fbpx
تراكم التحديات الداخلية والخارجية يربك القيادة الجديدة للإخوان
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

تواجه جماعة الإخوان المسلمين جملة من التحديات في مقدمتها خلافاتها الداخلية والصراع على النفوذ بين القيادات الشابة والحرس القديم. كما تتابع بعين الريبة مساعي التقارب بين القاهرة وأنقرة باعتباره سيفضي إلى تقليص الدعم التركي لها.

أعلنت جماعة الإخوان تشكيل لجنة لإدارة الجماعة، وإلغاء الأمانة العامة لمكتب إرشادها، ضمن حزمة قرارات عدة اتخذتها بعد نحو أسبوعين من إلقاء القبض على القائم بأعمال مرشدها، محمود عزت، في مصر، كمحاولة لمنع حدوث المزيد من التشققات في جسم الجماعة.

 

وقال إبراهيم منير، المسؤول الأول بالجماعة حاليا والمقيم في لندن، في بيان صدر عنه الأربعاء الماضي “إيمانا من الجماعة بمؤسسية العمل وضرورة تطويره بما يتناسب مع المستجدات، قررت إلغاء مسمى الأمانة العامة”.

 

منير يقدم نفسه على أنه المرشد الجديد للجماعة دون التشاور مع أيّ أحد

وكان يترأس الأمانة القيادي الهارب محمود حسين، وجرى تشكيل لجنة معاونة ضمت في عضويتها حسين ومجموعة من القيادات، بهدف لم الشمل ووقف نزيف الخلافات.

 

وتداولت مجموعة من شباب جماعة الإخوان الهاربين إلى لندن، بيانا سابقا صدر عن منير، وعد فيه بمرحلة جديدة، وطالب شبابها بالطاعة العمياء لإعادة ترتيب صفوفها، ووظف نصوصا دينية تأمر بطاعة أولي الأمر.

 

وتعيش القيادة الجديدة حالة ارتباك، تعبر عن ثقل التحديات التي تواجهها والمتمثلة في الانشقاقات الواسعة، ورفض قطاع كبير من شباب الجماعة تولي منير منصب المرشد، وهو ما كشفه عبدالمنعم محمود أحد شباب الإخوان العاملين في قناة العربي الجديد، الممولة من قطر، قائلا “منير يقدم نفسه على أنه مرشد الجماعة الجديد دون التشاور مع أحد”.

 

وزعم البيانان أن مرحلة جديدة في عمر الجماعة بدأت تستوجب توحيد الصفوف، لكن جرى التكتم على ملامحها الحقيقية، كعادة الجماعة عندما تريد إثارة فضول الرأي العام حيث تتجه للتعميم لتهرب من الإجابة المحددة.

 

يقول متابعون إن القيادة التي فرضت نفسها على الجماعة تعتمد سياسة إيهام الصف الداخلي بوجود تصورات وبرامج عمل دون القدرة على كشف تفاصيلها، بغرض التغلب على المشكلة الرئيسية التي توجه القيادة الجديدة وإنهاء الانقسام الداخلي.

 

ترتكز خطة القيادة الجديدة للقضاء على التمرد الشبابي على مغازلة تيار الكماليين، نسبة إلى القيادي الراحل محمد كمال، من خلال توظيف مقولات منسوبة لمرجعية سيد قطب كأحد القيادات التاريخية للجماعة.

 

وصدر خطاب، قبل البيانين، احتوى على عدد لافت من عبارات قطب ومصطلحاته الشهيرة، مثل “التصدي للجاهلية” ولـ”الحكام الطواغيت” و”تمكين حاكمية الله في الأرض”، فضلا عن التأكيد على الاستئناس به في أساليب تعامله مع ما يسمى بـ”المظالم الواقعة على الدعوة والقائمين عليها والمناضلين من أجل نشرها”.

 

وتحرص القيادة الجديدة في المقابل على تفريغ شحنة غضب الشباب في أي نشاط يصرف انتباههم عن المشكلات الداخلية، ويشغلهم عن خطط رفض تصعيد القيادات دون إجراء إصلاحات طالبوا بها في السابق ودون إجراء انتخابات تعيد هيكلة الجماعة بشكل يمثل جميع أطيافها ويحد من نفوذ الحرس القديم داخلها.

 

الالتحام بالمعارضة المصرية

حاول إبراهيم منير في حوار له مع قناة الحوار أخيرا توجيه اهتمام الجماعة للدخول في مرحلة جديدة من المواجهة مع النظام المصري، من موقع المعارضة، داعيا أطياف المعارضة من التيارات الأخرى إلى التكتل مع جماعته، ما يعكس رغبته في بدء مرحلة تزاوج بين إعادة الهيمنة على الصف الداخلي للجماعة واستعادة الحضور الإخواني في مشهد معارضة متنوع يجمع كل تيارات المعارضة للنظام الحاكم بمصر.

 

يشير البعض من المراقبين، إلى مغزى معاودة القيادة الجديدة التشبث برهانات فاشلة، مثل تبني دعوات المقاول الهارب في إسبانيا محمد علي، إلى النزول إلى الشوارع في 20 سبتمبر بمصر، والتي لم تحظ باستجابة.

 

يعكس ذلك الحاجة الملحة إلى قضية تجمع شباب الجماعة حولها، واللجوء إلى حراك ولو كان وهميا ونتائجه معروفة مسبقا لصرف طاقة الشباب وتفريغها بعيدا عن التمرد عليها.

 

ويبين الإصرار على تبني دعوات المقاول المصري الهارب، رغم فشلها في السابق وفشلها هذه المرة أيضا، استثمار الحالة العامة لإعادة تسويق الجماعة وإعادة تعويمها داخل مشهد المعارضة الثوري، كبداية لقبولها طرفا في الفعاليات الجماهيرية المقبلة، بغرض مبارحة فشل الممارسات العنيفة والعمليات المسلحة ووقف ربطها بالنشاط الإرهابي المسلح، وخلق حضور جديد في قلب مشهد معارض يحتوي شباب الجماعة الغاضب والمحبط.

 

وكشفت مصادر داخل الجماعة، عن معلومات تفيد بأن منير يواجه مأزقا مركبا، فهو مرفوض من شباب وقواعد الجماعة في الخارج والداخل المصري، ومطالب في نفس الوقت بسرعة إثبات حضوره بإنجاز ما يثبت جدوى الجماعة لدى مموليها ورعاتها في الخارج.

 

يتزامن هذا الأمر مع إشارات غزل تركي تجاه مصر، خاصة ما نُسب مؤخرا إلى ياسين أقطاي، المستشار السياسي للرئيس التركي، الذي بعث برسالة تضمنت إشادة نادرة بالجيش المصري، وبعده وزير الخارجية مولود أوغلو، ما يجعل من المحتمل تخفيف التأييد التركي للجماعة وفرملة الدعم المقدم لقياداتها الهاربة.

 

وتصبح جماعة الإخوان، حال الذهاب إلى تقارب تركي مصري بما يعنيه من تنازلات قاسية، أول المتضررين، بالنظر إلى أن انكشاف حجم وقدرات تيار الإسلام السياسي الحقيقيين وسقوط وهم قدرة جماعة الإخوان في الداخل المصري من الأسباب الرئيسية لتراجع النفوذ التركي في مجمل ملفات المنطقة خاصة الملف الليبي، ما يعني أن تخفيف الدعم للجماعة بمثابة تحلل من عبء وتصحيح لأخطاء جوهرية وقعت فيها أنقرة.

 

الجماعة تفتقر لآلية استقطاب الشباب

وبدت شروط القاهرة للتجاوب مع تلك الدعوات واضحة من ردود أفعال وتصريحات المسؤولين المصريين، وآخرها البيان الصادر عن الخارجية المصرية السبت، سواء ما يتعلق بإنهاء التواجد العسكري التركي في ليبيا وسوريا والعراق، أو بالالتزام بالقانون الدولي في ملف شرق المتوسط، أو وقف مشروع العثمانية الجديدة وكشف الغطاء السياسي عن جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة.

 

علاوة على ما يتعلق بالاعتراف بإرادة المصريين وثورتهم في الثلاثين من يونيو، التي مهدت لنظام سياسي جديد ولواقع رافض وطارد لتنظيمات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.

 

تفتقر جماعة الإخوان لقدرات وآليات احتواء الشباب، ومواصلة إقناع رعاتها بها، فهي غير قادرة حاليا على الحشد الجماهيري المنظم بالمقارنة بما كانت تمتلكه من قدرة على التأثير الشعبي خلال فترة ما قبل يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013، بما كانت توظفه من خدمات طبية وتعليمية ومالية للفئات المهمشة والأكثر فقرا، ما جعلها عاجزة عن ضبط تماسك الجماعة الداخلي ومواصلة تأمين مصادر التمويل الخارجي.

 

يعفي تصدير رجل الأعمال والفنان المغمور محمد علي لمشهد الحشد لمظاهرات في 20 سبتمبر القيادة الإخوانية من تحمل مسؤولية الفشل، كما جرى العام الماضي في نفس التوقيت، رغم وجود دلائل على تنسيق قوي بين الجانبين، واعتراف المقاول الهارب بتواصله مع إبراهيم منير.

 

ولجأت قيادة الجماعة إلى الترويج لوهم، بزعمها تبني منهج سيد قطب وطرق تعاطيه مع السلطة التي توقع “ظلما” على الجماعة وقادتها باعتبار أن الإخوان يواجهون أزمة شبيهة بما واجهها بعد حل التنظيم والقبض على جماعته، أو بالترويج لوهم الحضور في المشهد السياسي عبر المناورة بورقة الحشد الجماهيري.

 

تفتقرالجماعة حاليا إلى القدرة على إدخال تعديلات سياسية على مواقفها المعلنة، بالنظر إلى اعتمادها على الضخ الإعلامي عبر القنوات العربية التي تبث إرسالها من إسطنبول، ووسائل الإعلام التابعة لقطر.

 

ورغم حجم الإنفاق الهائل على هذا النشاط إلا أنه لا يزال عاجزا عن التأثير الحقيقي في المشهد السياسي بعد خروج الجماعة، وقياداتها، بالكامل من مصر، وتمركزها في كل من الدوحة وأنقرة وإسطنبول ولندن، وغيرها، وبعد القضاء والقبض على قادة الجماعة المؤثرين في الداخل.

تقليص هامش المناورات

تقلص هامش مناورات الجماعة في الداخل بعد تمكن الأجهزة المصرية من حرمانها من أوراقها الرئيسية المتعلقة بالقدرة على الحشد أو تنفيذ عمليات مسلحة نوعية، وبالخارج في ظل فشل قيادة الجماعة في إثبات جدواها وقدرتها على التخديم على مشاريع رعاتها الإقليميين.

حولت هذه العوامل الجماعة إلى مجرد كيان وظيفي يأتمر بأمر بعض القوى، وتتحرك في إطار توجيهات ميدانية وسياسية بملفات الصراع في المنطقة، من سوريا إلى ليبيا.

ينصب تركيز سياسات القيادات الجديدة حاليا على كيفية كتم الأصوات المعارضة، وإثبات أحقيتها في مواصلة منح وكلائها ثقتهم بها. ويجد هؤلاء القادة في الدعوات إلى التظاهر ضد الدولة المصرية فرصة لتحقيق الهدفين: فترة يقومون خلالها بتثبيت أقدامهم وفرض واقع هيمنتهم على التنظيم.

يدفع منير باتجاه تكثيف النشاط على صفحات التواصل الاجتماعي والترويج لمنشورات مناهضة للدولة المصرية ومؤسساتها واستغلال الجدل الدائر بشأن ملفات داخلية تهم غالبية المواطنين، وإدارة صفحات تحرض ضد مؤسسة الجيش بعناوين وهمية.

ويعتقد “المرشد الجديد” ورفاقه بأن هذا يمكن أن يحقق ما يقنعون به الوكلاء في الخارج بشأن الحضور والتأثير لمواجهة مسار وسيناريوهات التقارب التركي المصري المحتمل، والذي يمثل ضربة قوية لقيادات وأعضاء الإخوان، وأن الجماعة لا تزال قادرة على تبني فعاليات ميدانية، مقابل الاستفادة من استنزاف طاقات الشباب المعارضين في أنشطة أخرى، بعيدة عن الصراع الداخلي على القيادة، وإثارة وقائع الفساد المالي لغالبية قيادات الحرس القديم.

وحذر البعض من خبراء الإسلام السياسي من أخذ تلك الخلافات على محمل الجد، أو اعتبار أنها حتما سوف تقود إلى تفكك الجماعة، لأنها عقائدية وتلتزم بأفكار التنظيم الصارمة، وتلجأ إلى تضخيمها لتوظيفها سياسيا وتصوير الأمر على أن الجماعة ديمقراطية وتقبل بالرأي والرأي الآخر، وأن هامش التباين متاح للجميع.

ويقول هؤلاء إن الخلاف حول شخص منير به قدر من الافتعال لتصديره على أنه قائد يستوعب جميع الأطياف، لأنه في النهاية يتبنى خطابا لا يختلف عما ردده حسن البنا وسيد قطب وحتى محمد بديع ومحمود عزت.

وسوم