fbpx
من تراث سقطرى – حكاية (ماكن)

 

علي صالح الخلاقي
——————————-
في قديم الزمان, شُيدت على قمم جبال حَجْهَر قلعة (ماكن). وقد حكم قلعة (ماكن) عدة أشخاص, كان من بينهم رجل سواحلي فظ وقاسٍ. شرع هذا السواحلي القاعدة التالية: كل فتى غير مختون يمكن أن يصل إلى (ماكن), لا بد أن يتحدث ويتنبأ بشيء ما. من جهته يعطيه السواحلي مهلة عام كامل, وعلى الطفل أن يأتي بعدها إليه. فإذا تحقق كل ما توقعه في حديثه فأن نهاية السواحلي قد أزفت وبنهايته ستتهدَّم القلعة. 
لم يحدث أن نجح أ حد على السواحلي من أولئك الفتيان العديدين سيئي الحظ. وجميع من لم تتحقق توقعاتهم أعدموا, وهكذا كان الموت مصير كل الفتيان الذين قادهم حظهم السيئ إلى قلعة (ماكن).
في ذلك الزمن عاش شخص من قبيلة (ريغْدهُوْ) وكان لديه حفيد صغير غير مختون بعد. وفي ذات يوم ترجى ذلك الرجل حفيده أن لا يذهب إلى (ماكن).
يمكن أن تذهب إلى “حَجْهَر” وترعى أبقارنا في الأسفل, لكن أرجوك لا تدخل قلعة (ماكن).
خرج الولد باتجاه (ماكن). وفي طريقه إليها أخذ يفكر: 
لماذا لا أذهب بنفسي لرؤية هذه القلعة؟ سأعرج وأسلم عليهم, إن شاء الله لن يحدث مكروه.
دخل الولد إلى القلعة فسأله حُكَّام (ماكن):
هل أنت مختون أم غير مختون؟
أنا لم أختن بعد.
عندها سألوه:
من أين أنت؟
أجاب الولد:
أنا ريجدهي.
حسناً- قال حُكَّام القلعة- والآن قل كلمتك, طالما أنك جئت إلينا في هذه القلعة وأنت غير مختون.
وهل من الضروري أن أتحدث؟
نعم, لا بد أن تتوقع شيئاً.
لم يكن أمام الولد إلاَّ أن تحدث فقال:
سيأتون إليكم بقربة مليئة بالتمر, ولن تحرزون من أي صنف من النخيل هذا التمر. 
فكر أصحاب (ماكن) وقالوا:
لا زال الطفل صغيراً وغير مختون, ليس بمقدوره فعل هذا.
ومرة أخرى قال لهم الولد:
سيجلبون لكم آنية مليئة بالسمن, وحالما تفتحونها ستعطشون جميعكم.
فكروا من جانبهم وقالوا:
لا زال الطفل صغيراً وغير مختون, ليس بمقدوره فعل هذا.
ومن جديد قال الولد:
وسيقودون إلى هنا عنزةً ستقلع أضراس صاحبكم السواحلي. 
فكروا من جانبهم وقالوا:
أنه ما زال صغيراً وغير مختون, ليس بمقدوره أن يفعل هذا.
ثم قال له أولئك الأشخاص:
هل لديك ما تريد قوله أكثر, أم أنك أكملت حديثك؟
كفى, ليس لدي ما أقوله أكثر.
إذاً اسمع- قال أصحاب القلعة والفرحة على وجوههم- لديك فترة عام كامل, عش بسلام كما تريد.
اتجه الولد نزولاً عائداً أدراجه إلى جده في “ريجدهي”.
هل دخلت, يا حفيدي, إلى (ماكن)؟
نعم, دخلت.
وماذا فعلت؟
قلت لهم كلاماً, ربما إنني لم أَصْدِق في القول – أجاب الحفيد على جده.
غضب الجد من حفيده. وأخذ الآن يفكر جيداً ملياً بعمل ما, من أجل إنقاذ حياة الطفل. وبعد إمعان في التفكير وجد مخرجاً من الورطة.
حلب عنزاته إلى الجرة ووضع اللبن على جذوة النار المتقدة ثم أخرج القشدة وجمعها وغلاها بعد أن وضع معها أزهار شجرة (صوب خير) ثم ملأ آنية بالسمن الذي حضَّره للتو, ثم طمرها في الأرض.
ومن بداية موسم الحر أخذ يرش النخيل. كان يرش على ستة وسبعة عساليج منها. وعندما اقترب نضوج التمر قطع جميع الأغصان مع الأوراق وأبقى فقط التمور في العناقيد. وفي موسم جمع التمور فصل بيده كل تمرة عن العنقود ثم فرشها في ساحة لتجف بتعريضها لأشعة الشمس. بعد ذلك نظف التمور من قشرتها ونزع منها النوى ثم ملأ هذه التمور في قربة كبيرة.
وكان لدى الجد عنزتان على وشك وضع حملهما, واحدة في “دي شهص” والأخرى في “ريدجهي” ووضعت كل منهما جديا (أنثى) فذبح أحدهما وأبقى الآخر حياً ترضعه العنزتان معاً لكي ينمو قوياً وكبيراً.
اقترب الموعد المحدد, فطلب أرباب القلعة الفتى لمقابلته والنظر في أمره. قال الجد لحفيده:
خُذ الآنية والقِربة واذهب إلى (ماكن). أخذهما الفتى وذهب. أوقفه الجد وقال له:
انتظر.. عليك أن تخفي ما معك تحت ثيابك, ولا تنظر بأي حال من الأحوال إلى حواليك, طالما أنك لم تصل إلى داخل القلعة, وحتى تتيقن أن العنزة وأنت في وسطها بالضبط. وعندما يظهر لك أن راعيها في نفس مستوى قوائم الباب حينها انطق:
تُحطم هي القلعة الحصينة
دخل هو, لكي يجد تلك التي أرضعتها عنزتان
في “ديشهص” ربتها تلك التي لم تترحل
أمطرت السماء وغدا الجو أبرد من النجوم
وبعد ذك فقط يمكنك أن تلتفت إلى العنزة.
سار الغلام في طريقه, وحين بلغ منتصفها أخذ يفكر ويسأل نفسه:
لماذا لا ألتفت لأعرف هل تسير العنزة ورائي أم لا؟!.
وبمجرد ما التفت إليها حتى أخذت العنزة تجري إلى الخلف وعادت أدراجها إلى البيت. فاضطر الصبي أن يعود إلى جده. كان العجوز بفطنته قد أدرك ما حدث, فقال للطفل:
لا شك إنك التفت إليها قبل أن تصل إلى نفس المكان. 
أجاب الطفل:
نعم نظرت إليها.
وفي اليوم التالي أرسل معه عنزته وأنذره مجدداً قائلاً:
الآن, حذار أن تعاود الالتفات قبل أن تصل إلى المكان.
ومن جديد سار الصبي في طريقه, متبعا تعليمات جدّه, حتى بلغ قلعة (ماكن) . وحين بلغ المكان أخذ يردد بصوته تلك الكلمات التي أملاها عليه جده:
تحطم هي القلعة الحصينة
دخل هو, لكي يجد تلك التي أرضعتها عنزتان 
في “ديشهص” ربتها تلك التي لم تترحل
أمطرت السماء وغدا الجو أبرد من النجوم
وعلى الفور التفت وتطلع في العنزة. ففزَّت العنزة مندفعة بشكل جعلها تحطم الدعائم التي تسند سقف ماكن. فأسرع أرباب القلعة للقبض عليها, ثم قطعوا رأسها. أخذ السواحلي يلعق شفتيه من اللذة ولم يسعه صبراً لأكل لحمها طازجاً. خلعوا جلد العنزة, ثم فصلوا الرقبة وأعطوها للسواحلي القوي. أخذ الرقبة ووضعها في جانب فمه وغرز فيها أسنانه فتساقطت من فمه على الأرض فوراً. وما أن تساقط أسنانه من جانب فمه حتى أعاد الرقبة إلى الجانب الآخر وأنشب فيها مرة أخرى أسنانه المتبقية, لكنها لم تبق في مكانها إذ سرعان ما تساقطت هي الأخرى من فمه على الأرض. 
وفي ذات الوقت قطع أرباب ماكن القربة وتطلعوا إلى ما فيها من تمور, فلم يستطع أحد منهم أن يعرف أي من أي صنف من النخيل جاءت تلك التمور الغريبة.
ثم أحضروا الآنية ونزعوا عنها الغطاء. وما أن فتحوها حتى صدمت أنوفهم الرائحة المنبعثة منها فعطسوا جميعاً على الفور.
وهكذا فإن غلام “ريغدهي” أوفى بما وعد به. ثم نفَّذ أرباب القلعة الحكم الذي كانوا قد أصدروه بأنفسهم, وقطعوا رأس السواحلي. وفي ذلك اليوم كانت نهاية ماكن. وكانت فرحة الغلام كبيرة جداً لا تُضاهى. 
————————————–
من كتاب (السقطريون- دراسات أثنوغرافية -تاريخية) تأليف : فيتالي ناؤمكين. ترجمة :د.علي صالح الخلاقي، دار جامعة عدن للطباعة والنشر 2014م.