fbpx
زهراء صالح .. “المرأةُ الحديديَّة” لا تليقُ بِكْ..!!

إلتقينا بها في القاهرة قبل أن يصيبها المُصاب بأيامٍ قلائل ، كانت حينها تطبب طفلاً جريحاً قد كُسِرت قدمه “اليمنى” برصاص دشكا أحد الأطقم ، و للوهلة الأولى ظننتها أمُّه ، ولكنها كانت في مقام الأم التي ترعى وتطبب ابنها ، لقد كانت تتحدث عنه بكل رحمة ، وتقول له ناصحةً :” هناك من يقوم بالدور عنك يا بُني ولم تستطع أن تخفي أحاديث إعجاب عينيها بصنيع ذاك الطفل الصغير”، ولم تعرف أنَّ يوماً كهذا أو أسوأُ كارثيةً منه سيضرب ميعاداً مع قدمها اليمنى أيضاً !! ، مسكينة تلك الزهرة الجنوبية التي فاح عطرها كل وادٍ وشعبٍ في أرجاء الوطن ، والتي أراد الأوقاد قطف ( معضلتها ) باكراً ، مسكينةٌ تلك الزهراء الذي تنكر لها معظم من حولها ( غير الطيبين القلائل ..) .

أتدرون ماذا كانت تقول لنا حينها ؟! أقسم أنني سأنقله بالنص وأطلب من السيدة المعذرة على نقلي هذا الكلام: ((هنالم من كان يتصل بي من القيادات الجنوبية ومن الشخصيات المعروفة قائلين لها هل تحتاجين شيئاً يا زهراء ، فكنت أقولهم ، الحمد لله ، أني مكتفية ولكن المساكين هؤلاء الجرحى الذين يستحقون كل ما نقدر عليه ، وبعدها المال يأتي إلي وأنا قادرة أن أتمتع به ، لا مَن شاف ولا مَن درى ، ولا يمكن أعطيها الشباب يخزنوا بها ويشيشوا ويفتهنوا ، هؤلاء الناس أحق فأطلب تقارير طبية وأشتري جوازات سفر من أجل معالجتهم ..!!)) انتهى كلامها .. ويبقى كلام الخائرين العاجزين من القيادات الذائبة في ملح المصالح ..!

واعجبي على نفسي قبلكم ، كيف أن لنا ذهناً لا يحتفظ بشيء ، لا بزهراء ولا بقدميها ولا بأنفسنا جميعاً ، وواعجبي على إعلامنا وصحفنا “الموسمية” كيف تشتعل كظاهرةٍ جديدة ، ثم ما تلبث أن تنطفىء كبارودٍ مسَّه الماء ، ولا يدلُّ إلا على وهنه وضعفه وقلة حيلته ، أيُّ عقول نحتفظ بها في هذا الجحيم الذي نمر به وأي أحرفٍ يا “سيدة الرجال” ستصف معاناتك التي أنتي الآن فيها ، لندركِ أو ندرك ما تبقى منك .

مسكينةٌ تلك الوردة التي بُتِرت قدمها جزاءاً بما كسبت ! ، وماذا كسبت يا ترى إلا بتر قدمها الضعيفة الواهنة ، مسكينةٌ زهراء حيث تسكنين بين أجداث شعبٍ موسمي يغضب سريعاً ويزول سريعاً كـ( إعلان آمول الذي يزيل الألم ) لقد نسيك كل من حولك بعد أن كنتِ ظاهرةً يتسابق الكلُّ عليك ليسمع منكِ تصريحاً شارداً من خلف غضبان إغمائك .. مسكينةٌ أنتي وحدك .. ووحدك أنتي يا من تدفعين ثمناً بخسكِ إياه إخوان ورفقاء النضال ..!!

كم آلمتني تلك الصورة التي ظهرتي بها مُدثرةً بلحاف مرضى العناية ، الذي ينتظر الموت لهم خلف الأسرَّة ، كادت فيها المرأة أن تفقد حياتها وهي لا زالت مُخلصةً لقضيَّتها التي تنافح في سبيلها ومن أجلها بأي شيء ولو بقطفها رأسها لا قدميها ، كم أدمعتِ عيناي يا سيدتي وأنا أشاهد ذلك المنظر المحزن المبكي ، وهي مسكينةٌ لا تعي ما حواليها ويداها تخترقان كل ما حواليها لتشير بعلامة “النصر أو الشهادة” في سبيل القضية وكأنه لا يكفي ما حصل لها ، وكأنَّ قدماها لا يكفيان ، وكأنها تقول لا يزال لدي يدان ولسان وشفتان .. !

كم يحتاج هذا العالم الزائف المنافق كي يليق بكِ ، “المرأة الحديدية” يا سيدتي لا تليق بك ، فقد لاقت بتلك اللائي يهتف العالم باسمائهن وهن لم يقدِّمن ما قدمتهِ ما صنعتِه ما فعلته ، ماذا قدمن ، ماذا صنعن ، ماذا فعلن بحقٍ الله حتى يستحققن لقب الامرأة الحديدية ظلماً وزوراً ( مقارنة بزهرائنا )، هل نزلن الى الساحات ، هل حملن السلاح في سبيل قضيتهن ، أنتِ و”دعرة” التي قارعت الإحتلال البريطاني متشابهاتٌ كثيراً ، كليكما رفض القمع والإرهاب كلاكما رفع راية التحرير .

شامخةٌ أيتها الامرأة الحقيقية وكفى ، يا صاحبة الإرادة الفولاذيَّة التي لا يمكن للسجن ولا للمرض ولا للقنابل أن تطفئ صوتك المنتشر كالدخان في كل الإرجاء ، لا يمكن لهم أن يطفؤوا هدير صوتك ، الذي تسلل من بين لحاء الموت رغم المعاناة والألم ، إلا أنكِ أصررتي على أن تبعثي ضوء أصابعك ( النصر أو الموت ) لتنيري طريق القضية أفضل من كثيرٍ من ذاك العفن المعلول المسمى “قيادات” ، والوحيد .. الوحيد الذي لا نريده أن يليق بك هو الموت ؛ لأننا بأمس الحاجة إلى زخم صوتك وشجاعتك والى رحيق زهرك الذي يهب مع نسيم كل صباح من الرق والعبودية التي تعيشها أرواحنا داخل أقفالٍ تسمى الأجساد ، وتحية لقدمكِ السباقة ولروحك المتوثبة التي هزمت الموت !!