fbpx
الصُّلح في الأعراف القبلية
شارك الخبر

كتب – علي صالح الخلاقي
الصُّلْح هو إنهاء حالة الحرب أو الخصومة بين المتخاصمين مؤقتاً خلال الفترة المتفق عليها، ويلتزم فيها صاحب الحق بعدم القيام بأي نشاط حربي ضد خصمه مهما كانت الأسباب، ومن العَيْب والعار أن يتم نقض الصلح. وحينما تطول الحروب أو الفتن القَبَلِيِّة أو يكثر القتلى بين قبيلتين أو طرفين تتوسط قبيلة أخرى أو شخصيات مؤثرة ومحايدة لطلب الصلح، وهو عبارة عن هدنة مؤقتة قد تطول أو تقصر حسب الاتفاق. وقد يكون طلب الصّلح بمبادرة من القبيلة المتغلبة التي أكثرت قتلاً في القبيلة الأخرى التي تقرر هي قبول الصلح من عدمه شريطة احتساب تعداد قتلاها وقتلى الطرف المتغلب. وعندما يعقد الصلح فأن الطرفين المتحاربين يحترمان شروط الصلح كل الاحترام ويعملان بها دون أن يغدر أحد أو يخون. بل أنه خلال فترة سريان الصلح يتزاور الفريقان ويتبادلان المنافع والمصالح وحتى علاقات الزواج وكأن شيء لم يحدث بينهما. وبمجرد انتهاء فترة الصلح وفشل مساعي الإصلاح بقبول الدِّيَة من قبل أصحاب الدم، فأن القتال يتجدد بين الطرفين حتى يتساويان في عدد القتلى بينهما.
والعجيب أن اتفاقيات الصلح لا تكون مكتوبة، بل شفوية، وقد تتم بين أعيان القبيلتين المتحاربتين، خاصة في مواسم البذار والحصاد، حتى يتسنى للطرفين القيام بالأعمال الزراعية دون خوف، لاسيما وأن أراضي القبيلتين تكون متجاورة أو متداخلة أحياناً في أطراف الحدود. ويتم الالتزام بتنفيذ اتفاقيات الصلح، وخلالها تعود الأمور بين الطرفين المتحاربين وكأن شيئاً لم يكن، وهذا الوفاء بالعهد من الصفات الكريمة المتأصلة لدى القبائل اليافعية.
وما يجدر ذكره أن الصلح لا يكتب على ورق، ولا يوقع عليه ممثلون عن الفريقين المتحاربين، بل يكفي قبول أهل القتيل للصلح شفوياً. ولعل أصدق وصف للصلح ما كتبه المؤرخ صلاح البكري عن الصلح الذي رعاه شخصيا بين بني بكر وخلاقة، مطلع خمسينات القرن العشرين، وتم قبوله شفوياً لمدة سنة، يقول( ):”وبين بني بكر وخلاقة حرب طال أمدها ولكنها حرب شريفة نزيهة فليس هناك غدر ولا خيانة من أحد الفريقين، فعندما يتقابل الفريقان ويقتتلان يعلنان الهدنة بعد حين فيأخذ كل منهما قتلاه أو جرحاه من الميدان دون أن يعتدي أحد على آخر. وقد يقوم صلح بين الفريقين وفي أثناء الصلح يزور كل منهما الآخر كأن لم يحدث شيء بينهما، وكثيراً ما يذهب بعض رجالات خُلاقة إلى بني بكر لطلب مد الصلح أو الهدنة فيحتفي بهم بنو بكر ويقبلون طلبهم. ولقد رأيت – والباقي من الصلح شهران – أن أعقد صلحاً بين الفريقين. لذلك جمعت الشخصيات البارزة من بني بكر في دار آل عز الدين ووفقت لعقد الصلح بين الفريقين يبدأ من أول صفر سنة 1374هـ /29سبتمبر1954م، وينتهي في آخر محرم سنة 1375هـ/18سبتمبر1955م.
ولا شك أن هذا  ان دَلّ على شيء فإنِّما يدل على الوفاء بالعهود، وهي من أبرز الصفات الكريمة عند العرب القدامى”.
ورغم الفتن التي كانت سائدة بين المكاتب أو القرى، كانت تتم في فترات الهدنة أو الصلح روابط الزواج والمصاهرة. ففي أثناء الصلح  ذهب موكب (شواعة) الحريو من كلد إلى آل محرم، فقال الشاعر علي حسين بن هادي مرحباً بهم ومذكراً بما بقي لهم من ثأر،  بقوله:
قلت حيَّا بكم سُبْلة كلد
 عند وافي تكَلَّم بالكنات
عادنا با تذكر مَحسبي
 لا تقولون ما قد فات فات
وقد رد عليه الشاعر علوي ناصر مجمل بن عبدالباقي بالزامل التالي:
وا سلامين من سُبْلة كلد
 واجب القدر ما بين الفئات
وان وقع ميل شدَّيت اللّبَبْ
 عا معيَّا على العِدْله سِرَات
وفي اثناء الصلح في فتنة أهل الخُمّس وبن شنظور في يهر، ذهب أهل الخُمّس إلى عند بن شنظور في موكب شواعة لأخذ الحريوة، وعند استقبالهم من المرحبين بدأ علي محسن بن شنظور مرحباً ومذكراً بما حدث في الماضي القريب، فقال:
يا مرحبا حيا بمن جي عندنا
 لا الواد ذي همّي سيول اشعابها
رحب بكم مولى القرون المرجبه
 حيث النمار اتخالبه بأنيابها
ورأى الشاعر صالح طالب بن معبد، وهو المعروف بحكمته، أن الزامل مستفزٌ وقد يجدد الفتنة، ولا بد من تهدئة الوضع بما يليق بالصهارة، فقال :
الله يحيي كل من رحّب بنا
 قفل جهنم لا تفُك أبوابها
طنّه حجر ياجور  من شامخ عجي
 عوجا عجيه والعجي قلابها
وفي أثناء الفتنة بين الفردي والحمري، عام 2000م، ذهب أهل خلاقة ومعهم ضيفهم شيخ مشايخ بني ضبيان أحمد محمد عمر موسى إلى الفردة في وساطة لطلب الصلح بين الطرفين، فلم يعطوا إلاَّ مدة شهرين للصلح، فشعر أهل خلاقة بعدم الرضا، فقال شاعرهم صالح علي السعيدي ممتعضاً:
الصلح بين الناس شرع القبيله
 والدَّين عالمديون باقي في الخزين
والحق من له حق ما حد يبطله
 السِّن بَيْقَعْ سن به والعين عين
واصلاح واجب لا القُري متعاونه
 لا تنفعك صنعاء ولا بيضاء حسين
والأمن من دولة علي لا تسهنه
 بَيْقَعْ دِمُوع الباكيه من كل عين
فرد عليه الشاعر يحيى محمد علوي الفردي، معبراً عن عدم ارتياحه لموقف أصحابه، بسبب خلافات بينهم أثرت على توحيد رأيهم، فقال معبراً:
يا ذي بدعت القول حيا لك وله
 ما اتقارحه لمشاط في سُود المكين
يا ابن السعيدي جبتها متسلسله
 شُفت المشاكل يا دَحِيْنِهْ يا دحين
لا الناس مثلي با نحل المشكله
 لا شِعْبِنَا ضايع ولا بَيْضِيْع دَيْن
لا جيت بَقْضِي لك شِفُوفك كلها
 الشَّوك من خلفي ومِنْ قُدَّامي وَكَيْنْ
ويقصد بذلك الخلاف فيما بين أهل الفردة وشبهه بـ(الشوك والوكين).
وأثناء فتنة حدثت بين قريتي (جروة) و(ريد) المتجاورتين في مكتب الموسطة يافع، أراد شخص من جروة أن يتزوج من أهل علي الحاج أثناء الفتنة معهم، فتم توقيع صلح مدة الزواج لأن العريس رفض أن تكون زواجته (سكتة) أي بدون أفراح، فقال شاعر جروه بن علي ناجي عند وصولهم( ):
سلام مني للشوامخ وأهلها
 من عند مترجز بحمران العيون
إن كان عالسنه فقد جينا لها
 يا كل سامع والمقدر با يكون
فرد عليه الشاعر منصر أحمد بن علي الحاج (أبو الحريوة) مرحباً بقوله:
با قول حيا ما تحن اذيابها
 رحب معي وا حصن عالي عالحصون
لا لك دعيه خير سَكّر بابها
 واجزع بذي لك وادع لله بالسكون
****
من كتابي الصادر مؤخرا (معجم الأسلاف والأعراف القبلية في بلاد يافع)
أخبار ذات صله