fbpx
حصاد عام 2014: أكثر السنوات صخباً في العالم العربي… تحطمت فيه الآمال… ألغيت حدود وجاء دور «داعش»
شارك الخبر

يافع نيوز – القدس العربي

يقترب عام 2014 من نهايته وهو عام لم يكن بكل المعايير جيدا على العالم العربي حيث مر فيه بنزاعات لا تزال تترك أثارا مدمرة على المجتمعات العربية في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغزة.
وهذا العام إن شهد انتخابات ووصول ووجوه جديدة للحكم في مصر مثلا وتراجع للإسلاميين في تونس ومخاوف في دول الخليج خاصة السعودية من استمرار خطر تنظيم الدولة الإسلامية إلا أن الثمن الإنساني الذي دفعه العرب في مناطق التوتر كان الأكبر.
وكما يظهر تقرير نشرته صحيفة «فايننشال تايمز»، «الرقص على الحبال: عام في العالم العربي» وفيه قدمت الصحيفة مجموعة من التقارير التي كتبها مراسلوها خلال العام عن التطورات الجارية في العالم العربي من العراق وسوريا إلى ليبيا ومظاهر القلق في السعودية إضافة للتغطيات المتعلقة بالشؤون المالية فقد مر العالم العربي في أسوأ سنواته.

غياب الأمل

وتقول رولا خلف، محررة الشؤون الخارجية في الصحيفة بمقدمة التقرير إن عام 2014 هو العام الذي تراجعت فيه الأمال.
وأشارت فيه إلى أن العام الذي يقترب من النهاية سيتذكره العرب بالصاخب الذي لم تشهد فيه بقعة من العالم العربي حالة من السلم والهدوء.
وعاش فيه العرب حالة من التراجع السياسي وتحطمت فيه الأوهام، خاصة أن ما جرى في العالم العربي كان مجموعة من الأزمات التي تمس وجوده، حيث تم إلغاء الحدود بين الدول الوطنية التي رسمتها الدول المنتصرة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المنهزمة في الحرب العالمية الأولى، وتحطمت كل أمال الجيل الشاب بظهور نظام ديمقراطي سياسي. فالوضع الذي آلت إليه الدول العربية في نهاية عام 2014 هي حروب مستمرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وقطاع غزة الذي لا يزال يترنح من الحرب مع إسرائيل في الصيف. أمالبنان والأردن فيكافحان لمواجهة متطلبات اللاجئين السوريين.
وعادت الحكومات الاستبدادية إلى مصر وبشكل أشد قمعا مما كانت عليه في عهد مبارك الذي أطاحت به ثورة شعبية عام 2011. وشهدت دول الخليج نزاعا وخلافات تقوم الآن بحلها حيث اصطفت كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة والسعودية ضد دولة قطر، واستمرت الأزمة طوال العام.
وتشير خلف إلى أن الحكومات العربية كان عليها الرضى بوضع تراجع فيه الدور الأمريكي في المنطقة وكان عليها المراقبة بقلق استمرار التأثير الإيراني خاصة في لبنان والعراق وسوريا وأخيرا في اليمن.
وما ساعد على هذا هو استمرار الخلافات العربية ـ العربية والمشاحنات بينها وغياب الرؤية الجامعة. وترى أن جيوب الإستقرار النسبي في المنطقة العربية كانت في الدول التي تعتمد اقتصاديتها على النفط حيث استفاد النمو الاقتصادي من زيادة أسعار الطاقة والإنفاق الحكومي الضخم على المشاريع.
وفي الوقت الذي استعادت دبي مكانتها كمركز للنشاط التجاري في المنطقة وتعافت من أزمتها المالية السابقة إلا أن استمرار تراجع أسعار النفط ستعكر المزاج وتخفف من حدة التوسع في الدول النفطية.
ومن بين كل الصخب والعنف الجاري في العالم العربي هناك بعض النقاط المضيئة عن استقرار وتقدم فقد مضت تونس في تجربتها الديمقراطية وعقدت انتخابات برلمانية وتحضر للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وفي المغرب كثفت الحكومة من جهودها لتحويل البلاد لمركز نشاط مالي لمنطقة الساحل والصحراء.

داعش الحدث الأكبر

ورغم ما يحتويه التقرير من تحليلات ورؤى كتبت خلال العام وأعيد نشرها بتعديلات طفيفة حتى تعطي القاريء سياقا ومعنى للأحداث إلا أن الحدث الأكبر الذي شهده العام ولا تزال تداعياته واضحة هو اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية شمال العراق بسرعة البرق وسيطرته على ثاني كبرى المدن العراقية – الموصل – وتوسعه أبعد منها في كل من العراق وسوريا.
ويمثل تنظيم الدولة الإسلامية المعروف أيضا بداعش خطرا وأكبر امتحان للعالم العربي. فالتنظيم الذي برز من ركام الحرب الأهلية السورية وتوسع بسبب السياسات الطائفية في العراق والتي انتهجتها حكومة نوري المالكي يمكن أن يتحول تهديدا لكل المنطقة.
فقد أدت سياسات الجماعات الجهادية التي استهدفت الشيعة والأقليات الأخرى خاصة المسيحية والأيزيدية للتدخلات الأجنبية – إيرانية ودولية بقيادة الولايات المتحدة لوقف زحف الجماعات الجهادية.
وأجبر تنظيم داعش الرئيس باراك أوباما على التخلي عن تردده في سوريا وأعاد طائراته الحربية للمنطقة وأرسل أكثر من 3000 جندي أمريكي إلى العراق.
وقد اشترط الرئيس أوباما عندما بنى تحالفه الدولي لإضعاف وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بأن القادة السياسيين في المنطقة خاصة العراق هم من سيقضون في النهاية على التنظيم من خلال تقديم تنازلات سياسية.
وتعتقد الكاتبة أن العراق لديه فرصة لتجاوز الأزمة والحفاظ على وحدته كدولة والعودة للاستقرار إلا أن المنظور بالنسبة لسوريا يبدو مستحيلا على الأقل في المدى القصير.
ففي سوريا يعتبر تنظيم الدولة جزءا من لغز معقد، يواصل فيه نظام الأسد عملياته ومحاولته البقاء في اللعبة ويواجه عددا من قوى المعارضة.
وترى هذه مع حلفائها في الداخل والخارج أن بقاء داعش مرتبط ببقاء النظام السوري. وتقول «مع اقتراب عام 2014 على النهاية فالأمل قليل في العالم العربي، وتلاشى التفاؤل بحدوث تحول سياسي بعد اندلاع ثورات عام 2011 وحل محله قلق وعنف جهادي وعدم التيقن بما هو قادم».

مسألة اللاجئين

ومن أهم مصادر القلق التي نتجت عن عام 2014 هي موجات اللجوء التي لم تتوقف، فاستمرار الحرب في سوريا خلق موجات من اللجوء الجديدة.
واضطرت أقليات للهرب من وجه تنظيم داعش فيما خلقت العمليات التي تقوم بها ميليشيات مدعومة من إيران موجات أخرى ووصلت في بعض الأمثلة لحد التطهير العرقي.
وفي الحالة السورية، تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أيام عن استمرار تخلي المجتمع الدولي عن السوريين، خاصة من هم عرضة للمخاطر. وانتقدت بطء المجتمع الدولي لتوطينهم. فمن المتوقع أن يمنح المجتمع الدولي 100.000 لاجئ الملجأ.
وهو رقم ليس كافيا إن تم قياسه بناء على الحاجة الماسة واستمرار الدول الغنية بإدارة ظهرها للاجئين ومنعهم من الدخول لأراضيها.
فمنذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011 لم يتم السماح إلا بتوطين أعداد قليلة من السوريين خارج المنطقة العربية. وكانت الأمم المتحدة قد طالبت في مؤتمر جنيف الأسبوع الماضي بالتعاون لتوفير الحماية للاجئين السوريين.
وقالت إنها حصلت على تأكيدات من 28 دولة لقبول 66.254 لاجئا سوريا، فيما قالت 11 دولة أخرى إنها تقوم بالتحضير لتوسيع برامجها مما يعني زيادة العدد المقترح إلى 100.000 لاجئ.
وتهدف الأمم المتحدة بزيادة العدد إلى 130.000 في عام 2015 و 2016. مع ان وكالات الإغاثة الدولية تدفع باتجاه رقم أعلى 180.000.
وهذه الأرقام هي نقطة في بحر عندما نأخذ بعين الإعتبار أن الحرب الأهلية في سوريا اقتربت من نهاية عامها الرابع وأجبرت الملايين على ترك بيوتهم وقراهم إما إلى دول الجوار أو أصبحوا مشردين في داخل بلدهم.
وتحملت الدول الجارة لسوريا العبء الأكبر- تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر- التي استوعبت حتى الآن حوالي 3.8 مليون سوري.
والوضع كما تقول ليس مكلفا ماليا فقط بل وله أثار على الاستقرار السياسي في هذه البلدان، وتزيد مشكلة اللاجئين مع انسداد الأفق وعدم وجود حل. ومن هنا دعت الصحيفة الدول التقدم للإمام واستقبال اللاجئين، خاصة أن دولا رفضت بتاتا أخذ أي لاجئ مما يعني فشلها في امتحان المواطنة والرحمة الإنسانية. وتضم هذه الصين وروسيا ودول الخليج الثرية مثل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.
وترى في رفض كل من روسيا والصين المساهمة في تخفيف معاناة اللاجئين مثير للدهشة لانها تنظران لنفسيها كقادة للعالم. وساهمتا بشكل كبير في استمرار الحرب من خلال دعمهما للديكتاتور بشار الأسد. كما ولعبت دول الخليج دورا من خلال دعم كل واحدة منها طرفا في المعارضة.
وحتى في أوروبا التي تعتبر مكانا تقليديا يرحب بضحايا الحرب لم ترد بكرم سوى ألمانيا والسويد على دعوات مساعدة اللاجئين السوريين، فيما فشلت فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والبرتغال.
وفي المقابل الولايات المتحدة التي تبرعت بـ3 مليارات دولار للأزمة السورية لم تستقبل سوى 300 لاجئ سوري.
وأخبرت آن ريتشارد المسؤولة في الخارجية مؤتمر جنيف الأسبوع الماضي بأن الحكومة الأمريكية تقوم بمراجعة طلبات 9.000 من السوريين حولتها الأمم المتحدة وتوقعت زيادة عدد اللاجئين السوريين في عام 2015.
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة عادة ما تستقبل العدد الأكبر من طلبات اللاجئين التي تحولها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فقد استقبلت عام 2013 70.000 من 65 دولة. وبالنسبة للحالة السورية فالتأخير نابع من دراسة الطلبات وتدقيق الأسماء واستبعاد من لهم علاقة بالمتشددين.

استمرار الحاجة

وورد مقال في صحيفة «الغارديان» كتبه ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني السابق والمدير التنفيذي للجنة الإغاثة الدولية بالإشتراك مع جاستين فورسايث، مدير مؤسسة «انقذوا الأطفال» ويان إيغلاند، السكرتير العام لمجلس اللاجئين النرويجي، وقالوا فيه إن الدعم الإغاثي يصل للاجئين في داخل سوريا لكن العنف المستمر هناك زاد من حاجة الكثيرين للمساعدة.
وأشار الكتاب إلى النداء الذي سيوجهه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والذي يعتبر الأكبر في التاريخ لحشد المجتمع الدولي ودفعه للمساهمة، كما تحدثوا عن التقرير الذي قدمه الأمين العام لمجلس الأمن حول الأزمة السورية وفيه دعوة لتغير الموقف الدولي من الأزمة في سوريا حيث تعتمد حياة المدنيين هناك ومستقبل الحرب على الموقف هذا. ففي كل شهر يزداد فيه عدد من يطلبون المساعدة داخل سوريا، ويصل العدد إلى 12.2 مليون نسمة.
ونصف هؤلاء تم تهجيرهم من بيوتهم. وهناك ربع مليون نسمة لا يزالون محاصرين في حلب وحول العاصمة دمشق يعيشون بين الأنقاض التي كانت في الماضي بيوتهم. وفي الوقت نفسه يستمر انزلاق سوريا وبشكل مستمر في متاهة حقوق الإنسان، فلا احترام للواجبات التي تتضمنها القوانين الدولية، فقد زاد عدد المرات التي هوجمت فيها المدارس، ستة أضعاف، وتمطر السماء يوميا على المدنيين القنابل والبراميل المتفجرة، حيث يستهدفون في بيوتهم وأروقة المستشفيات وقاعات الزفاف، وينقطع عنهم التيار الكهربائي والمياه بشكل دوري، وفوق كل هذا يتعرضون للقتل والعنف الجنسي الذي أصبح جزءا من الحياة اليومية.

حل مستحيل

ويقول الكتّاب إن منظماتهم دعت منذ اندلاع الحرب لحل سياسي، وهم يرحبون بجهود مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا وجهوده لتحقيق اتفاقيات وقف إطلاق نار محلية في حلب إلا أنهم يرون ان تحقيق السلام في كل أنحاء البلاد لا يزال بعيد المنال. ولكن استمرار العنف لن يؤدي إلا إلى زيادة مخاطر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وإزاء هذا هناك عدد من الخطوات التي يقترحها الثلاثة لتخفيف معاناة الشعب السوري.
أولا، إيصال المساعدات للمحتاجين أيا كانوا، في مناطق المعارضة أم الحكومة، خاصة أن قرار 2165 يسمح للأمم المتحدة إيصال المساعدات لكل مناطق سوريا.
وعلى الرغم من أن القرار كان نقطة تحول إلا أنه لم يحقق سوى نجاح متواضع على الأرض فلم تعبر سوى 30 قافلة إلى سوريا من الدول الجارة لها. أما الأمر الثاني فيجب على الدول التي تدعم النظام السوري، أي إيران وروسيا وكذلك الدول التي تدعم جماعات المعارضة ممارسة الضغط على كل الأطراف للوفاء بالتزاماتها أمام القانون الدولي.
فمن يقوم بقتل المدنيين وهدم البنية التحتية يرتكب جرائم ترتكب بدون خوف من العقاب، وجرائم كهذه صورة عن المدى الذي يمكن أن تنزلق إليه سوريا إن مرت بدون محاسبة. الأمر الثالث يجب على الدول المانحة دعم النداء الذي وجهته الأمم المتحدة فبدون مساهمة الجميع فستظل الاحتياجات قائمة.
ونظرا لتحمل لبنان وتركيا والأردن والعراق مسؤولية دعم 3 ملايين لاجئ سوري فقد بدأت بتقييد حركة اللاجئين تجاه أراضيها. ومن الضروري دعم هذه الدول حتى تفي باحتياجات اللاجئين كي تظل حدودها مفتوحة أمام الهاربين إليها. ويرى الكتّاب أن معاناة سوريا يعكس وقائع القرن الحادي والعشرين وحروبه من عنف متطرف ومعارك مدن وهجمات على عمال الإغاثة، ولكن الحصار ومنع وصول المياه هو تصرف يعود للقرون الماضية وعليه «فالمزيج بين الحديث والقديم واحتقار حياة المدنيين التي قد تجرد القانون الدولي من معناه، يعني أن سوريا والحالة هذه تعيد تعريف الأزمة الإنسانية في عصرنا وقد حان وقت العمل».

أخبار ذات صله