fbpx
سيناء تتأرجح بين تغلغل الإرهاب واستمرار مشروعات التنمية
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب.

استغل المتطرفون الفقر والعلاقة غير الودية بين عدد كبير من سكان شبه جزيرة سيناء والسلطات المصرية للنفاذ إلى شريحة منهم واستقطابهم وإقناعهم بالتعاون معهم في صد هجمات الجيش، التي زادت الوطأة على المتشددين والمواطنين، بما ضاعف من الفجوة مع الحكومة، ومكّن الإرهابيين من الاختفاء والتسلل وشن هجمات عديدة على أجهزة الأمن.

 

والتقط الأمن أنفاسه عقب تدشين العملية العسكرية الشاملة سيناء 2018، والتي أحرزت تقدما لافتا في أهدافها المحورية، لكن لا يزال شبح الإرهاب مخيما، ولذلك غيرت الحكومة خططها للتعامل مع السكان، ووجهت جانبا كبيرا من الاهتمام إلى المشاريع التنموية كرأس حربة لتقليص نفوذ المتطرفين وسط قاعدة سكانية تملّكتها مرارات من الأنظمة المصرية السابقة.

 

خسائر بشرية واقتصادية

حمدي بخيت: الجهود الأمنية في سيناء تأتي بالتوازي مع الجهود التنموية السريعة

 

نشرت مؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية تقريرا تناول الأوضاع في سيناء، أشارت فيه إلى ما قالته منظمة هيومن رايتس ووتش بشأن نقص الوعي حول ما يدور في شمال سيناء، ومن خلال استخدام صور الأقمار الاصطناعية سرد التقرير الخسائر بين عامي 2013 و2020 لأكثر من 12 ألف منزل ومبنى تجاري على يد القوات المصرية جراء حملتها لمكافحة الإرهاب.

 

ووصف التقرير تجريف أكثر من 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، وخسارة سكان البدو المحليين، الذين يبلغ عددهم حوالي 400 ألف لعدد كبير من منازلهم ومزارعهم.

 

وقدرت المنظمة أن 100 ألف شخص نزحوا أو غادروا المنطقة منذ 2013، نتيجة لهدم المنازل والفرار من أعمال العنف التي يمارسها الإرهابيون والأعمال العسكرية المتصاعدة ضدهم.

 

وبرر الجيش المصري عمليات الهدم والإغلاق بأنها جزء ضروري من حملته المستمرة ضد فرع تنظيم داعش “ولاية سيناء في مصر”. ونفى الرئيس عبدالفتاح السيسي أن تكون الحكومة أخرجت السكان من بيوتهم، قائلا ذات مرة “لم نخرج أحدا، أعطينا السكان المال وهدمنا المباني والمزارع لأنها مسألة تتعلق بالأمن القومي”.

 

وتقول هيومن رايتس ووتش إنها التقت 20 من السكان الذين تم إجلاؤهم والعديد من نشطاء سيناء منذ 2014 وراجعت العشرات من الوثائق الرسمية، وتلقى المئات من العائلات وأصحاب المزارع المطرودين بعض التعويضات في عملية بطيئة، بينما لم يتلق المئات غيرهم شيئا ولم يعرفوا إذا كان سيتم تعويضهم، وكم سيتلقون من مبالغ مالية.

 

وقالت إن “أفعال الجيش في هدم المنازل والاستيلاء على الأراضي الزراعية تنتهك القانون الدولي، ويمكن أن تشكل انتهاكات لقوانين الحرب خطيرة بما يكفي لترقى إلى جرائم حرب”.

 

نبيل أبوالنجا: الأوضاع الحياتية للسكان في الواقع تشهد تطورا ملحوظا

 

وفي حين أن حملة الجيش لمكافحة الإرهاب هي أكثر عنفا واستدامة من تلك التي نفذها الرئيس الأسبق حسني مبارك، ردا على الهجمات الإرهابية التي شنتها حركة “التوحيد والجهاد” على المواقع السياحية في شرم الشيخ بجنوب سيناء، فقد ثبت أنها لم تكن أكثر فاعلية في إنهاء التهديد الجهادي.

 

وكانت أحداث 2011 التي شهدت الإطاحة بنظام مبارك بمثابة تسريع للنشاط الإرهابي في شمال سيناء مع ظهور جماعة أنصار بيت المقدس، وبعد ذلك جاءت إساءة معاملة الحكومات التي استمرت لعقود للسكان البدو بمثابة فرصة جيدة لتجنيد الكثير منهم في هذه الجماعة.

 

وتعهدت جماعة أنصار بيت المقدس بالولاء لداعش وأنشأت جماعة “ولاية سيناء” بعد نحو عام من عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي (يوليو 2013)، وأصبحت مسؤولة عن تدمير طائرة ركاب روسية في أكتوبر 2015 بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ ما أسفر عن مقتل 224 شخصا، ونفذت الجماعة هجوما على مسجد في 2017 في منطقة بئر العبد أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.

 

ونفذت الجماعة حملة متواصلة من الهجمات والمضايقات لقوات الأمن من خلال استخدام العبوات الناسفة، وبين عامي 2018 ومنتصف 2020، كان هناك أكثر من 200 هجوم إرهابي في مصر مع وقوع ما يقرب من 80 في المئة في شمال سيناء، كلها تقريبا من تنفيذ جماعة “ولاية سيناء”.

 

ويتوقع جاك كينيدي محلل مخاطر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مؤسسة آي.أتش.أس ماركت، أن تستمر جهود الجيش لقمع جماعة ولاية سيناء في فشلها، رغم الانتشار طويل الأمد في سيناء. ويقول إنه لم يكن هناك سوى القليل من المؤشرات على التحسن النوعي في إستراتيجية الجيش لمكافحة الإرهاب على مدار 2020، والتي من شأنها أن تشير إلى انخفاض كبير في عمليات داعش.

 

صلاح سلّام: نلحظ مؤشرات قوية على تراجع نفوذ الإرهابيين في سيناء

 

ورغم أن قدرات المتشددين في سيناء لم تعد إلى مستويات التطور التي شهدتها خلال الفترة من 2014 إلى 2016، فقد أظهر داعش أنه لا يزال يحتفظ بقدرات عالية المستوى.

 

وقالت “عرب دايجست”، كان تقرير أعدته الحكومة البريطانية عام 2017 واضحا حول السبب، الذي جعل السلام في شمال سيناء وإنهاء الإرهاب الجهادي بعيد المنال، ودعت إلى تغيير النهج المصري “على وجه التحديد معالجة المظالم الاقتصادية والسياسية للبدو كمفتاح لإنهاء الصراع، ومع ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أن القاهرة مستعدة لتغيير سياساتها”.

 

وكان ذلك قبل أكثر من ثلاث سنوات، “لكن النظام المصري لا يزال ملتزما برد عسكري يتجاهل باستمرار المظالم المشروعة لبدو شمال سيناء، الذين يعانون من التمييز وسوء الإسكان وارتفاع معدلات البطالة ونقص الخدمات بما في ذلك مياه الشرب وعدم كفاية المرافق الصحية والتعليمية”.

 

وأوضحت “عرب دايجست” أن سياسة هدم المنازل وإغلاق الأراضي الزراعية بشكل ظاهري لأغراض أمنية أدت إلى تفاقم الغضب البدوي، الذي طال أمده، واختارت بعض القبائل التعبير عن هذا الغضب عبر دعم جماعة “ولاية سيناء” بينما اختار البعض الآخر أو تم الضغط عليه للعمل مع الجيش.

 

تجفيف منابع الإرهابيين

أكد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا اللواء حمدي بخيت، أن البعض من العناصر الإرهابية ما زالوا موجودين في سيناء، لكن التطور الملحوظ الذي حدث جاء على مستوى قدرة العناصر الأمنية على تضييق الخناق عليهم، وعدم ترك مساحات يتحركون فيها بسهولة، وقاد النجاح في حرب المعلومات إلى التفوق على التنظيمات التي أرادت التمركز هناك.

 

وأشار لـ”العرب” إلى أن الأجهزة الأمنية استطاعت تجفيف منابع الدعم المادي للإرهابيين وكثفت وجودها في مناطق التسلل الحدودية وحصرت عمليات الدخول والخروج من غرب إلى شرق قناة السويس ومنها إلى سيناء، وتغطية جميع المحاور بعناصر تأمينية ونقاط سيطرة، ما أعطى فرصا للتنمية، ودلل على أن استمرار الجهود الأمنية يأتي بالتوازي مع جهود تنموية سريعة.

 

الأجهزة الأمنية طورت علاقتها بقبائل سيناء، وتم تدشين اتحاد القبائل منذ أربع سنوات

ونجحت مصر في الخروج من الترتيب السنوي للدول الأكثر تأثرا بالإرهاب في العالم، وأظهر تقرير مؤشر الإرهاب العالمي أنها جاءت في المرتبة الـ11 عام 2018، بينما كانت في المرتبة التاسعة في العام السابق، وفي ظل التقدم الأمني الحاصل في العامين الماضيين ابتعدت عن قائمة الدول العشر، بما أكد ترنح الجماعات الإرهابية.

 

ومنح هذا الترنح الفرصة لمعالجة الثغرات التي نفذ منها الإرهابيون، وتغلغلوا في مناطق مختلفة بسيناء، وفي مقدمتها توجيه جزء كبير من الموارد للتنمية.

 

وقال رئيس جمعية مؤسسة مصر للتنمية والإبداع بالعريش في شمال اللواء نبيل أبوالنجا لـ”العرب” إن “الأوضاع على أرض الواقع تشهد تطورا ملحوظا على مستوى الأحوال المدنية، فقد اختفت أزمات الكهرباء والمياه والوقود التي كان يعاني منها أهالي سيناء، وباتت إمدادات المحافظة من الغذاء تسير بشكل جيد

ومنتظم”.

 

وأوضح أن تحركات المواطنين وتنقلاتهم تسير بصورة عادية ولم تعد هناك هجمات تستهدف كمائن قوات الجيش أو الشرطة، ويقتصر الأمر على بعض الأعمال الإرهابية التي تطال أبراج الغاز أو الكهرباء أو تفجير الألغام عن بعد، واختفت تقريبا معالم المواجهة المباشرة التي كانت تهيمن على الأوضاع لسنوات، ما أفسح المجال أمام تدشين تجمعات سكنية جديدة في وسط سيناء.

 

وذكر أن الأوضاع الأمنية في العريش مستقرة، وهناك أنشطة اجتماعية تنظمها مؤسسة مصر للتنمية بشكل طبيعي، كما أن قوات حفظ السلام الموجودة في منطقة الجورة في جنوب مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء بدأت تشعر بمدى التطور الحاصل على المستوى التنموي، ولديها متابعة دقيقة لما تحققه القوات المسلحة من نجاحات عسكرية وتنموية في سيناء.

 

وأصبح الذهاب إلى سيناء والعودة منها محاطا بتسهيلات تساعد في سرعة دوران عملية التنمية، فبعد أن كان نفق الشهيد أحمد حمدي الواقع أسفل ممر قناة السويس ويربط بين مدينة السويس وسيناء، وجسر السلام المعلق، الطريقين الوحيدين المؤديين إلى سيناء، جرت إضافة خمسة أنفاق، وخمسة جسور عائمة، تسهل عملية العبور من غرب إلى شرق القناة باتجاه سيناء، ضمن خطة التنمية الشاملة الجديدة.

 

تحسن ملحوظ

وصفة مثالية لتطويق التطرف

شدد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان صلاح سلّام، على أن الأوضاع في سيناء تحسنت كثيرا خلال العامين الأخيرين، وهو ما انعكس على عودة الأنشطة الفنية والثقافية في مدن مختلفة بسيناء، وهو مؤشر قوي على تراجع نفوذ الإرهابيين وتحدي من بقي منهم على قيد الحياة ويمارس العنف.

 

وأعلنت وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم مؤخرا، بدء العمل في مشروع تطوير سينما العريش، ودشنت مشروع “ابدأ حلمك” لاكتشاف المواهب المسرحية، وإقامة أسابيع ثقافية متنوعة، وتأهيل المرأة على الحرف البيئية والتراثية، وتدريب الشباب على استخدام التكنولوجيا من خلال نواد متخصصة.

 

وجرت إقامة مدن ومجمعات عمرانية جديدة، مثل مدينة السلام والإسماعيلية الجديدة في شرق قناة السويس ناحية سيناء، وجرى تأسيس جامعة الملك سلمان الأهلية، وتوسيع جامعة العريش والتي أضحت تضم 10 كليات.

 

ولفت صلاح سلّام لـ”العرب” إلى أن الإنجاز الأهم الذي تحقق في سيناء يتمثل في إقامة 17 تجمعا سكانيا، وهي عبارة عن مجموعة من المنازل كل منها خصص لصاحبه 10 فدادين صالحة للزراعة، وتضم مجمعات مدارس ووحدات صحية ونوادي رياضية ومشروعات مياه عذبة، وقُدمت تسهيلات كبيرة لمالكي الوحدات ومنحهم الفرصة للتملك.

 

وتقوم فكرة تسريع وتيرة المشروعات التنموية على توطين المواطنين في هذه الأماكن، فكل عشرة فدادين توفر عمالة لا تقل عن 20 فردا بصورة مباشرة، وحوالي مئة آخرين بصورة غير مباشرة، بهدف ربط المواطنين بأراضيهم التي يعملون بها.

 

وعلاوة على التوسع في مشروعات استصلاح الأراضي في وسط وشمال سيناء، والتي من المخطط أن تصل إلى مليون فدان، وجرى بالفعل تنفيذ 13 مزرعة في شمال سيناء مساحتها 476 فدانا وأكثر من 229 قطعة زراعية.

 

تقرير مؤشر الإرهاب العالمي يُظهر أن مصر جاءت في المرتبة الـ11 عام 2018، بينما كانت في المرتبة التاسعة في 2017

وركزت الحكومات السابقة على الاهتمام فقط بالمشاريع السياحية في جنوب سيناء، والتي ثبت عدم جدواها على مستوى ربط المواطنين بالأرض، في حين أن مُلاكها سوف يتشبثون بها ولن يغادروها بسهولة مهما كانت المخاطر الأمنية التي تحيط بهم.

 

ويقوم الجيش حاليا بتوسيع المحاور والطرق الرئيسية في العريش، وانتهى بالفعل من تطوير الميناء البحري وتشغيله، وتطوير المطار أيضا، وهناك رؤى تستهدف تحويل سيناء إلى مجتمع عمراني منتج، والاهتمام بتدشين مصانع للرخام، وتحديث مطار البردويل في منطقة وسط سيناء، بما يشجع على قدوم المستثمرين.

 

وطورت الأجهزة الأمنية علاقتها بقبائل سيناء، وتم تدشين اتحاد القبائل منذ أربع سنوات وكان له دور فاعل في التنسيق مع القوات المسلحة في العملية الشاملة سيناء 2018، وقام بدور فاعل في الاستدلال على أوكار الإرهابيين والتعامل معهم.

أخبار ذات صله