fbpx
الجنوب ووجع الحقيقة

الجنوب ووجع الحقيقة

محمد الزعوري

تعددت المسميات وتباعدت الصفات والألقاب ، وتناثرت المواقف كما تتناثر حبات العقد المنفرط ( الفُرقة ).. في هذا الليل الطويل الحالك يتسربل اليأس كظلمات بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج .. تصطرع الأمنيات في قلوب الرجال وتشكوا الآمال مصيرها المجهول .. عمر يتبدد ويسدل ستار فصوله دون سابق إنذار .. وتلوح في الأفق المعتمة نذائر شؤم تخنق الأنفاس كأنك في قعر جب ليس له قرار .

لا وقت لدي حتى أبعثر صفحات التيه المؤدلج ( اليمننة ).. وانبش من بين رفاتها العتيقة سطور الوهم ومتاهات الوقيعة .. لان ذلك سيفتح أبوابا على مصارعها نحو منطلق سفر الخراب ومتاهة الضياع التي بدأت ولم تنتهي بعد ( الوحدة ).. لذلك سأشفق على نفسي وعلى القارئ الكريم من هذه المغامرة المؤلمة والمحسوبة النتائج ، وسأكتفي برصد اللحظات الفارقة من حاضر لا يبدو انه قد ارتقى بحمل يؤسس لمستقبل تنشده الجموع الثائرة في جنوبنا الحبيب ( القضية ) .. حاضر تمرد عن ممكنات اللحظة الراهنة المعاشة تبدو ملامحه مشبعة بالسفه وبلادة التقوقع .. والتعلق بكلاليب  الماضي القهر والدمار ( تمترس ) حاضر عجز أصحابه عن مسايرة الأحداث المتسارعة فذهبوا يتخبطون في كل اتجاه كمن يتخبطه المس وتتخطفه المصائب .. ( انقسام ) .

   لقد وقفت طويلا حتى أعياني الوقوف .. فلم أجد إلا الوجع ( الخيانة ) قد استوطن منابع الحلم العتيق .. فتشت في دهاليزه المظلمة حثيثا .. وعصرت هلام حقيقته المنتفخ عله يجود بقطرات تمد أوصال جسدي المترنح ببقايا أمل يمنحني  فرصة للنجاة من وجع عشرون عاما عجاف ( الاحتلال )،  فلم أجد سوى الوهم قد تمدد فضاء متناهي الأبعاد من الرتابة والقنوط .. وهم تدفعنا قوى مجهولة في كونه السحيق ( .. ) نعم وحده الوهم يتسيد تيه الحاضر .. ولا سواه يمثل الحقيقة الذي نفر منه إليه كمفردة وحيدة نلنا منها حظا وافرا من الضياع منذ زمن الرفاق والشقاق والنفاق ، ولم نزل نلوك ثماره المرة غربة وشتاتا .. وجع ينتفخ ثم ينتفخ ويتورم كالسرطان الخبيث .. وجع يمتزج بواقع مضرج بصدق الحالة المحبطة واليأس القاتل شعاره ( أنا ).. واقع يتكئ على فكر متسلط ومصلحة الأنا القاصرة وها نحن نلملم عبثا ما تبقى قبل الوقوع في متاهة الدوران في الفراغ .. هي حالة ميئوسة .. كالفكرة الضالة عن صدق الممكنات تتنافي  مع حكم الواقع وتتمرد عليه ( لست وحدي ).. ولنا في التاريخ عبر ودروس كلها تنضح بالوجع ( لن نتفق ).. ولان ذلك صار رديفا للحال الذي نحن فيه .. نتضرع لله وحده جلت قدرته .. إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .. ونعوذ بك من شرور أنفسنا .. ومن شر المآل الذي سيق  وينساق إليه البعض منا .. ربنا أنت أعلم بنا وبسرائرنا .. فكِلْ علينا من يخافك ويرحمنا .. ويتقيك فينا … ولا تهلكنا بحصاد القهر وسنين الضياع … آمين