fbpx
الذاكرة السياسية هل هي للتاريخ أم لصب الزيت على النار؟

كتب / علي عبد الله البجيري
تشكل لقاءات السياسيين في برنامج” الذاكرة السياسية” التي تبثه قناة العربية مثار جدل واسع بين اوساط الفئة السياسية في البلدان العربية. وبما انها تسجل نسبة عالية جدا من المشاهدات، فان ذلك دليل على ان الهدف من متابعتها ليس الإعجاب بشخصيات رموزها، بل بهدف سماع الحقيقة الغائبة في تاريخ الصراعات والخلافات والتأمر العربي أكان على المستوى القطري لبلد محدد او على المستوى القومي ، إن لم تكن قد وصلتهم مشوهة المضمون والحيثيات. ومع ما نسمعه من هنا وهناك تبقى حقيقة الكثير من الأحداث والمواقف حبيسة الأدراج ان لم تكن فاقدة للمصداقية.
فتح ملفات الذاكرة السياسية من خلال قناة العربية يطرح العديد من التساؤلات حول أهمية وجدوى شهادات المسؤولين السياسيين الذي عاشوا حقبة تلك الاحداث، وحول الهدف من إثارتها، وبالتالي ما هو المسموح البوح به من غير المسموح؟ وما هي آلية تحديد القواعد الحاكمة لذلك؟ وما هي المعايير المتبعة لقياس حساسية ذلك الحدث أو الموقف عن غيره؟ وفي الأخير لمصلحة من كل هذا النبش في التاريخ السياسي العربي لماضي حزين مؤلم ، وما هي مصلحة الدولة التي تمتلك القناة وتمثل موقفها السياسي والاعلامي؟
لقدأثارت أحاديث الذاكرة السياسية التي تبثها قناة العربية، ردود أفعال بين مؤيد ومعارض لها. فمنهم من اعتبرها توثيق للتاريخ السياسي، والبعض الاخر اعتبرها نبش غير مجدي للتاريخ السياسي، وأرى فيها شخصياً ما قاله الشاعر العربي بديع الزمان الهمذاني” رأيت بعض الناس خداعاً إلى جانب خداع يعيشون مع الذئب ويبكون مع الراعي”
ولعلي أسوق هنا بعض الملاحظات التي تتصل ببرنامج الذاكرة السياسية لقناة العربية :
اولاً: يرى المشاهد والمتابع لتلك اللقاءات إن السياسيين العرب يعتبرونها مدخلا لإعادة التسويق السياسي لشخصياتهم، من خلال إبراز اللحظات والمراحل الصعبة التي عاشوها في حياتهم ولم يتكلموا عنها سابقاً، كونها تثير تعاطف الجمهور وترفع معدلات قبولهم لدى الرأي العام من خلال التبريرات التي يسوقونها حول قرارات اتُخذت ولم تكن على قدر تطلعات سياسيين آخرين، فتكون عودته إلى دائرة الضوء مرهونة بالنجاح الذي ستحققه الأحاديث والقضايا الذي كشفها في تلك المقابلة.
ثانياً: أن بعض الحلقات تتضمن معلومات حساسة تؤدي إلى جدل سياسي واسع، يصل إلى حدود الفتنة والانقسام في المجتمع حولها. وخاصةً اذا ما استخدمها السياسي بهدف الإساءة إلى منافسيه او من اختلف معهم ، وهنا يبرز دور القناة التي تتبنى هذه اللقاءات، من خلال حساسية وخطورة الأسئلة التي تطرح على الضيف وهي معدة سلفا.
ثالثاً: إن المقاطعات المتكررة من قبل مقدم البرنامج لا تترك للضيف أن يكمل رأيه أو شهادته عن حدث معين، بل إن المشاهد يصدم عندما يشاهد مقدم البرنامج وهو في موقع ومكان ضابط التحقيق المستفز دون مراعاة لمن يقف أمامه ودون احترام للمشاهد الذي يستمع.
رابعا: ولما لتوقيت بث مثل تلك اللقاءات، فانها بمثابة صب الزيت على النار لاحياء الفتن بين اطراف تلك الاحداث، وخلق المزيد من الانقسامات واحيا للصراعات، في مجتمع لا يزال فيه الثأر والعلاقات القبلية فاعلة ومؤثرة.
خامساً : ان القضايا الذي يجري الحديث عنها عايشها جيل من البشر لا يزالون على قيد الحياة شاهدوا فصولها الكارثية، وشكلت ولاتزال جرح ينزف دماً حتى اليوم بالرغم من مضي سنوات على وقوعها، احداث مؤلمة لن ينسى من قُتل اباءهم وابناءهم وأقاربهم فصولها الموجعة، وهي من قضت على امانيهم واحلامهم ومستقبل أبنائهم واجيالهم القادمة، إنها مأساة تفاصيلها كارثية وأيامها سوداوية وشهورها بكاء وحزن وسنواتها ضياع وطن وتدمير للدولة والمؤسسات، وقتل للعقول المؤهلة ..يدفع ابناء الوطن ولايزالون ثمنها غالياً حتى اليوم.

لن نناقش ما قاله ويقوله السياسيون في ” برنامج الذاكرة السياسية” فهذا جزء من ماضي ندفع ثمنه وتبعاته حتى اليوم..ولكننا كنا نتمنى على قناة العربية ومالكيها ” أن لا يصبون الزيت على النار”، فالاحداث التي يجري استجواب ضيوفها سوداوية ومؤلمة ومجرد التذكير بها مثل من ينبش قبور الموتى .

خلاصة القول..لا تحدثني عن سياسي او رجل اعمال همه الوحيد الربح، بل حدثني كيف يزهر الربيع و كيف يضحك الفقراء و كيف يعمل الكادحين و كيف حال الأوطان.
(تشي جيفارا).