fbpx
الاشتراكي والجنوب: جدلية الخطيئة والتكفير سعيد الجريري
شارك الخبر
الدكتور الجريري

 

( 1)

    يبدو أن الاشتراكي اليمني لم يعِ الدرس الجنوبي جيداً، كالإصلاح والمؤتمر وغيرهما من أحزاب صنعاء أيضاً، ويبدو أنه مازال أيضاً، يظن أن لا “صوت يعلو فوق صوته” في الجنوب، ولعل ذلك من بقايا آثار المركزية التنظيمية(!!) وثقافتها.

    يقول الأمين العام الاشتراكي اليمني أن لدى حزبه: رؤية لمعالجة القضية الجنوبية سيقدّمها إلى مؤتمر حوار صنعاء، ترتكز على قيام دولة اتحادية (تضمن بقاء البلد موحداً).

      ما يعني أن الاشتراكي برؤيته المرتكزة على قيام دولة (يمنية) اتحادية، لا يرى إرادة شعب الجنوب، التي عبرت عنها الحشود في الساحات، حيث لا إرادة لأي صيغة من الصيغ الاتحادية مع صنعاء. فكأنه مازال يصدر عن أيديولوجيته العتيدة من حيث هو “عقل وضمير وشرف الشعب”، وإنْ لا، فلمن، ولمصلحة من يقدم الاشتراكي اليمني رؤيته تلك، الآن ؟.

     يضيف أمين الاشتراكي اليمني:”علينا جميعاً أن نوجد الصيغة المناسبة التي من شأنها أن تخلق دولة ديمقراطية مدنية حديثة في إطار الدولة الاتحادية يعيش في ظلها اليمنيون ويديرون شؤونهم بالشكل الذي يمكّنهم من أن يكونوا عنصراً فاعلاً في إدارة هذه الدولة”.

    إضافة الأمين العام هذه واحدة من طوباويات الاشتراكي في مرحلته الصنعانية الآن، التي يحلم فيها بـ(دولة ديمقراطية مدنية حديثة)، في صنعاء، كأنه لا يدرك أنها من عشم إبليس في الجنة، فصنعاء مدججة بالقبيلة حد الاختناق، ولم تبلغ الثورة الشبابية فيها أدنى مستويات ثورات الربيع العربي. لكن الفظيع في إضافة الأمين الاشتراكي هذه، أنه يتجاهل الجنوب تماماً، فهو معنيّ بتأسيس دولة ديمقراطية مدنية حديثة، وهو يعلم أن مفرداتها الأربع ( دولة – ديمقراطية – مدنية – حديثة ) ليست في وارد تصور مراكز القوى التقليدية المهيمنة في صنعاء، فالدولة في أحسن أحوالها جابية للضرائب، معززة لشؤون القبائل، وهي واجهة حكومية هشة بخلفية قبلية نافذة، كما أن الديمقراطية في مجتمع قبلي أمي أو شبه أمي في الغالب، ضرب من الشطح الاشتراكي، فضلاً عن أن المدنية تصبح مزحة بايخة، وتكون أكثر بياخة وفانتازية عندما توصف بالحداثة،!!. ويدرك الأمين العام قبل غيره أنه لا يستطيع الآن ضبط قاعة الحوار (الوطني!!) ولفيفه غير المتجانس، تماماً كما كان في مطلع التسعينيات يحاول- حيث لا استطاعة- أن يدير قاعة مجلس النواب اليمني الشبيه بمدرسة المشاغبين، الذي كان يرأسه، عندما أطلقت فرق الاغتيالات قذيفة إلى غرفة نومه، كما أن محاولة اغتياله الأخيرة في صنعاء ليست ببعيدة زمنياً. فهل نسي الأمين العام أم هل يتناسى؟.

(2)

     ويشير الأمين الاشتراكي إلى الحراك الجنوبي، بقوله:”الحراك الجنوبي حامل لمشروع سياسي وطني، وهو موجود على الأرض بشكل كبير، وصوته فيما يخص القضية الجنوبية يجب أن يكون مسموعاً من الجميع، كما أن هذا المشروع السياسي الذي يحمله الحراك الجنوبي ليس مشروعاً انعزالياً، وإنما هو مشروع وطني قابل للتحاور مع الآخرين”.

    إشارته هنا تقر للحراك الجنوبي بشيء ثم لا تلبث أن تنفيه ضمناً، بعبارة ملبسة، مضللة، مراوغة، تنم عن مخاتلة ما فتئ الاشتراكي اليمني يمارسها. فكيف يكون الحراك الجنوبي حامل مشروع سياسي وطني، وموجوداً على الأرض بشكل كبير، ثم لا يكون مشروعه السياسي– بحسب إشارة الأمين الاشتراكي – غير استقلالي، أو قابلاً للتحاور مع الآخرين، فيما الآفاق والأقاصي تعلم أن مشروع الحراك الجنوبي المعلن في مليونياته المتعاقبة هو التحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية الكاملة السيادة، ( وليس نظام الحزب الاشتراكي سابقاً، ولا مشروع دولته اليمنية الاتحادية الذي يحاول التبشير به حالياً)؟!.

  عن أي حراك جنوبي، يا ترى، يتحدث الأمين الاشتراكي؟. ما نعلمه أن في الجنوب حراك ثائر سلمياً اتحدت جماهير مليونياته على دولة جنوبية مستقلة كاملة السيادة، وليس في برامجه أو حتى شعاراته أي صياغة اتحادية ( تضمن بقاء الوحدة التي قوضتها صنعاء بالحرب منذ 1994)!.

(3)

   لم تعد في الجنوب أحزاب سياسية فاعلة، أما فروع الاشتراكي والمؤتمر والإصلاح في محافظات الجنوب فليست أكثر من مكاتب (وكالات) لاشتراكي ومؤتمر وإصلاح صنعاء، على أن هناك اشتراكيين ومؤتمريين وإصلاحيين جنوبيين لم يعودوا على وفاق مع صيغة وعمل الوكالة، وهم جزء من قوى الحراك الجنوبي مقطوعي الصلة التنظيمية بمراكزهم الحزبية وصفاتها، موصولين بانتمائهم الجنوبي المنقطع الصلة التنظيمية بصنعاء. لكن ما هو موقف مكاتب الاشتراكي والإصلاح والمؤتمر وغيرها من أحزاب حكومة صنعاء، من المشاريع والرؤى التي تخذل بها تلك الأحزاب شعب الجنوب وثورته السلمية التحررية، مستغلة صمت منتسبي المكاتب الحزبية في الجنوب، الذي يدل على شكل من أشكال التواطؤ أو الرضا، بأن تسرق ثورة شعب الجنوب، فيبيع ويشتري فيها المساومون بها حزبياً وقبلياً في صنعاء وغيرها؟.

(4)

   للتاريخ وللأمانة مع شعب الجنوب، تقع على الاشتراكي اليمني دون غيره تبعة تاريخية لا تميزه عن غيره إلا بارتفاعها إلى مستوى الخطيئة التي تقتضي أن يكفر عنها، لا بتبني رؤى تناقض أو تصادم إرادة شعب الجنوب وثورته، وإنما بأن ينسجم معها ( وعاد الزايد معه )، كما أن على الشريكين اليمنيين في الحرب على الجنوب بغطاء الحرب على الاشتراكي: المؤتمر والإصلاح أن يعتذرا عن أبشع حرب قذرة معاصرة في المنطقة، وأن يكفرا عن خطيئة 1994م، وما تلاها بعيداً عن الاستعباط السياسي، أو الاستقواء بالخارج الذي أباحا له السموات والأرض والبحار الجنوبية، فهو راضٍ عنهما وعن سياستهما العرجاء وخطاياهما المستمرة. وليس التكفير عن تلك الخطيئة شيئاً آخر غير الاعتراف لشعب الجنوب بحقه في أن يستعيد حريته وكرامته وسيادته غير المنقوصة التي سيستعيدها ذات يوم شاءا أم أبيا. أما الاشتراكي فلعل ما يجدر بالمجردين من أوزار أمسه ويومه ، الثائرين على نظام صنعاء هناك ، ألا يكونوا ثوريين في صنعاء وتعز والحديدة، ديكتاتوريين في الجنوب ومستبدين على شعبه، بتقديم “رؤية لمعالجة القضية الجنوبية إلى مؤتمر الحوار، ترتكز على قيام دولة اتحادية (تضمن بقاء الوحدة)..” على حد تصريح أمينهم العام!.

   فهل يتصالح الاشتراكي اليمني بأثر رجعي، مع الجنوب والتاريخ والمستقبل؟.  لعل المعنيين بالإجابة هم أولئك الذين لم تلوثهم المراحل. أما سواهم من المثقلين بالمركزية الديمقراطية(!!) وثقافتها العتيدة، فديدنهم أن يروا شعبنا حقل تجارب للرؤى الخائبة، فيما هناك على مسافة قصيرة جداً منهم رؤى منسجمة مع  نهج اليسار، إن كانوا فعلاً يساريين.!.         

أخبار ذات صله