fbpx
مؤتمر أم مؤتمرات شعبية عامة؟؟

 

كتب- د. عيدروس نصر النقيب.
يحتفل ورثة الرئيس علي عبد الله صالح بذكرى مؤتمرهم بلغة واحدة وبخطاب سياسي واحد وبنبرة سياسية واحدة وحديث واحد عما يسمونه منجزات ونجاحات ومآثر وسواها من مفردات الخطاب السياسي الضروري لمناسبة كهذه  ولكن عبر منابر مختلفة ومتعادية ومتصارعة مع بعضها البعض.
لا يهدف هذا المقال إلى الشماتة أو التشفي بأحد فكثيرون من كوادر بل ومن قادة هذا الحزب (المفترض) تربط كاتب هذه السطور بهم علاقة صداقة وود شخصية، لكن الحقائق العنودة والقاسية تبقى فوق كل أشكال المجاملات والعلاقات الشخصية.
قد لا يكون الوقت مناسباً لإجراء تقييم دقيق وموضوعي ومعمق لتجربة المؤتمر الشعبي العام، لكن ما يمكن قوله في هذا المقام إن المؤتمر هو حزب نشأ بقرار إداري من السلطة وليس حصيلة عملية نضالية أنتجتها التحديات والنضالات الميدانية المريرة من خارج السلطة، وبالضبط إنه حزب بنته السلطة ولم يبنِ السلطة، وبكلمات قليلة إنه حزب السلطة وليس الحزب الذي وصل إلى السلطة بكفاءة ونقاط تفوقه.
ارتبط الحزب (المؤتمر) بالرئيس الذي أسسه ولم يجرؤ  أي مؤتمري على مخالفة الرئيس أو انتقاده أو حتى تحذيره من مغامراته العديدة، وحينما كان الرئيس يخطئ  كان الحزب يسوق أخطاءه على إنها منجزات وطنية، وظل الرئيس على هذا المسار، مخدوعاً (وربما خادعا) بمدح االمداحين وتزلف المتزلفين.
ولست بحاجة إلى تعداد الأخطاء والخطايا التي أوقعه فيها هؤلاء المداحون والمتزلفون والتي صوروها له على إنها مكاسب تصب في خدمة الشعب  والوطن، بل سأكتفي بالتعرض لجريمة غزو الجنوب وتدمير دولته وما نجم عن كل هذا من تداعيات أطاحت بكل أسباب  التبجح بــ”الوحدة اليمنية” التي غدت في عداد الموتى والتي صار التغني بها وامتداحها أشبه بامتداح الجريمة وتقديس المجرم، ومثل هذه الخطيئة خطيئة التحالف مع الجماعة الحوثية الذي أراد من خلاله الانتقام من الشعب الذي ثار عليه وطالب بترحيله وحينها قال قولته الشهيرة “سننتقل إلى المعارضة، وسنريهم كيف هي المعارضة الحقيقية” وقد كان له ما أراد، لكن هذه المعارضة (الحقيقية) أوصلت (الزعيم) إلى حيث أوصلته، ولو كان للمؤتمر هيئات ومؤسسات فاعلة  لما سمحت له بالوصول إلى هذا المستوى العبثي من الاستهتار السياسي والاستخفاف بإرادة الشعب.
اليوم وبعد مقتل الزعيم على أيدي حلفائه، الذين قال أنه بهم “سيري معارضيه المعارضة الحقيقية” لم يعد هناك مؤتمراً شعبياً واحداً، وربما لم يعد هناك مؤتمراً أصلاً فبموت الزعيم، وبالتحديد بمقتله تفرقت أيدي المؤتمريين، بين مؤيد للرئيس “الشرعي” عبد ربه منصور هادي، وبين مؤيدين لمنافسي الرئيس “الشرعي” داخل الشرعية، وبين متحالفين مع الحوثيين وآخرين ضد الحوثي وضد الشرعية بمؤتمراتها وأجنحتها المتعددة، وهناك مؤتمرات شمالية ومؤتمر جنوبي.
وفي ظل هذا التشتت يبقى الحديث عن مؤتمر شعبي عام نوعاً من المواساة أو مداراة الخطيئة، والرغبة القائمة على الوهم إو خداع الذات أو التمني في أحسن الأحوال.
كنت أتابع لقاءً مع أحد القادة المؤتمريين المؤيدين لجناح صنعاء عبر قناة الحزب المؤيد للحوثي وهو يلعن زملائه من الجناح المؤيد لـ”لشرعية” أو كما يقولون المؤيد لـ”العدوان”، لكن ليس هذا ما لفت نظري فهذه اللغة مفهومة ومفهومةٌ دوافعها، بل إن ما يلفت النظر هو قول هذا المؤتمري “إن المؤتمر يضم في صفوفه خمسة ملايين عضو من مختلف محافظات الجمهورية”، وأول سؤال يقفز إلى ذهن المشاهد هو: كم من هذه الملايين وقف مدافعا عن الزعيم يوم هاجمه الحوثيون وقتلوه كما يقتل الصياد البري أرنباً في إحدى الغابات.
كان يمكن لحزب المؤتمر (قبل تفرق أياديه) أن يلعب دورا في بناء البلد وتحديثه وتنميته، لو  إنه بني على المؤسسية والنزاهة ومقاومة الفساد وتأصيل روح الانتماء إلى الوطن والشعب والولاء لهما وليس الولاء للزعيم وتقديس الفساد وشرعنته والدفاع عن الفاسدين، لكن مغريات السلطة التي صنعت الحزب ولم يصنعها قد جعلته أسير الفساد وبناء المصالح غير المشروعة وتقديس الزعيم بكل أخطائه وخطاياه ومن ثم السقوط في أحد مطبات التاريخ الذي لا يرحم ولا يغفر لمن يتجاوز قوانينه وسننه.