fbpx
الوحدة شراكة منقوضة.. لا صَلاة مفروضة

الوحدة عقد شراكة, تم بالتراضي بين طرفين, وليست ركنا إسلاميا (سادساً) أو صلاة (سادسة)..كما يزايد بعض (المتأسلمين) ممن وقفوا بشراسة ضدها عشية تحقيقها, ثم غضوا الطرف عمن غدر بها ولم نسمع منهم كلمة حق أمام الحاكم الظالم الناكث لعهود ومواثيق الوحدة, بل كان البعض منهم يبررون له أفعاله بفتاويهم سيئة الصيت.

 وإذا كان الله تعالى يقول في محكم كتابه العزيز:(لا إكراه في الدين).. فإننا نقول: لا إكراه بالوحدة.. ولا يمكن فرضها مجدداً بالقوة على من بادر لتحقيقها طوعا وبرغبته وقناعاته أملا في دولة مدنية تكون نواة لوحدة عربية منشودة.

 لقد فشلت تجربة الوحدة, وخابت آمال الجنوبيين الذين ذهبوا إليها وضحوا من أجلها, بعد أن قضى عليها النظام القبلي العسكري في حرب احتلال الجنوب عام 1994م وما نتج عنها من إقصاء لشركاء الوحدة واستباحت الأرض وسيادة قانون القوة والنهب والفيد. ولم يعد منذ ذلك التاريخ  لوحدة الغلبة والدم والموت مكانة مقبولة في الواقع أو في النفوس.. وآن الأوان للاعتراف بهذه الحقيقة والاقرار بها لإعادة الأمور إلى نصابها وإعادة الحق لأهله حتى لا نقضي على ما تبقى من وشائج وعُرى بين الشعبين في الشمال والجنوب, ووقف هذا التشظي والانقسام الذي طال النفوس بصورة لم يشهد لها مثيلا من قبل.. ورحم الله الشاعر الكبير المبصر عبدالله البردوني الذي شخص الحقيقة المرة لوحدة الغلبة والقوة بقوله:«اليمن شعب واحد، لكن ماعرفناه (يوماً) دولة واحدة»، و«الانفصال قائم مادام هناك غالب ومغلوب، ويمن محكوم بفرد».

وقبل فشل تجربة الوحدة اليمنية فشلت أيضا الوحدة بين مصر وسوريا, ومع ذلك فأن الزعيم عبدالناصر, مع ما له من تأثير ومكانة لا تُقارن بلصوص الوحدة اليمنية, لم يعتبرها ركنا إسلاميا أو صلاة إضافية. بل رفض فرضها بالقوة, كما كان يقترح عليه بعض العسكريين, حتى لا يُقضى على هذا الهدف النبيل الذي ظل وما زال طموحا مشروعا لشعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج.

وفي عصرنا الحاضر فقط,  نعرف كم هي الدول الجديدة التي نشأت على أنقاض دول قديمة وكم هي الدول التي اتحدت وكم هي الدول التي تجزأت.. فقد نشأت في وسط أوروبا دول اتحادية مثل تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا ولكنها تحولت إلى دول مستقلة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي, ومثلها دول وسط آسيا الإسلامية بعد فشل الحكم المركزي الاتحادي.

والسودان الشقيق كدولة عربية ليس بعيد عن هذا.. فقد كنا نقرأ عنها أنها من أكبر الدول العربية مساحة وأنها (سلة غذاء العالم).. اليوم لم تعد السودان من أكبر الدول العربية مساحة.. فقد جرى تقسيم السودان إلى دولتين: الشمال (حافظ على تسميته, جمهورية السودان) وعاصمتها الخرطوم. وظهرت على الخارطة السياسية الدولية دولة جديدة بمسمى جديد (جنوب السودان) وعاصمتها جُوبا.. وهذه الدولة الجديدة الناشئة لم يكن لها وجود تاريخي من قبل كدولة مستقلة…ورغم تسميتها بـ(جنوب السودان) فأنه لم يعد لها صلة بعد الآن بالسودان الذي انسلخت عنه أو انبثقت من رحمه إلا بالاسم, وتظل العلاقة بينهما قائمة على الندية كعلاقة دولة بدولة مجاورة. ولا يعطي اسم (جنوب السودان) مبررا لجمهورية السودان في المستقبل أن تدعي بأن جنوب السودان جزءا منها.

وإذا كان هذا حال جنوب السودان الذي لم تكن له دولة مستقلة في التاريخ, فإن الأمر يختلف تماما بالنسبة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي يعرفها العالم على الخارطة السياسية الدولية دولة ذات سيادة وكاملة العضوية في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة, ويعرفها ابناء الشعب الجنوبي كدولة مدنية حديثة ذات نظام وقانون حتى عشية الوحدة الطوعية والسلمية مع الجمهورية العربية اليمنية في مايو 1990م.

ومن نافل القول أن اليمن الذي يشمل جنوب جزيرة العرب كمفهوم جغرافي واسع, مثله مثل الشام, لم يشهد في تاريخه القديم دولة موحدة باسم اليمن, وإنما شهد نشوء دول وتكتلات واتحادات بأسماء مختلفة, أو كان يتكون من أقاليم مختلفة ضمن الدولة الاسلامية. واتحدى من يقول أن اسم اليمن قد ارتبط في التاريخ باسم دولة معينة حتى مطلع العقد الثاني من القرن العشرين حينما أعلن الإمام يحيى حميد الدين المملكة المتوكلية اليمنية وعُرف بعد الإطاحة بالنظام الإمامي عام 1962م بالجمهورية العربية اليمنية.

لقد قضت حرب اجتياح واحتلال الجنوب صيف 1994م على تلك الوحدة الطوعية بالقوة, وحولتها إلى وحدة ضم والحاق واحتلال ونهب وفيد وفساد واقصت الشريك الوحدوي, وهو الأمر الذي رفضه شعبنا الجنوبي وانتفض ضده بثبات منذ انطلاق حراكه السلمي المبارك عام 2007م من أجل تقرير مصيره واستعادت دولته وحريته وهويته. وهذا الحق المشروع كرسته وتؤيده كل أحكام ومبادئ القانون الدولي, فبمقتضى المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة, فإن أحد أهم أهدافها هو “تطوير العلاقات الودية بين الأمم على أساس مراعاة مبدأ الحقوق والتكافؤ وتقرير مصير الشعوب واتخاذ تدابير أخرى ملائمة لدعم السلام العالمي”. كما يمنح الإعلان الخاص الصادر عن الأمم المتحدة في عام1960م الأقطار والشعوب الحق في تقرير مصيرها وفي استقلالها حيث جاء فيه:” إن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وأن تسعى بحرية إلى تحقيق نماءها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”