fbpx
جديد د.الخلاقي(الصراع الكسادي-البريكي في وثائق تاريخية تُنْشَر لأوِّل مَرَّة)
شارك الخبر

يافع نيوز – عدن
صدر مؤخراً عن مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، كتاب توثيقي بعنوان (الصراع الكسادي-البريكي في وثائق تاريخية تُنْشَر لأوِّل مَرَّة) للدكتور علي صالح الخلاقي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية-جامعة عدن. جاء في مقدمته:” أقام آل كساد اليافعيون لأول مرة في تاريخ المكلا إمارة مستقلة في القرن الثاني عشر الهجري (1115-1299هـ/1703-1881م) وكانت قبل ذلك قرية صغيرة بعيدة عن أي مركز تجاري أو أدبي أو سياسي وتتبع أي سلطة تفرض سلطانها على الساحل الحضرمي، واستطاع آل كساد أن يلفتوا الأنظار إلى مدينتهم وإنعاشها حتى أخذت تنافس مدينة الشحر من حيث الأهمية.
وفي الشحر تمكن آل بن بريك من تأسيس إمارة خاصة بهم (1165-1283هـ/1751-1866م)اقتصرت في البدء في السيطرة على المدينة بعد القضاء على منافسيهم من الحاميات اليافعية، وقد رأى الكساديون في قيام الإمارة البريكية مصلحة أمنية لإمارتهم بحكم الروابط القبلية بين الأسرتين اليافعيتين، وظلت العلاقة بينهم قائمة على حُسن الجوار، واتجاه كل منهم للاهتمام بتطوير وتقوية مؤسسات إمارته .
ولكن تطورات الأحداث السياسية في حضرموت الساحل ألقت بتبعاتها على تلك العلاقات الأخوية، ودخلت الإمارتان في نزاعات مع بعضهما البعض، وتحولت إلى عداوة عندما سعت كل منهما للتوسع على حساب الإمارة الأخرى.
وبدأ الصراع على التوسع والنفوذ بينهما بسبب سيطرة آل بن بريك على غيل باوزير وطرد آل همام منها فلجأوا إلى النقيب عبدالرب الكسادي مستنجدين به فاستجاب لنجدتهم بدافع تخوفه من توسع آل بن بريك وخشيته من أن تصبح المكلا هدفاً قادماً لهم، ولوقف هذا التوسع قبل أن يمتد ويتسع خطره، أعد العدة لمساعدة بن همام في استرجاع الغيل لتكون الغيل حاجزاً بين الأمارتين، بل وربما طمع بضمها بعد تحريرها إلى الإمارة الكسادية لما تتمتع به من موارد زراعية سترفد الاقتصاد الكسادي. وكانت معركة (الحدبة) أول مواجهة مباشرة بين الجانين، هُزِم فيها الكساديون وفشلوا في استعادة الغيل، وعلى إثرها توسعت شقة الخلاف بينهما وتحولت إلى عداء مستحكم وأخذ كل منهما يحشد ويستقدم المقاتلين من يافع وغيرها ويعد العدة لمواجهات قادمة جرت بينهما.
واستند المؤلف إلى وثائق ومراسلات تاريخية، من خلال 19 وثيقة تاريخية، تُنشر لأول مرة، وتعود إلى تلك المرحلة من تاريخ الإمارتين الجارتين الكسادية والبريكية، وتكشف حقائق ومعلومات جديدة عن خفايا ذلك الصراع وتقدم مادة للباحثين لتصحيح أو إضافة أو تأكيد بعض المعلومات عن الأحداث التي جرت بينهما، وكذلك عن فترات التصالح والتعايش في ضوء وساطات داخلية من قبل السادة وخارجية من قبل سلطان عُمان وسلطان رأس الخيمة والشارقة.
وفي ضوء هذه الوثائق يتضح جلياً أن العلاقة بين الإمارتين الكسادية والبريكية كانت تتراوح بين حسن الجوار وصلة القرابة في مراحلها الأولى ثم التوجس والحذر والحيطة من مطامع النفوذ والتوسع التي قادت إلى حروب بينهما تخللتها فترات هدنة وصلح وهدوء، بل ومحاولات لتحالفهما ضد الخطر الذي يتهددهما من الخارج، كما حدث حينما حرّكت حملة بن قملا عند اتجاهها إلى الساحل الجهود والمساعي لتوحيد الطرفين بغية مواجهة تلك الحملة قبل وصولها.
وخلال تأزم العلاقة وجولات الصراع كشفت الوثائق المساعي الحميمة من قبل الطرفين لاستقطاب مقاتلين مؤقتين من يافع حسب الحاجة لذلك، والاستغناء عنهم بمجرد استتباب الأوضاع لعدم القدرة على تحمُّل مصاريفهم ورواتبهم. كما استخدم كل منهما صلة القرابة اليافعية مع يافع التي تعد المدد لهما بالمقاتلين لتقوية منزلته على حساب الآخر، وتجلى ذلك في شكوى الأمير ناجي بن علي من وقوف بيت آل الشيخ علي بن هرهرة إلى جانب الكسادي وهو ما لم يكن يتوقعه منهم خاصة وأنهم أخوال وبينهم عهد الله وأحلاف. وبالمثل ذهب الكسادي إلاّ التفاخر بروابط الأخوة والقرابة مع يافع كإخوة وشجرة واحدة، بل وإلى التشكيك في نسب بن بريك إلى يافع الذي اعتبره “جَنِيْب لا هو من يافع ولا يافع منه”.
ويستنتج من رسالة الأمير ناجي بن علي أن هناك حرب جرت في سنة 1225هجرية بين الكسادي والبريكي تتطابق تفاصيلها مع ما ورد في بعض المؤلفات من أنها جرت سنة 1227هـ. الأمر الذي يدفعنا لإعادة النظر والتحقق من تاريخ تلك الحرب، وأن لا نتجاهل رواية من أرّخ لها وهو الأمير ناجي بن علي نفسه التي قاد تلك الحرب وأورد تفاصيلها الدقيقة.
ومن المعلومات الجديدة التي قدمته لنا هذه الوثائق وساطة الشيخ سلطان بن صقر بن مطر القاسمي حاكم الشارقة لعقد هدنة بين الطرفين لمرتين، إلى جانب وساطة أخرى لسلطان مسقط سعيد بن سلطان ورد ذكرها في أكثر من مصدر. وهذه الوساطات تبيِّن عن العلاقة والصلات التي تربط الإمارتين مع الأشقاء في مسقط والشارقة بحكم الجوار والمصالح الاقتصادية والتجارية المتبادلة التي تؤثر عليها أحداث الصراع والنزاعات.
وبرغم تفاوت أهمية تلك الوثائق من حيث مضامينها إلاّ أنها تقدم لنا مادة تاريخية متنوعة ليس فقط في تاريخ الإمارتين الكسادية والبريكية، بل وفي التاريخ العام لحضرموت في تلك المرحلة التاريخية، إذ لا تخلو من أخبار قيمة عن جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية، حيث تحرص على ذكر أخبار الأمطار أو الجفاف، وكذلك الأسعار وأخبار الفتن والصراعات بين الكيانات المختلفة التي زخر بها النصف الأول من القرن الثالث عشر وأخبار القتلى والمصابين وتدخلات القوى المؤثرة وكذا محاولات الصلح التي يقوم بها سادة حضرموت لوضع حد لتلك الفتن والاضطرابات وضمان الأمن والسلام، وغير ذلك من التفاصيل التي لا غنى عنها للباحثين المهتمين، ولهذا حرصنا على عدم الاكتفاء باجتزاء ما يخص موضوعنا من تلك الوثائق في سياق البحث، وقد حرص المؤلف على نشر نصوصها وصورها كاملة في ملحق كتابه لما يحقق الفائدة ويقدم مادة تاريخية من مصادرها الأصلية لتكون متاحة بيد المهتمين والباحثين في جميع المجالات.
وقدَّم المؤلف الشكر الجزيل للشيخ الفاضل ناصر علي محمد الفقيه عزالدين البكري على إتاحته تصوير تلك الوثائق والمراسلات التي يحتفظ بها في إرشيفه من زمن جدِّه نائب الشرع الفقيه عبدالحبيب بن أحمد حيدر عزالدين البكري الذي كانت له ارتباطات وثيقة وعلاقة حميمة مع كل من أمراء الدولتين الكسادية والبريكية ومع سادة عينات وسلاطين يافع وآل كثير وغيرهم، ونجده حاضراً في جميع هذه الوثائق، باستثناء واحدة منها، إما كاتباً أو مُخَاطباً من قبل الأمراء الكساديين والبريكيين أو رجالات الدولتين والشخصيات المؤثرة.
الجدير بالذكر أنه قد صدر أيضاً للدكتور علي صالح الخلاقي مؤخراً كتابٌ آخر بعنوان (حملة بن قملا الوهابية على حضرموت- القرن الثالث عشر الهجري “ما لها وما عليها مع وثائق تاريخية تُنشر لأول مرة).

أخبار ذات صله