fbpx
نفتقد لحوار وثورة أخلاق !!
فريدة أحمد 
 
في الجنوب وإن كنا نتفق على هدف, المحصلة تقول بأننا نفتقد لحوار حقيقي, حوار ليس بالضرورة أن تكون فيه الآراء السياسية متوافقة, بل حوار عقلاني يمكن أن تخرج منه بحصيلة من الأفكار العميقة و الثقافة السياسية الرفيعة, حوار باستطاعتك أن تحافظ فيه على سقف علاقاتك الاجتماعية مهما كبرت مساحة الخلاف السياسي, حوار ليس بالضرورة أن تتنازل فيه عن موقفك, بل تحاول أن تدعمه وتعزّزه وأنت تتمسك به بكل ثقة وود يحفظ لك استقلالية رأيك, حوار يُقنع جميع المتحاورين مهما وصل حد اختلافهم, بضرورة البحث عن مداخل واقعية لتجسيد التنوع والاحترام و القبول بالآخر, بدلاً من إلغاءه وتخوينه عند أول خلاف.
 
 من صور الخلاف الضيقة التي نشهدها بشكل شبه اعتيادي, عندما يلتقي طرفان أو أكثر في حوارٍ ما, ويحدث اختلاف على نقطة معينة ليتحول بعدها إلى خلاف, هو استراتيجية تكسير العظم, وهذه الاستراتيجية لها صور متعددة, منها ما يظهر بتلميحات خفية وإشارات مقصودة عبر كل الوسائل  الاجتماعية والإعلامية المتاحة, من الشخصنة والدخول في خصوصيات الطرف المختَلف معه حتى لو في محيط أسرته وبواطن نفسه, ثم الانتقال إلى تشويه صورته وتبغيضه إلى الناس بطريقة مسيئة, ثم إيصاله أخيراً إلى مرحلة تُفقد من لا يعرفونه احترامهم له ولفكره, ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد, بل إن البعض يتفنن بتأذيته عبر نشر صور منحرفة ومركبة له بأجساد حيوانات, وأخرى مركبة بأجساد أنثوية تهين المرأة قبل أن تهينه شخصياً, اعتقاداً من صانعيها أنها قد أوصلت الطرف المقصود إلى قمة الانحطاط  الأخلاقي, وهم لا يعلمون أنهم بمثل ما يصنعون يجسدون طريقة تفكيرهم الانهزامي الضئيل, الذي يدل على ضعف حجتهم وقلة حيلتهم وهم يحاربونهم بهذه الطرق المَرِضية.
 
وأسوأ ما يمكن أن تشاهد, منظر لشاب يقوم بشتم رجل بعمر والده, لمجرد أنه اختلف معه في الرأي أو قدم من منطقة أخرى, يكسوك عندها الألم وأنت تستحضر ماضي تليد كنت تسمع عن ذكرياته, لم يكن فيه الشاب يجرؤ على رفع عينه نحو عين من يكبره, أو يرفع صوته عليه أيً كان جنسه أو لونه أو عرقه, قيم كثيرة افتقدناها أو أفقدتنا إياها قسوة الحياة والظروف, كانت فيها الحكمة وضبط النفس حاضرة دوماً, أصبحت صور معتادة نشاهدها يومياً بل ونصمت عنها ونشجعها بعيداً عن أي اعتبارات أخلاقية, تفقدنا الاحترام لذواتنا قبل أن نفقده أمام الآخرين. 
 
لطالما تغنينا بأن “ثورة الجنوب ثورة أخلاق”, والأخلاق المقصودة إن كانت تتمثل بالسلمية فقط, دون أن تحمل في طياتها قيم سامية تتجلى في أخلاق الثوار وتحترم شرف القضية التي يحملون, هي ليست ثورة أخلاقية, ولن تكون كذلك إن لم تجسد مبادئ وأخلاق الثورة في سلوكيات أبنائها اليومية مع الآخرين.