fbpx
ابن خلدون الحضرمي –عبقري التربيه وفلسفه المعرفه

ابن خلدون الحضرمي –عبقري التربيه وفلسفه المعرفه

عبدالله احمد السياري

اتفق الباحثون على ان ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع وان كان سماه “العمران” غير ان الذي لا يعرفه الكثيرون هو ان له باع طويل في التنظير والفكر في علم الاقتصاد ( وقد كتبت في هذا شئ قليل منذ ايام) وايضا في علم وفلسفه التعليم والتربيه الذي هو موضوع هذا المقال

ولكن قبل ان ادخل في ذلك دعوني اخبركم ان ابن خلدون نفسه كان مدركاً تمام الادراك انه اسس علما جديدا وهذا- لعمري- قمه العبقريه في فهم الاشياء وقال شئ جميل واضح عن تاسيسه لهذا العلم في اخر فقرات كتبها في كتابه المبهر ” المقدمه” حيث قال:

و كأن هذا علم مستقل بنفسه . فإنه ذو موضوع، و هو العمران البشري و الإجتماع الإنساني، و ذو مسائل ، و هي بيان ما يلحقه من العوارض و الأحوال لذاته واحدة بعد اخرى . و هذا شأن كل علم من العلوم وضعياً كان أو عقلياً .”

“…. وقد استوفينا من مسائله ما حسبناه كفاء له . و لعل من يأتي بعدنا ، ممن يؤيده الله بفكر صحيح و علم مبين ، يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا ، فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله ، و إنما عليه تعيين موضع العلم و تنويع فصوله ، و ما يتكلم فيه ‘ و المتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئاً فشيئاً إلى أن يكمل ( و الله يعلم و أنتم لا تعلمون )”

لابن خلدون اراء وتوصيات في التربيه يدرك من خلالها قارؤها عبقريه هذا العالم التونسي –سليل العائله الحضرميه- في فهم وشرح المؤثرات على الفهم ومناهج التربيه السليمه منها والباطله

ومن هذه الافكار ما لم يتم تطبيقه في مسالك التعليم الحديثه والمتطوره الا في العقود الاخيره وهنا لابد لي ان اذكركم ان عالمنا عاش وكتب منذ ثمانيه قرون

دعونا ناخذ بعض الامثله للتدليل

1. في التفرقه بين العقل المعرفي والعقل التجريبي

يربط ابن خلدون الاول باعمال المنطق في الوصول الى استنتاج او حل معضله والثاني بالتعليم من التجربه الحياتيه وقد اشرت انا في باحث سابق- نشرته في مجله اكاديميه- انني اجزم انا ما ذكره ابن خلدون عن العقل التجريبي مطابق لنظريه ” لذكاء العاطفي” التي دخلت الى مفاهيمنا في النصف الثاني من القرن الماضي وبذا يكون ابن خلدون اول من قال في هذه النظريه الاجتماعيه التربويه

وممابين ابن خلدون حول هذا الموضوع الشيق انه من خلال العقل التجريبي يتعلم المرء كيف يتصرف وماذا عليه ان يفعل وماذا عليه الا يفعل والناس يختلفون في طول الوقت الذي يحتاجونه لصقل عقلهم التجريبي ويقرر اب خلدون بان الذين لا يصقلون عقلهم التجريبي او يتجاهلونه يخرب مصيرهم في حياتهم وبين اقرانهم ومجتمعهم.

وحول العقل الادراكياو المعرفي يرى ابن خلدون ان اساس فهم الشى يرتكز اولا وقبل كل شي على فهم اسبابه وحالاته ولا ينبغي ان يوضع الحدث اللاحق قبل الحدث السابق لفهم وادراك الشي ويضيف ان ما قد يترائ لك انه حدث محوري واساسي هو في واقع الامر حدث ثانوي لحدث اخر لم يتم كشفه بعد وعليه فمن المفيد في المسلك المعرفي ان ياخذ الشخص في الاعتبار اولا الحث النهائي او الاخير ومن ثم الذي سبقه وهكذا يفكر الى الوراء لاكتشاف السلسله السببيه

ويقول ابن خلدون ان الأدلة تؤدي إلى مزيد من الأدلة، وبالتالي ينتقل المرء من القرائن إلى أدلة حقيقية. هذه القفزة، -من أدلة الى الحقائق- تعزز الحكمة وترسخ

المعرفه

ومما قال ايضا ان المعرفه الانسانيه تبداء بسبر الحقائق الموجوده امامك ومن ثم اثباتها او رفضها من خلال ملاحظات ذات صله وسطيه او من غير صله واضحه وعندما تتكون لديك فكره او صوره وتدركها فينبغي عليك بعدها ان تنشرها الى اخرين عبر وسيله التعليم او المناقشه وذلك-حسب فيلسوفنا- هو المسلك الامثل لتطوير المفهوم وتصحيحه

2. في امثل منهج لتدريس علم او صناعه وفي هذا المجال لابن خلدون رؤئ في قمه العبقريه ومنها ما يلي:

a. منهج المراحل الثلاث في التعليم

شدد ابن خلدون على ان يكون التعليم في مراحل وبجرعات صغيره تبداء بتعليم مبادئ العلم بالتعميم قبل التفصيل والقصد من هذه المرحله التعليميه هو بناء ااسس والقواعد للعلم مع الاخذ في الاعتبار القدره الاستعابيه للطالب والمرحله الثانيه يكون فيها طرح اكثر عمقا مع استعراض وتحليل الامور الخلافيه في هذا العلم

3. وفي المرحله الثالثه يتم تكرار كل هذه الجوانب ولكن مع شرح اكثر تفصيلل داخل العلم والجوانب فيه التي يغلفها سوء فهم،مع شرح الحقائق الخفية والغامضة والمثيره للجدل وعلى المعلم -حسب ابن خلدون -ان لايطيل الفجوات الزمنيه بين هذه المراحل لان ذلك مدعاه للسهو وعدم الترابط المعرفي اذ ان حفظ المعلومه يتبع التكرار

وينتقد ابن خلدون الاساتذه الذين يبداوؤن تدريس المسائل بالخوض في ماصعب منها ظنا منهم ان في ذلك فائده ترجى في تدريب العقل وفي ذلك هم مخطئون فما يعود من ذلك غير جعل الطالب الذي لن يفهم المسأله كسولاً وغير قابل لاستلام المعلومه

ولا ينبغي فرض على الطالب ما يفوق قدرته على الاستيعاب-هكذا يؤكد ابن خلدون- لان رغبه وشوق الطالب في فهم مسأله ما تكبر وتتطور مع زياده فهمه لها وبذلك يزداد الجوع للتعلم وخلاف ذلك يجعل الطالب مشتت الفكر ويلي ذلك ملل وياس من التحصيل في العلم وفي اخر المقام الى ترك الدراسه

a. منهج فهم اساس المسائل لادراك ما يتفرع عنها

ويقول في هذا شئ عجيب وهو ان فهم اي علم او صناعه والتفوق فيه وحسن استخدامها لا يمكن ان يحصل إلا من خلال فهم جذورها ومبادئها واستيعاب جوانبها المختلفة و استقراء فروعها من فهم جذورها ومبادئها ، وإلا لما تمكن المرء من امتلاك ناصيه فهمها والحكمه فيه وينتهي ابن خلدون الى القول بان العلم بالشي لا يساوي ويوازي الكفاءه والحكمه والتمكن المعرفي به

b. منهج فائده السفر للدراسه على يد علماء مختلفين عارفين بالمساله او العلم او الصناعه التي انت بصدد دراستها ويقول ابن خلدون ان من شان ذلك ان يعلم الطلب الفروق بين ماده العلم في ذاتها والمصطلحات التي تستعمل فيه.

 

2. في ان القسوه على الطفل في التعليم مضر له وقال في ذلك:

“و ذلك أن إرهاق الحد في التعليم مضر بالمتعلم ، سيما في اصاغر الولد ، لأنه من سور الملكة . و من كان مرباه بالعسف و القهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم ، سطا به القهر و ضيّق على النفس في انبساطها ، و ذهب بنشاطها و دعاه إلى الكسل و حمل على الكذب و الخبث ، و هو التظاهر بغير ما في ضميره ، خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، و علمه المكر و الخديعة لذلك

وانتهي بقول خلدوني عظيم والذي ينص بوضوح على أن القدرات الفكرية والذكاء مماثلة ومتساويه في المجموعات العرقية المختلفة والقصور في أداء الطلاب يجب ان يوضع على كاهل المعلمين وعلى طرق التدريس التي يتبعونها وليس على أي اختلافات في ذكاء الاطفال وخص بالذكر ان الاساتذه الجيدين يستعملون اسلوب المناقشه والجدل مع طلابهم بيما الاساتذه السيئون يحثون ويرغمون طلابهم على استعمال الحفظ عوضا غن الفهم