fbpx
اغتيال الخيواني . . . اغتيال الصوت الحر!

كان الخبر كالصاعقة وكانت التفاصيل مزلزلة عندما تلقيت نبأ اغتيال الزميل الكاتب والناشط السياسي والحقوقي الأستاذ عبد الكريم الخيواني ظهر اليوم في العاصمة اليمنية صنعاء، نظرا لما تحمله الحادثة من مؤشرات وأبعاد ومعاني ولما يمثله شخص عبد الكريم من قيم تحمل الكثير من معاني الشجاعة والجرأة والصدق والمواقف الاستثنائية في اللحظات الاستثنائية.
إنني لا أتحدث عن القيادي في جماعة الحوثي المسماة ” أنصار الله” ولا عن عضو مجلسها السياسي أو لجنتها الثورية، فهذه الألقاب لم تضف شيئا لعبد الكريم الخيواني إن لم تكن خصمت من مقامه ومكانته وسمعته التي ملأت الآفاق، . . . إنني أتحدث عن عبد الكريم الكاتب والصحفي والناشط السياسي والحقوقي المتميز، والذي سجل تفوقا نادرا على الكثير من نظرائه وقادته في اجتراح المواقف النادرة وتبني القضايا الكبيرة التي تهيب الكثيرون تبنيها أو الحديث فيها، ولكل هذا استحق عبد الكريم كل ذلك التقدير والمكانة المحليين والإقليميين والدوليين، وما الجوائز والتكريمات التي حصلها إلا جزء مما يستحقه الرجل لتميزه بتلك ابمواقف واجتراحه لتلك المآثر.
يتذكر الجميع حادثة محاكمة صحيفة الشورى التي بدأت باستنساخها مرتين، مرة بمسمى مشوه أعتقد أنه كان ” منبر الشورى” لكن المطبخ الذي صمم هذه الأكذوبة أخفى كلمة ” منبر” ليحتاج قارئها الى ميكروسكوب للعثور عليها، وشخصيا اشتريتها مرة ورحت أبحث عن عبد الكريم ومقالاته فيها فلم أعثر إلا على سخافات وترهات وتلفيقات تمدح الحاكم وتشيد ب”منجزاته العظيمة” وانزعجت كثيرا من الانقلاب الذي حصل في صحيفة “الشورى” التي أعرفها بجرأتها وشجاعة هيئة تحريرها وكتابها، لكن أحد الزملاء نبهني إلى أنها ليست الشورى بل اسم آخر تحداني في العثور على المضاف الذي جعلها غير الشورى المعروفة، لكن الاغتصاب الأكبر جاء عندما انقلب حارس مقر حزب “اتحاد القوى الشعبية” لينصب نفسه أمينا عاما للحزب ويعلن التحالف مع رأس النظام وتصبح الشورى جزء من عملية الانقلاب هذه.
كل ذلك جرى في فترة رئاسة عبد الكريم الخيواني لصحيفة الشورى، والتي من خلالها فجر الرجل بعضا من أكثر الملفات خطورة وحساسية في اليمن وأهمها ملف التوريث، الذي كان الجميع يرى بذوره لكن لم يجرؤ على تناوله سوى عبد الكريم، لست بحاجة الى التذكير بمحاكمة الشورى ومحاكمة رئيس تحريرها بعد اعتقاله بدون أمر قضائي والإصرار على مط فترة المحاكمة لتقترب من فترة الحكم الباطل الذي صدر ضده ليتطوع بعدها الحاكم (الهمام) بالإفراج عنه بعد أن استنفد تقريبا ثلاثة أرباع الفترة في حكم جائر لم يستسيقه حتى القاضي الذي أصدره.
كانت فترة اعتقال عبد الكريم – قبل صدور الحكم طبعا- هي الفترة التي مثلت ذروة البطش والاستبداد، دون أن يعني ذلك أن الحاكم كان قبل ذلك ديمقراطيا، وقد تميز عبد الكريم برباطة جأش استثنائية، وكان يحضر الى المحكمة مبتسما ودودا بشوشا واثقا بنفسه ومعتدا بموقفه، وقد حاولت أن أحضر بعض جلسات المحاكمة التي كانت عبارة عن مقاطع مملة من مسرحيات باهتة عديمة الجاذبية غالبا ما كانت تعطل لأتفه الأسباب وكان الزملاء يعلقون بأن القاضي لم يتلق أمرا بنوع الحكم الذي يجب أن يصدره.
ذات مرة وفي ذروة المعاناة التي تعرض لها الزميل الخيواني زرته بمعية الزميل محمد المقالح الى السجن المركزي، طبعا قبل صدور الحكم، وفي الطريق كنت أقول لمحمد المقالح “يجب أن نتصرف على نحو يرفع من معنوية عبد الكريم ويجعله يشعر بأنه ليس وحيدا” ولا أخفي أنني كنت قلقا من أن نجده مهزوزا أو منهارا بفعل الاعتقال التعسفي ومعاناة السجن، لكننا تفاجأنا بالرجل يتمتع بكامل ثقته بنفسه وكان يتحدث بسخرية لاذعة عن طريقة اعتقاله والتعامل مع أسرته ويسخر بتصرفات الحكام وبلاهتهم وغرورهم غير المبرر وتعاليهم الأجوف وتباهيهم بالغباء والسطوة، وفي طريق عودتنا من السجن كنت أقول للزميل المقالح ” الحقيقة انه ليس عبد الكريم من يحتاج إلى رفع المعنوية بل إنني اقترح إرسال بعض القيادات الحزبية إليه ليرفع من معنوياتها”.
كان الخيواني نصيرا واضحا لقضايا الحق والحرية ومناهضا للظلم والاستبداد والفساد، وقد كان أحد أبرز أنصار القضية الجنوبية ومن الرافضين الواضحين لنتائج حرب ٩٤م ونتائجها التدميرية ووقف متضامنا مع حركة الاحتجاج السلمية الجنوبية منذ اندلاعها في العام ٢٠٠٧م.
كل ذلك كان قبل أن يصبح عبد الكريم والمقالح عضوان في الهيئات القيادية للحركة الحوثية هذه العضوية التي دفع ثمنها الزميلان كثيرا من رصيدهما وسمعتهما وتضامن الناس معهما، ولا أرغب في تناول تلك الفترة التي جلبت عليه الكثير من غضب رفاقهما وزملاء معاناتهما وخصمت من قيمة تضامن المنظمات المحلية والخارجة معهما، لكن هذا لا ينبغي أن ينسينا فضائل عبد الكريم الخيواني أو يمنعنا من الابتهال إلى الباري جل وعلا أن يتغمد روحه بالرحمه وأن يغفر له ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه ورفاقه وأصدقائه وكل من يعزه الصبر والسلوان.
أما القاتل ومن يقف وراءه فيكفي ما سيلاقون من اللعنات ويكفيهم استماعا وقراءة لازدراء الناس لهم وهم يتخفون وراء قناع الخوف من الحقيقة، ولإن كانوا قد أشبعوا غلهم بهذه الجريمة فلقد منحوا الشهيد وساما فخريا سيخلده في ذاكرة الملايين من أنصار الكلمة الحرة والصوت الشجاع وألم التعامل مع الحقيقة، التي يريد الطغاة تغييبها والعيش بمأمن من انكشافاتها.