fbpx
انهيار النفط.. كيف تحول العالم من العطش إلى التخمة؟
شارك الخبر

يافع نيوز – العربية نت

بسرعة، وفي غضون 6 أشهر، تدحرج برميل النفط الداكن الثقيل، ليفقد 55% من قيمته، مخلفاً وراءه خارطة جديدة للاقتصاد العالمي، سترسم ملامح حال العيش والتنمية والتطور في المنطقة العربية والعالم، وستكون تداعيات سعر النفط العامل المؤثر في ميزانيات معظم الدول، التي بات كثير منها متضرر بشكل قاسٍ، وأخرى قادرة على التحمل لسنوات مقبلة بسبب الاحتياطيات المالية الضخمة والحكمة في إدارة أزمة النفط والاحتياطيات المالية المتراكمة من عوائده.

وترك الهبوط السريع في سعر المؤشر العالمي للنفط، خام القياس الأوروبي “برنت” من 113 دولاراً للبرميل في يونيو 2014 إلى أقل من50 دولاراً نهاية الأشهر الستة اللاحقة، الباب مفتوحاً أمام تساؤلات عدة حول الدول المستفيدة والمتضررة من هذا التحول الدراماتيكي في أسعار الطاقة العالمية، وما يدور خلفها من تحركات سياسية واقتصادية تتطلب موقفاً حكيماً في التعامل معها، لاسيما أن هذا الهبوط في سعر النفط يعني بوجه عام أن 2 تريليون دولار سيخسرها منتجو النفط، ويكسبها المستهلكون في سنة بافتراض أن العالم يستهلك 90 مليون برميل نفط يومياً.

وظل موقف منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) حجر الزاوية، في تحركات أسعار النفط العالمية، بعد أن رفضت المنظمة الرضوخ لضغوط خفض الإنتاج عن مستواه الحالي، المقدر بنحو 30 مليون برميل يومياً، ما أثار صدمة للسوق النفطية، التي كانت تتوقع من (أوبك) موقفاً مرناً حيال تراجع أداء الاقتصاد العالمي وقلة الطلب، لكن هذا الموقف المرن هو ما اعتبره أعضاء مؤثرون في أوبك مستحيلاً، حتى لو وصل سعر البرميل لأدنى مستوى يمكن تخيله، لاسيما أن الإنتاج من خارج المنظمة لا يمكن قياسه في ظل الاضطرابات التي تعصف بكثير من الدول المنتجة.

ولطالما ظلت أوبك مسيطرة، على مجريات الأسواق النفطية، لكن ظهور طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة، وارتفاع إنتاج (أوبك) نفسها بأكثر من حاجة السوق، مع تراخي الطلب العالمي بسبب استمرار حالة الركود الممتدة من الأزمات المالية المتوالية منذ 2008، إلى جانب انفلات الإنتاج في الدول التي شهدت اضطرابات، وعنف ما بعد الربيع العربي، مثل ليبيا والعراق، كلها عوامل مبررة للهبوط السريع بأسعار النفط، لكن هذا الهبوط ظل ينتظر شرارة أطلقتها (أوبك) بصلابة موقفها حيال عدم خفض الإنتاج.

موقف السعودية

أما السعودية بوصفها أكبر منتج في العالم تاريخياً، وعلى الرغم من تراجع مرتبتها إلى الثالثة، بعد الولايات المتحدة وروسيا، في الإنتاج للعام 2014، ظلت المملكة متمسكة بسياستها الاستراتيجية للمحافظة على مصلحة المنتجين العقلانيين، في مواجهة المضاربين بالأسعار والمبالغين في التفاؤل تجاه طفرة النفط الصخري، الذي تعتمد 70% من شركاته على القروض، وتمويل البنوك من أجل الاستمرار في أعمالهم، ذات الحاجة الكثيفة للتمويل، في مقابل قصر العمر الافتراضي للإنتاج المربح من آبار النفط الصخرية، وهو ما يصل في بعض الأحيان إلى 6 سنوات.

وكانت أقوى إشارة من السعودية، على المضي قدماً بالسياسة الاستراتيجية التي تستهدف الحفاظ على مصالح المنتجين في الخليج والعالم، ما تضمنته كلمة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى مجلس الشورى مؤخراً، من إشارة إلى تعامل المملكة “مع تحديات سوق البترول بإرادة صلبة وبحكمة وحنكة” مؤكداً في الكلمة التي ألقها نيابة عنه ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز أن “المملكة ستبقى مدافعة عن مصالحها الاقتصادية، ومكانتها العالمية ضمن منظور وطني، يراعي متطلبات رفاهية المواطن، والتنمية المستدامة، ومصالح أجيال الحاضر والمستقبل”.

وظلت المملكة تؤكد أنها تتعامل في ملف النفط العالمي بشفافية، حتى إن وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف أكد في مقابلة مع “العربية” قدرة المملكة “على التعامل مع هبوط النفط على المدى المتوسط” موضحاً أن “السياسة المعاكسة للدورات الاقتصادية نجحت في الماضي بتلافي الحد أو التخفيض الكبير في إنفاق الحكومة نتيجة وجود خطوط دفاع متمثلة في الدين العام، الذي وصل هذا العام إلى 44 ملياراً، وهي نسبة لا تذكر مقارنة بحجم اقتصاد المملكة وكذلك وجود الاحتياطيات الكبيرة.. إضافة إلى الموارد الكبيرة لدى المؤسسات المالية الحكومية أو الخاصة التي يمكن الاقتراض منها”.

استراتيجية الخليج

وألمح وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، علي النعيمي، إلى محاولات كانت تهدف لإقناع المنتجين من خارج (أوبك) إلى الالتزام بمعطيات استقرار السوق النفطية “لكنهم لم يلتزموا”، مؤكداً “ألا صحة لما يتردد عن مؤامرة سعودية أدت إلى هبوط أسعار النفط للإضرار بدول نفطية أخرى”.

وفي سياق قراءته، لحال النفط الصخري المتوقع خروج عدد كبير من أقطابه من السوق بعد هبوط الأسعار، قال النعيمي إن الحقول النفطية الصخرية بعضها يحتاج إلى “20 دولاراً للبرميل والبعض الآخر تصل كلفة الإنتاج فيها إلى 80 أو 90 دولاراً للبرميل”، لكنه أكد أن “خروج الكثير من الاستثمارات بالتنقيب عن النفط بات أمراً واقعاً”، مطمئناً حيال الوضع التنافسي للمملكة من خلال علاقات تاريخية تربطها مع نحو 80 مشترياً عالمياً للنفط السعودي.

ومع هذا يظل المنتجون الرئيسيون في (أوبك) متفائلين بقدرتهم على التأثير في السوق، في نهاية المطاف وعلى المدى البعيد، حيث توقع وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، أن تعدّل أسعار النفط مسارها بموجب معطيات السوق النفطية، مؤكداً لـ”العربية” أن هذه “ليست أول مرة يحدث فيها انخفاض وتذبذب بالأسعار”.

وأكد المزروعي أن دول الخليج تستثمر بالطاقة منذ سنوات ولديها خبرات طويلة، في مجال تقلبات الأسعار معتبراً الاجتماع بأنه خطوة مهمة للاتفاق بهذا الشأن، واصفاً التقلبات الشديدة في أسعار النفط بأنها “شيء لا ينفعنا ولا ينفع الاقتصاد العالمي” مع دعوته الحاسمة إلى الانتباه لحاجة الدول المنتجة إلى الاستمرار في ضخ مزيد من الاستثمارات في مجال النفط من أجل تأمين حاجة العالم من الطاقة على مدى السنوات الأربع أو الخمس المقبلة.

ولذلك، يشير الوزير الإماراتي إلى مسألة في غاية الأهمية أمام الجهات المنتجة من خارج (أوبك) بأن مسؤولية تدفق الطاقة للعالم تظل على عاتق المنتجين الاستراتيجيين، أما مسؤولية هبوط الأسعار فإنها “لا تقع على عاتق أوبك وحدها.. فالمنتجون المستقلون للنفط يساهمون بالفائض الحالي في السوق أيضاً” ولذا فإنه يوجه رسالة بلاده الإمارات للعالم، بأن إنتاج النفط لا يعني تحقيق الأرباح بقدر ما يعني استمرار تدفق الطاقة، ومن غير المعقول أن يحصل العالم على الطاقة من دون توفير سعر متوازن وعادل يمكن من ضخ الاستثمارات في مكانها الصحيح لاستمرار عجلة الإنتاج.

20 ألف مكمن صخري

ويجري الحديث عن نحو 20 ألف موقع للحفر في النفط الصخري الأميركي، تتواصل عمليات التنقيب والإنتاج منذ العام 2010، لكن انهيار الأسعار بهذا الشكل المتسارع قد يجعل من خروجها من المنافسة أمراً في غاية السهولة. كما أن أفضل التوقعات في صالح الإنتاج الأميركي من النفط الصخري، تشير بحسب خبراء النفط، إلى أن النفط الصخري سيكون “صناعة مؤقتة تظهر الحاجة إليها كلما ارتفع سعر النفط”.

وتظل السعودية ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا لهذا العام بحسب تقرير منظمة (أوبك) بإنتاج بلغ 9.6 مليون برميل يوميا في أكتوبر الماضي، في حين يقدر صندوق النقد الدولي عائدات السعودية من النفط بنحو 1.05 تريليون ريال للعام 2014، وقد تتراجع إلى تريليون ريال في العام 2015.

وفي ظل الطلب المتزايد على الطاقة لاسيما على الكهرباء تعمل السعودية على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، حيث تعتزم استثمار 300 مليار ريال في الطاقة النووية خلال العقدين المقبلين، كما ستخصص 900 مليار ريال للطاقة الشمسية، وتهدف المملكة من هذه الاستثمارات إلى تأمين 15% من حاجاتها للطاقة.

وبالنسبة للسعودية التي تقود قاطرة التحرك ضد تخفيض إنتاج النفط فإن احتياطياتها المالية المقدرة بنحو 2.8 تريليون ريال، وقدرتها على الاقتراض بأسعار متدنية تقل عن 1% في مقابل استثمار جزء مهم من فوائضها بعوائد تصل إلى 7%، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأنها قادرة على إدارة أزمة هبوط النفط لثلاث أو خمس سنوات مقبلة، وهي “مرتاحة مالياً” بحسب ما قاله لـ”العربية” الرئيس التنفيذي في شركة دار الإدارة للتطوير والاستثمار، محمد الضحيان.

وبما أن “أحداً لا يعلم إلى أين ستصل الأسعار.. فإن تراجع النفط سيظل يثير القلق في أسواق المال الخليجية والعالمية” على قول الخبير الاقتصادي هنري عزام، الذي قال لـ”العربية” إن دول الخليج لن تتأثر كثيرا بانخفاض أسعار النفط نظرا لقوة الاحتياطي المالي فيها، إلا أنه رأى “أن النمو قد يتراجع في هذه البلدان نظراً للانخفاض الحاد في سعر النفط، موضحاً “أن المخاوف بشأن هذا التراجع قد تصيب القطاع الخاص سلبا، نظراً لتراجع الاستثمار”.

روسيا والصين

ومع فقدان النفط أكثر من نصف قيمته كانت خسارة الروبل الروسي تعكس مدى تأثر ثاني أكبر مصدر للخام في 2014، بأن هوت العملة الروسية بنسبة 60% خلال النصف الأخير من نفس العام، لتعود وتعوض جزءا من هذه الخسائر، والتي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى فرض ضرائب جديدة من أجل محاولة الإمساك بزمام الاقتصاد المهدد بموجة ضاربة من الركود.

وفي سياق التأثير العالمي لهبوط النفط ذكرت أنباء مضي الصين في تكوين احتياطيات استراتيجية من الخام أكبر مما كان يعتقد سابقا، حتى تجاوز إجمالي واردات الصين 31 مليون طن أو أكثر من 7 ملايين برميل يوميا للمرة الأولى خلال ديسمبر 2014، ويزيد هذا بنسبة 10%عن الكمية الشهرية القياسية السابقة.

وقالت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، إن تهاوي أسعار النفط، سيجعل الصين ومنطقة اليورو على رأس الاقتصادات التي تحقق فوائض في العالم، لكنها قالت إن انخفاض تكاليف الوقود سيدعم الصناعات الكبرى في اليابان ويساعدها على تقليص العجز الكبير الذي يعود إلى ارتفاع واردات النفط بعد إغلاق محطات للطاقة النووية مؤخراً.

ومن الهند ثالث أكبر اقتصاد في آسيا، التي سوف تستفيد من تراجع التكاليف، الذي سيساعدها على القيام بخطوات تيسير نقدي ومالي لمعالجة الاختلالات المالية فيها، إلى دول مثل فنزويلا على النقيض من ذلك باتت أكثر خشية من عدم القدرة على سداد التزاماتها المالية، وشرعت بإجراءات خفض للرواتب الحكومية تصل في بعض الأحيان إلى النصف، وكذلك العراق الذي قام بخطوة مشابهة.

 

 

أخبار ذات صله