fbpx
أسئلة ما بعد استعادة أبين

أسئلة ما بعد استعادة أبين

د. عيدروس النقيب

في حوار لكاتب هذه السطور مع الإذاعة القطرية اشترك فيه آخرون، قال ممثل السلطة إن «أنصار الشريعة» لم يستولوا على أرض يمنية وإنما استولوا على أبين، ثم استدرك إن من سيطر على أبين هم أبناء أبين نفسها، في محاولة لتبرئة الجماعة المسلحة مما جرى في أبين، وبرر ما جرى بأن الجيش والأمن كانا منشغلين في مواجهة الاضطرابات في صنعاء وتعز، وهو ما يعني أن الجيش والأمن اللذان يفترض أن تكون مهمتهما الرئيسية هي حماية البلد من العدوان الخارجي تحولا إلى حماية للسلطة ومواجهة الشعب، وهو الأمر الذي كررناه مرارا، لكن الحقيقة ليست فقط كذلك.. لقد سلمت أبين تسليما للجماعة المسلحة، وقد قال لي أحد العسكريين، أنه كان من بين العديد الذين طلبوا من قياداتهم منحهم الأسلحة والعتاد للدفاع عن زنجبار، فقال لهم القادة أن لديهم توجيهات عليا صارمة بالمغادرة إلى عدن، وهذه مسألة لم تعد اكتشافا خارقا بل صارت مفهومة لكل مبتدئ في العلم العسكري والسياسي، أما مدينة جعار فقد تم تسليمها بمحضر استلام وتسليم بين الجهاز الأمني والجماعة المسلحة، وستكشف الأيام المزيد من التفاصيل المتبقية من تلك المسرحية.
لم يكن تسليم أبين للجماعة المسلحة عملا اعتباطيا بل لقد جاء من قبل رأس النظام لتحقيق عدة أغراض أهمها خلط الأوراق وإرباك حكومة الوفاق الوطني وتعطيل أي مسعى من أجل إحداث التغيير الحقيقي، ومحاولة إثبات إن سقوط على عبد الله يعني استلام الإرهابيين للبلاد، وفي هذه السنة عانى أهالي أبين ما هو أكثر من الأمرين ليس فقط بسبب النزوح والتشرد والفاقة والعراء، وانتشار الأمراض والأوبئة لكن بفقدانهم للأمن والأمان والخوف من المستقبل وفقدان معظمهم كل ما بناه خلال سني عمره، جراء القصف العشوائي الذي طال الأخضر واليابس، وأحرق الحجر والشجر، ناهيك عمن فقد ابنه أو قريبه أو رب أسرته أو معيله، أو كل هؤلاء وهي آلام لا تمحوها السنون.
كان من المؤكد أن استعادة أبين هي مجرد مسالة وقت، لأن نشوء إمارة أو إمارات جهادية في منطقة اعتادت منذ عقود وأكثر على الحياة المدنية القائمة على حكم المؤسسات والاحتكام للقانون، هو مجرد ردة مصطنعة افتعلها رأس النظام تماما كما فعل بعد 7/7/ 1994م عندما قضى على مؤسسات الدولة واستبدلها بأشكال مستوردة أثبتت عجزها عن تلبية حاجات المجتمع المدني المتأصل في الجنوب منذ عقود.
نعم لقد أكدت معركة استعادة أبين أنه كان بالإمكان عدم سقوطها بيد جماعة مصطنعة، جرى استيرادها استيرادا، لإرباك الحياة السياسية وإيقاف مسيرة الثورة السلمية، وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة التي تستحق التوقف، ومحاولة البحث لها عن إجابة، وأهم هذه الأسئلة: كيف سقطت أبين بيد هذه الجماعة ولماذا سقطت؟ ثم لماذا لم تواجه الجماعة بأي مقاومة تذكر ما عدا الدور الذي لعبه اللواء 25 ميكا الذي أبى إخلاء الساحة لهذه اللعبة القذرة؟ وأين ذهبت الألوية والفيالق التي ظلت تواجه الحراك السلمي طوال أكثر من أربع سنوات؟ وكيف لم تصمد أمام أقل من مائتي مسلح؟ ثم كيف استطاعت القوات المسلحة ومناصريها من اللجان الشعبية هزيمة تلك القوة التي عجزت ألوية الحرس الجمهوري والفرقة الأولى والأمن المركزي والأمن القومي والنجدة والأمن العام والأمن السياسي عن مواجهتها على مدى أكثر من سنة؟ وأخيرا من الذي سلم المئات من الجنود وعتادهم وأسلحتهم للجماعة المسلحة؟
لقد أراد رأس النظام تفخيخ الحياة السياسية والتضحية بالبلد من أجل أن يبقى فترة أطول في الحكم، وبرغم المعاناة التي تعرض لها أبناء أبين فقد باءت تلك المحاولة بالفشل.
في البلدان التي تحترم فيها القوانين المنظمة للحياة العسكرية والأمنية المهنية وما يحكمها من مبادئ، يساءل القادة الأمنيين والعسكريين لمجرد حصول حادثة أمنية تسقط فيها ضحية واحدة أو تذهب فيها خسائر مادية على المجتمع، فما بالنا بتسليم محافظة كاملة بأهلها ومؤسساتها، ومئات المنشآت وذهاب مئات الأرواح وإشعال عشرات الحرائق، ومصنع كامل للمتفجرات تخلت عنه إدارته ليتحول إلى فخ أحرق مئات الأرواح وبمقابل كل هذا كوفئ المتسببين بالحصانة الأبدية عن المساءلة، وصاروا اليوم يعرقلون كل جهد لاستعادة السكينة والاستقرار وملاحقة المجرمين.
لقد كانت معركة أبين اختبارا حقيقيا لقدرة الجيش اليمني والشعب اليمني على التلاحم في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، وأثبتت المعركة ونتائجها أنه بالإمكان مواجهة تحدٍ كهذا عندما تتوفر الإرادة السياسية والرغبة الشعبية، لكن مجرد استعادة مدن أبين ليس إلا البداية لفتح خزينة أسرار كثيرة لا بد من كشفها.
بعد استعادة أبين على حكومة الوفاق الوطني البدء بفتح ملف الإعمار وتعويض المتضررين… إن خسائر أبين بحاجة إلى جهد حكومي وشعبي كبيرين لكن السلطة هي المسئول الأول عن تعويض المتضررين الذين لا ذنب لهم في كل ما عانوه سوى إنهم وجدوا أنفسهم ضحية لعبة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وفي هذه المرة نتمنى أن لا تكون حملة الإعمار والتعويضات مدخلا لفساد جديد كما جرت العادة في مناسبات مشابهة.
برقيات:
* قال الرئيس المخلوع إنه حمى السيادة اليمنية وأنه لم يفتح أجواء اليمن للطائرات الأجنبية، في رسالة مزدوجة للرئيس هادي وللقيادة العسكرية.. لقد نسى بسرعة محرقة المعجلة، لكن أهالي الضحايا لم ولن ينسوا الجريمة التي ارتكبت بحقهم لكن يبدو أن وقت الحساب لم يحن بعد.
* يريدون أن يشغلونا بعبده بورجي هل هو عسكري أو غير عسكري بينما يحضر الدستور اليمني وقانون الخدمة العسكرية «تسخير القوات المسلحـة والأمن والشرطة لصالح حزب أو فرد أو جماعة ويجب صيانتها عن كل صور التفرقة الحزبيـة والعنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية» وكأن استقدام قائد حزبي ليحرض أفراد القوات المسلحة لصالح حزبه ورئيسه وضد الشعب والمعارضة من خلال منبر إعلامي عسكري ليس مخالفا للدستور والقانون.
* قال الشاعر الشهيد أبو الأحرار محمد محمود الزبيري:
وطنــــي أنت نفـــــحة الله مـــــــــــا      تبــرح لا عن قلبي ولا عن لساني
صنع الله مــــــــنك طينــــة قلبـــي      وبرى من شــــــذاك روح بــــــيانــــي
هاك ما قد طهرته لك في دمعي     ومــــــــا قد صـــــهرته في جَنانــــــي
شعـــلة القلب لو أُذيعت لقالـــــوا      مرّ عبر الأثـــــــــير نصـــل يمانــي
المصدر أونلاين