبوا الرئيس انقلبوا عليه بعد سنتين فقط واحتجزوه ومن لم يساهم في الانقلاب والاحتجاز تخلى عن الرئيس وبعضهم قال له صراحة “سيلعنك التاريخ” عند ما فشل في التصدي وحده للانقلابيين.
• الذين انتخبوا الرئيس ولم يشاركوا في الانقلاب عليه لم يحموه من أعدائه، ولم يساعدوه على الإفلات من خاطفيه، ولم يدافعوا عنه ولا عن شرعيته، بل إن الذين دافعوا عنه وحرروا الأرض وسلموه إياها وقبل ذلك كانوا قد استقبلوه يوم جاءهم هاربا بعد ان تخلى عنه الذين انتخبوه هم الجنوبيون الذي لم ينتخبوه.
• الذين تخلوا عن الرئيس الشرعي وشتموه بل وبعض الذين انقلبوا عليه لاحقوه، إلى الخارج وادعوا تأييدهم له وأحاطوه واستحوذوا عليه كما استحوذوا على ثروات البلد ومواردها.
• الرئيس حارب الذين استقبلوه وحموه ودافعوا عنه وحرروا له الأرض وسلموه إياها، واحتضن الذين انقلبوا عليه وحاربوه وشنوا عليه الحملات الإعلاميه والتحريضية وازدروه وسخروا منه وما يزالون.
• الذين استحوذوا على الرئيس يقولون ان معهم ٩٥٪ من سكان اليمن وليس مع الانقلابيين سوى ٥٪ لكن الـ 5 ٪ يلحقون الهزائم تلو الهزائم بالـ 95 ٪ ويجتاحون المحافظات بدون مقاومة او بمقاومة تمثيلية تشبه المسرحيات الهزلية، مع عدى مقاومات القبائل التي لا يعترف بها من أحاطوا بالرئيس.
• التحالف العربي أعلن عاصفة الحزم لدعم شرعية الرئيس وقدم كافة لأأشكال الدعم المادي والتقني واللوجستي والتسليحي والمالي لشرعية الرئيس، لكن هذا الدعم يذهب للذين يسلمون الاراضي والمعسكرات والمواقع العسكرية للانقلابيين ويذهب معه السلاح والذخيرة وحتى المواد الغذائية ليستخدم ضد التحالف الذي يجاء منه الدعم.
• الذين ينهزمون امام الخمسة بالمائة يتجهون بجحافلهم المسلحة جنوبا لتحرير الارض التي حررها اهلها مستخدمين ما تبقي لديهم من دعم التحالف العربي إلى جانب دعم اعداء التحالف العربي.
• الجنوبيون الذين يلحقون امر الهزائم بالانقلابيين، في جبهات الضالع والحواشب والصبيحة وعقبة ثرة، يواجهون حرباً طاحنة من قبل قوات الرئيس الذي نصروه واعادوا له الارض والسلطة، وهذه القوات لا تحارب من حاصروا الرئيس وقتلوا اهله وقواته واخرجوه من صنعاء بل تحارب الجنوبيين الذين نصروا الرئيس.
أعتقد ان هذه المعادلة لو عرضت على آينشتاين لتخلى عن لغزه واعتبر هذا اللغز هو الأعقد والأصعب والأكثر عصيانا على الحل ليس لان آينشتاين غير عبقري، ولكن لأنه لا يعرف اليمن وتعقيداتها وألاعيب ساستها ومهاراتهم الاستثمارية والتجارية.
لقد أدرك الجنوبيون بعد خبرة ثلاثة عقود من التعامل مع الأشقاء في شمال اليمن أن جذر اللغز يكمن في أنه لا فرق بين إرهاب حوثي وإرهاب إخواني، فالأول يمثل ذراعاً للمشروع الإيراني والثاني يمثل ذراعاً للمشروع التركي، والمشروعان يتصارعان بدماء وأرواح وثروات العرب على أرض العرب ومستقبلهم، ولذلك اختار الجنوبيون أمة العرب ومستقبلها وهم يدافعون عن أرضهم وحقهم في الحرية والعيش الكريم وبناء مستقبلهم المستقل.
السؤال الأهم هو متى سيدرك الأشقاء في التحالف العربي أن ضيوفهم لا يدعمونهم ولا يميلون إلى مشروعهم، لكنهم يبيعون دعمهم لعدوهم ويستثمرون بعض هذا الدعم لخدمة أصحاب المشاريع المعادية لهم.
ولله الأمر من قبل ومن بعد