fbpx
مصر وإيران: علاقات معقدة محكومة بتقاطع الأجندات الإقليمية والدولية
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

شهد مسار العلاقات الثنائية بين مصر وإيران درجات متفاوتة بين التقارب والتباعد عبر المراحل التاريخية المختلفة تبعاً للتغيرات على مستوى القيادة في البلدين، والتي تحكمها الأيديولوجيا بالنظر إلى طبيعة النظامين وتحالفاتهما الدولية.

 

وبالإضافة إلى ذلك فإن رؤى الدولتين وسياساتهما تتقاطع وتتصادم في الكثير من القضايا الإقليمية الرئيسية مثل الأمن الإقليمي الخليجي والإستراتيجيات الأميركية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وكذلك النفوذ الإيراني في كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان وأسلوب التعامل مع القضية الفلسطينية وأخيرا ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي.

 

وحاولت الباحثة المصرية سالي شعراوي من خلال دراسة حديثة بعنوان “العلاقات المصرية الإيرانية بعد الاحتلال الأميركي للعراق” تتبع ذلك المسار المعقد المحكوم بتقاطع الأجندات الإقليمية والدولية عبر وضع الإصبع على نقاط الاختلاف والاتفاق بين الطرفين مما يُمكن من تحديد أفضل الآليات لتفعيل أبعاد التعاون في ما بينهما مستقبلا.

 

وترى شعراوي أنه في ضوء المعطيات الحالية لا يُمكن التكهن بشكل مطلق بمدى إمكانية حدوث التحول النوعي في العلاقات المصرية – الإيرانية مستقبلا، وذلك في ظل التغير الدائم في مؤشر التحالفات والظروف الدولية والإقليمية وما يطرأ من تطورات في أنماط ومسار العلاقات الدولية بصفة عامة.

 

الباحثة سالي شعراوي ترى أن هناك تعددا في الآراء ولا مجال للتأكيد على خيار محدد في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين

 

وعلى اعتبار أن الغزو الأميركي للعراق في 2003 وما تلاه من سيطرة إيرانية على جارها نقطة فاصلة بين تاريخين مختلفين للعلاقات المصرية – الإيرانية، يتضح أن إدراك البلدين لمحددات البيئة الإقليمية المتغيرة كان له تأثير كبير في رسم علاقة يشوبها توتر صامت رغم أن البلدين ليس لهما عداء تاريخي ولا حدود مشتركة تستدعي الحيطة والحذر.

 

ولم تخف القاهرة قلقها بخصوص انعكاسات البرنامج النووي الإيراني على توسع نفوذ طهران في الشرق الأوسط، فبعد أن فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات اقتصادية قاسية على إيران في أغسطس 2018 أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى أن ذلك البرنامج له تأثير سلبي على كافة مقدرات المنطقة.

 

وكان موقف الدبلوماسية المصرية صريحا في هذا الشأن، إذ اعتبرت وزارة الخارجية المصرية في مايو 2018 أن الانسحاب الأميركي من الاتفاقية النووية الإيرانية يأتي من باب الحرص الأميركي والدولي على معالجة كافة الجوانب الإقليمية والدولية المرتبطة بالاتفاق، وكذلك التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية.

 

في المقابل شددت في بيان آنذاك على ضرورة وفاء إيران بالتزاماتها الكاملة وفقا لمعاهدة عدم الانتشار النووي واتفاق الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يضمن استمرار وضعيتها كدولة طرف بالمعاهدة غير حائزة للسلاح النووي من أجل تعزيز فرص إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط لمعاضدة جهود الاستقرار والسلام بالمنطقة.

 

وتتسمك مصر بأهمية مشاركة كافة الأطراف العربية المعنية في أي حوار حول مستقبل الأوضاع في المنطقة، وبصفة خاصة المرتبطة باحتمالات تعديل الاتفاق النووي مع إيران على أمل ألا يترتب عن التطورات الحالية أية صراعات مسلحة بالمنطقة تهدد استقرارها وأمنها.

 

وتعتقد شعراوي أن العلاقات بين القاهرة وطهران ما زالت تواجه حزمة من العقبات التي يأتي على رأسها التخوف من الدور الإيراني في المنطقة خاصة في ضوء تصريح الرئيس حسن روحاني بشأن مسؤولية طهران عن باب المندب، مما يُهدد الأمن القومي المصري كون المضيق هو الممر الأهم لقناة السويس.

 

وسبق وأن أعلنت مصر عن تخطيطها للقيام بتدريبات عسكرية مشتركة مع الإمارات والبحرين، حيث جاء ذلك عقب قيام الخارجية الإيرانية بإعلان سيادة إيران على جزر أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى الإماراتية، والتي تعتبرها جامعة الدول العربية في وضع احتلال من قبل طهران.

 

وبالنظر إلى التصريحات المتبادلة بين الجانبين ترى شعراوي أنها يمكن أن تشكل أحيانا عاملاً لخلق سوء التفاهم النسبي بين الدولتين، وعلى سبيل المثال تصريح نُسب إلى النظام الإيراني عام 2017 فحواه أن القاهرة لم تلعب دورها بشكل جيد في تأمين استقرار المنطقة، الأمر الذي أثار حفيظة النظام المصري آنذاك.

 

وقد أعرب المتحدث باسم الخارجية المصرية آنذاك أحمد أبوزيد عن اعتقاده بأن تلك التصريحات تثير علامات استفهام، خاصة في ضوء مواقف مصر التاريخية تجاه المنطقة وسعيها لترسيخ عوامل الاستقرار فيها. وقال إن مصر “دائما وأبدا كانت تعتبر استقرار الشرق الأوسط أحد أهم أهداف سياستها الخارجية وأن الحفاظ على الأمن القومي العربي واستقرار وسلامة الدول العربية، لاسيما دول الخليج هو ركيزة أساسية من ركائز استقرار المنطقة”.

 

الباحثة سالي شعراوي خلصت في دراستها أنه لا يُمكن التكهن بشكل مطلق بإمكانية حدوث تحول نوعي في العلاقات بين البلدين

 

وترى الباحثة شعراوي أن ذلك لا ينفي مؤشرات التقارب وفقاً للعديد من المتابعين لمسار العلاقات المصرية – الإيرانية، مشيرة إلى استضافة مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة في الحادي عشر من فبراير 2019 احتفالا لم يقم منذ سنوات بمناسبة الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، وشارك فيه نائب وزير الخارجية المصري خالد ثروت.

 

وفي تلك المناسبة قال رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية ناصر كنعاني في كلمة خلال الحفل إن “اليوم الذي ستلتقي فيه مصر وإيران قريب”، وأعرب عن استعداد بلده لتطوير العلاقات حال وجود إرادة سياسية لدى القاهرة، ولكن القاهرة لم تعلق على ذلك الحديث الذي نشرته وسائل إعلام إيرانية.

 

ولكن بعد خمسة أيام من ذلك أدانت مصر هجوما انتحاريا استهدف حافلة لقوات الحرس الثوري الإيراني، ووصفت الحادث بـ”الإرهابي”، مما يشي بأن القاهرة تتبع سياسة مستمدة من السياقات الإقليمية للأحداث في علاقتها مع طهران.

 

ومع ذلك كرر روحاني مرارا الرسائل باتجاه القاهرة قائلا إن “إيران تريد بناء علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة من دون عداء”، معتبرا السير الخليجي نحو الولايات المتحدة وإسرائيل طريقا خاطئاً.

 

وفي ضوء ذلك لاحظت الشعراوي أن المؤشرات الدالة على حدوث التقارب بين الدولتين تتغير دوماً ما بين الصعود والهبوط، حيث حدث ذلك في فترات سابقة شهدت تذبذبا في المواقف، فمثلا أبدى السيسي في نوفمبر 2017 معارضته توجيه ضربات عسكرية لإيران أو حزب الله اللبناني منعا لزيادة الاضطرابات في المنطقة.

 

ولكن في أكتوبر من العام ذاته نفى الرئيس السيسي في حوار مع قناة “فرانس 24” وجود علاقة مع إيران، وقال إن “العلاقات الثنائية مقطوعة منذ قرابة أربعين عاما” قبل أن يستدرك قائلاً إن “مصر تسعى لتخفيف التوتر الموجود وضمان أمن الأشقاء العرب في الخليج”.

 

ورغم أن وزير البترول المصري طارق الملا زار طهران خلال نوفمبر 2016 في محاولة لإبرام اتفاقيات نفطية بعد تعليق السعودية اتفاقاتها النفطية مع القاهرة قبل شهر آنذاك، لكن في الشهر التالي نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري وجود تقارب بين القاهرة وطهران.

 

وهذا الموقف أشار إليه الكاتب المصري الراحل محمد حسنين هيكل في يوليو 2015 حينما قال إن “المعركة تدور حاليا في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران، لكن هناك محاولات هائلة لكي لا يحدث التقارب، ومن ثم لا يُمكن الجزم بوضوح بالنسبة إلى مسار العلاقات الثنائية بين مصر وإيران”.

 

وساق هيكل حينها بعض المؤشرات على أن الفتور في العلاقات تبدد نوعا ما، مستشهدا بمشاركة دبلوماسي مصري مهم في حفل الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، والتمثيل المصري المحدود في مؤتمر وارسو وبيانات الإدانة المصرية للهجمات في إيران، وحضور إيراني متميز في إحياء ذكرى ثورة يوليو 1952.

 

ولكنه رأى من ناحية أخرى أنه لا توجد مؤشرات حقيقية فعالة على التقارب بين البلدين، وثمة من يرى وجود مبالغات وتضخيم للمشهد من جانب إيران في سعيها للتقارب مع مصر.

 

محمد حسنين هيكل: المعركة تدور حاليا في مصر حول ما إذا كان ينبغي الانفتاح على إيران، لكن هناك محاولات هائلة لكي لا يحدث التقارب

 

وتؤكد شعراوي أن المؤشرات الإيجابية التي أشار إليها هيكل تعبر عن سعي مصر لدفع إيران إلى انتهاج سياسة معتدلة، لكن دون أن يكون ذلك على حساب العلاقة مع الخليج، ومن ثم يرى هذا التوجه أنه لا مجال لعودة العلاقات الإستراتيجية بينهما. وذلك الأمر لا يمنع مصر في الوقت ذاته عن لعب دور وساطة بين دول الخليج وإيران، شريطة أن تقبل بهذا الدور كل من السعودية وإيران.

 

وبالتالي ترى أن هناك تعددا في الآراء ولا مجال للتأكيد على خيار محدد في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، لكنها تعتقد أن التخوف المصري من الدور الإيراني لا يُلغي إمكانيات تطوير العلاقات في إطار السياحة والتبادل التجاري.

 

وعلى سبيل المثال قامت إيران باستيراد 25 ألف طن من البرتقال من مصر في إطار الاستعدادات لعيد النيروز مع العلم أن طهران ليس لديها نقص في ثمار الفاكهة عامة، ويُمكن أن تعتمد على تركيا في حالة احتياجها لاستيراد هذا النوع من السلع، ولكن هذه الخطوة تُفسر على أنها وسيلة من إيران لكسر الحاجز مع مصر في إطار التعاون التجاري.

 

ومع كل ذلك تعتقد شعراوي في دراستها أن الآفاق المستقبلية مفتوحة أمام البلدين خاصة وأنه لا يوجد ثبات في مصالح الدول لأن المشهد السياسي في تغير باستمرار، والوصول إلى أرضية مشتركة في ما بين مصر وإيران يُمكن تحقيقها إذا ما أدركت طهران تخوفات النظام المصري من عدة أمور.

 

وحتى يحصل تقارب محتمل لا بد أن تسعى إيران للوصول إلى تفاهمات وتغيير نسبي في نمط السياسة الخارجية الإيرانية ضمن عدة نقاط، أولا التخوف المصري من الدور الإيراني في الشرق الأوسط والتأثير على أمن الخليج، فالنظام المصري لا يريد الحرب ويؤمن بأن الحوار هو الحل لأزمات المنطقة، وأن هناك استحالة في قبول التهديدات لأمن الخليج.

 

أما النقطة الثانية فتتعلق بعدم نية مصر إضافة المزيد من التحديات التي تواجه المنطقة العربية من جهة إيران وحزب الله، وثالثا انطلاقا من عدم رغبة القاهرة في تصعيد الموقف بين إيران والسعودية مما يفاقم الصراعات في المنطقة.

 

أما العنصر الرابع، فيتمثل في موقف مصر من الملف النووي الإيراني، ورغبتها في التزام طهران بمعاهدة عدم الانتشار النووي، خاصة وأن المصريين يرون أهمية كبيرة للمشاركة العربية في الحوار المستقبلي الخاص بإمكانية تعديل الاتفاق النووي.

أخبار ذات صله