fbpx
وداع بأغلى ثمن !

فريدة أحمد

 

كانت مراسم تشييع المناضل نيلسون مانديلا هي الأوفى و الأبهى في صورتها, وأنت تشاهد الشعب الأفريقي وهو يودع أسطورته بالدموع والآهات فخوراً بها في حياتها وحتى في مماتها, ماديبا الثائر العظيم, الذي عبر ببلاده نحو الحرية والسلام والتقدم, ودفن معها الأحقاد والعنصرية والطغيان, هذا الرجل الحر الذي زرع بذرة الأمل في نفسي وأنا أسمع عمي “مُلهمي الأول” وهو يقص تاريخه النضالي من كتابه “رحلتي الطويلة من أجل الحرية”, ليتعلم منه و يعلمني, بأن من يتمسك بموقفه وصلابة قضيته يجب أن يرضى بالثمن الذي يدفعه وإن كان غال.

 

لم يكن الجنوب الأفريقي يقل عن جنوبنا الذي ودع عاماً مهيباً وهو يزف مئات المواكب من جنائز الشهداء, دفع ثوارها وأبطالها أرواحهم من أجل بلادهم بأغلى ثمن, ثمن لا يدفعه إلا أمثال بن حبريش وعبد السلام والبيتي وسالم وعمر وحسان وعادل, وغيرهم ممن لحقوا بهم أو سبقوهم طوال الأعوام الماضية, مواكب حملت معها الكثير من الأحلام والآمال, وحمّلت شعبها الأمانة من بعدها وهي تُمني النفس, بأنه رغم شقاء المسير هناك متسعٌ من الحياة و فسحة كبيرة من الأمل.

 

عامٌ مضى بأيامه الأخيرة يضج بالسواد والحزن العميق, عندما تجسدت صورة القبح الحقيقي بسقوط أبرياء الضالع في مجزرة شنيعة ومروعة بمجلس عزاء لم ترحم صغير ولا طاعن في السن, نفذتها قوات الجيش اليمني ببرودة أعصاب, لتعلن الحكومة في اليوم التالي أنها غلطة, وتعرض مبالغ مالية لتعوّض أسر الضحايا عن بشاعة الجريمة التي زهقت أرواح ذويهم, هكذا بكل بساطة واستهتار مقصود, وبمباركة من الإعلام اليمني والعربي المضلل, وبصمت مخزي من دول الجوار والإقليم عن جرائم الإبادة الممنهجة على الجنوب, والتي لم تتوقف حتى لحظة كتابتي لهذه السطور عن ارتكابها, أطفال لا ينامون الليل وجلاً و رعباً من أصوات الرصاص وهزات الانفجارات, التي استبدلوا بسماعها عد النجوم وحكايات ما قبل النوم.

 

فإلى متى هذا الصمت القاتل؟ وإلى متى يستمر هذا الهوس المدمِر للجنوب أمام أعين العالم, هل نُزعت منه حروف الرحمة ليكتب كلمة حق أو استنكار أو حتى إدانة؟

 

هنا تتوقف العبارات وتئن الحروف, ولن أقول إلا صبراً يا أحرار .. فبعد الليل الحالك يأتي نهار مشرق بإذن الله, أنتم اليوم وحدكم, ولا تعتمدوا أو تلجأوا لأحد بعد اليوم إلا للعزيز القهار ثم أنفسكم, هو ناصركم وأنتم معيني أنفسكم, وحتماً سينتصر الجنوب.