fbpx
ماذا لو قبل الرئيس ودول التحالف؟

عيدروس نصر ناصر

خلال الأسابيع الماضية تسربت أخبار عن محاولة إثيوبية لطلب موافقة قوات التحالف العربية والسلطة الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي على استضافة إثيوبيا للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وحاشيته مقابل توقفهم عن ممارسة أي نشاط سياسي، كمدخل لوضع حد للحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من عامين، وقد تزامن تسريب هذه الأخبار مع زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للرياض ومقابلته للملك سلمان وبعض أركان حكمه.
ما يرجح احتمالية صدق هذه الأخبار هو قوة الصداقة التي جمعت علي صالح بزعماء إثيوبيا منذ تأسيس تجمع صنعاء كما لم تتأثر هذه العلاقات بالمتغيرات العاصفة التي شهدتها المنطقة واليمن منها على وجه الخصوص فإثيوبيا تتعمد النأي بنفسها عن قضايا الصراع في أي دولة أو بين مجموعة دول ما لم يمس هذا مصالحها بشكل مباشر.
لنفترض أن هذه الأخبار صحيحة، في هذه الحالة يرى بعض المحللين أن القبول بها له فوائد تكتيكية وربما استراتيجية تعود على السلطة الشرعية ودول التحالف، ويرى آخرون عكس ذلك أن هذا الطلب لو جرت تلبيته فإن أضرار هذه التلبية ستكون أكثر من فوائدها.
أما الذين يستحسنون الاستجابة لهذا الطلب الإثيوبي (العفاشي أصلا) فيرون أن منح المتمرد عفاش فرصة للنجاة سيؤدي إلى تفكيك هذا التحالف الحوثي – العفاشي وبالتالي سيبقى أمام الحوثيين أحد خيارين: إما القبول بحل نهائي للأزمة وأسبابها ولكن هذه المرة من موقع أضعف وإما مواصلة المواجهة بإمكانيات أقل مما هي عليه اليوم وبالتالي فإن هزيمة المشروع الحوثي تكون مضمونة بالحرب أو بالسلم، كما سيساهم خروج علي عبد الله صالح وأقربائه من الحياة السياسية اليمنية في تفكيك معسكره ودفع الكثير من أنصاره إما إلى الالتحاق بصفوف الشرعية وإما إلى اعتزال الحياة السياسية والهجرة داخل أو خارج اليمن.
ومن عيوب الموافقة على هذا الطب أنها ستؤدي إلى شطب كل ملف الجرائم الجنائية والمالية والسياسية لعلي عبد الله صالح وعصابته بيد إن حقوقيين يقولون أن قبول الحكومة ودول التحالف لهذا الطلب الإثيوبي (العفاشي) لا يلغي حق المتضررين المدنيين ومنظمات حقوق الانسان في ملاحقة عفاش والجناة من أنصاره أينما كانوا.
أما المعترضون على هذا الطلب فلهم العديد من الحجج: منها إن جرائم عفاش وأنصاره لا تسقط بالتقادم، ولذلك فإن إعفاءه منها سيفتح البوابة له ولورثائه بمواصلة المزيد من الجرائم المباشرة أو غير المباشرة ويستدل هؤلاء بما فعله عفاش بعد إقرار المبادرة الخليجية حيث استغل بند الحصانة ليواصل عبثه وتخريبه بكل شيء وليصل بالبلاد الى هذا المستوى من الاحتراب والخراب والدمار النفسي والمادي والبشري والتفكك الوطني والاجتماعي.
كما يرى الرافضون لهذه المبادرة أن القبول بها لا يمثل نوعا من التسامح لأن التسامح يكون بين أطراف متكافئة (أو متقاربة) في مستوى التجني والتضرر بينما في الحرب اليمنية كل الشعب اليمني متضرر من جرائم نظام عفاش وليس لدى عفاش ما تضرر به طوال فترة حكمه وتسلطه على البلد.
السؤال هو: هل سيؤدي مخرج كهذا إن صح إلى وضع نهاية لمأساة ملايين اليمنيين في الشمال والجنوب الذين تجاوز أكثر من نصفهم خط الفقر ودخلوا مرحلة سوء التغذية الوخيم؟
يشكك الكثيرون في ذلك لكن الأكثر تفاؤلا من المراقبين يراهنون على تفكيك تحالف الحوافش وإضعاف من سيتبقى في المواجهة لدفعه لاحقا للاستسلام بشروط السياسة أو المواجهة بإمكانيات أقل وأضعف بشريا وماديا ولوجستيا.
وتبقى مشكلة قدرة تحالف معسكر الشرعية على استيعاب التحديات الراهنة والقادمة والتخلص من فكرة القوي والأقل قوة والتابع والمتبوع والأصل والفرع، والإقرار النهائي بأن حسم الصراع مع عفاش وأنصاره لا يعني نهاية النزاع في اليمن، خصوصا وأن القضية الجنوبية ما تزال معلقة وأن الكثير من أنصار الشرعية يبحثون لها عن حلول من خلال إعادة تكرار مفردات القاموس العفاشي عن “الشعب الواحد” و”الفرع والأصل” و”الوحدة المعمدة بالدم” وما يزالون يراهنون على ثنائيات الغالب والمغلوب والناهب والمنهوب والمنتصر والمهزوم، وفي العموم التخلص من ثقافة عفاش التي زرعها في سلوك الكثيرين ممن نقلوها معهم ليواصلوا ممارستها بصورة لا تختلف إن لم تكن أكثر فجاجة من ممارستهم لها في زمن عفاش!!!
“إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ”.