fbpx
تقرير مصير شمال اليمن / عبد الله علي صبري
شارك الخبر

لم يعد هناك جدال بشأن النتائج المدمرة لحرب صيف 1994، و كيف أنها قضت على وحدة 22 مايو السلمية، ما يستوجب وطنياً معالجة هذه الآثار كمدخل طبيعي للبحث عن حلول مرضية و عادلة للقضية الجنوبية.

بيد أني و بعد أن تابعت الزخم المليوني لأبناء الجنوب في ذكرى التصالح و التسامح، أرى أن الحرب و نتائجها ليست إلا جانباً من أبعاد تشكل القضية الجنوبية، ذلك أن الخلل كان أسبق من الحرب، بل وكان ضمن الأسباب التي أوصلت إلى المواجهات العسكرية الدامية.

دخل أبناء الجنوب الوحدة باندفاع كبير، وفي سبيل الهدف الوطني التي تغنت به أدبيات و برامج الساسة قبل طروحات المثقفين و المفكرين، تنازل الجنوبيون عن الكثير من جوانب هوية دولة ما قبل الوحدة، فكانت صنعاء الشمالية عاصمة للدولة الجديدة، و كان ريال الشمال عملة لها، و كذلك العلم، ثم فوق ذلك كان الرئيس الشمالي رئيساً للجمهورية اليمنية.

الديمقراطية التي كانت ضماناً لهذه الوحدة، اعتورها أيضاً خلل كبير يتعلق بمعيار الوصول إلى الأغلبية، حيث أخذ الدستور و القانون بالمعيار السكاني و إهمال بقية المعايير كالأرض و الثروة، و الدولة، فكانت النتيجة أغلبية شمالية في مجلس النواب 1993.

قبل ذلك، في الشمال فقط ظهرت أصوات معارضة للوحدة (أو لدستورها) ، و كأن الوحدة كانت مشروعاً جنوبياً فحسب!

وسط الزخم الشعبي و العاطفة الجياشة إزاء الوحدة لم تكن بقية القضايا سوى تفاصيل عابرة، على أساس أن دولة الوحدة كفيلة بمعالجة أية اختلالات في المشهد الوحدوي. و كانت النخبة اليمنية ترى أن الخبرة الجنوبية مهيأة بشكل أفضل لتحمل مسئولية بناء الدولة الجديدة، فكانت الخيبة أن الطابع الشمالي غلب على إدارة دولة الوحدة.

هكذا أفضى مشوار الوحدة إلى أزمة سياسية في ظل توازن عسكري بين شركاء الوحدة، وجاءت وثيقة العهد و الاتفاق كفرصة تاريخية لتثبيت الوحدة، و بناء الدولة الحديثة، إلا أن الحرب كانت للوحدة و دولتها بالمرصاد.

من هذه النقطة، أقول لدعاة الحفاظ على الوحدة من أبناء الشمال، هل أنتم مستعدون للتنازل من أجل استمرار الوحدة كما تنازل الجنوبيون من أجل إعلانها قبل 23 عاماً. و لنبدأ من مكامن الغبن، بحيث ما كان امتيازاً للشمال يعود إلى الجنوب، العاصمة، و العملة، و الرئيس..عدن العاصمة الجديدة، و الدينار عملة لليمن، و الرئيس من الجنوب لعشرين سنة قادمة على الأقل.

قد يكون في ذلك ابتسار للقضية الجنوبية، لكن ليكن التوافق عليها مدخلاً لتفاوض شمالي جنوبي، و في إطار الحوار الوطني المرتقب، و ليكن التوافق على اتحاد فيدرالي و فترة انتقالية لمدة خمس سنوات يمنح الجنوب بعدها حق تقرير المصير.

سيرد البعض، أن النتيجة ستكون الانفصال و فك الارتباط لا محالة، وما التجربة السودانية عنا ببعيد.

و أقول: لماذا ننسى أن استبداد البشير و تطرف ساسة شمال السودان كان السبب الرئيسي في انفصال الجنوب، و أن علينا كيمنيين أن نتعلم من دروس التاريخ.. لنمنح أبناء الجنوب فرصة أكبر في إدارة الشأن اليمني، و لنصغي إلى مظالمهم بشأن احتكار الشمال للثروة و السلطة، و لتتنازل مراكز القوى في الشمال عن أطماعها التسلطية في اليمن ككل، و ليتوافق الجميع على بناء دولة الوحدة، دولة الحرية و العدالة و المساواة و سيادة القانون.

إذا تواصلنا إلى توافق وطني كهذا، ربما نتحدث بعد خمس سنوات عن حق الشمال في تقرير المصير، و ليس العكس.

أخبار ذات صله