fbpx
أبناء الطلاق.. أبرياء يدفعون الثمن
شارك الخبر

كتب – محروس رسلان:

كشفت تقارير رسمية صدرت عن جهاز الإحصاء أن بين كل 5 حالات زواج في المجتمع القطري تقع حالتا طلاق، وهي نسبة مرتفعة ينبغي على الجهات المختصة أن تلعب دورًا محوريًا على المستوى التوعوي والدعوي للحدّ منها حفاظًا على تحقيق الاستقرار في المجتمع.
وعن الآثار السلبية للطلاق على الأبناء الذين يدفعون ثمنًا باهظًا لذنب لم يقترفوه تحدثت الراية الإسلام إلى عدد من الخبراء والمختصين للتعرّف على أهم هذه السلبيات على الأطفال وانعكاساتها على المجتمع، كما اهتمت بمعرفة أهم طرق علاج هذه الظاهرة، وفتحت الباب حول معرفة ما ينبغي أن يتم تقديمه من جهود وما يجب أن تقوم به الجهات المعنية للحدّ من هذه الظاهرة والعمل على مداواتها في أقرب وقت.
في البداية عرّف فضيلة الداعية الإسلامي الدكتور طارق قطب الطلاق بقوله: الطلاق لغة هو الفكاك من الوثاق، وشرعًا إنهاء العلاقة بين الزوجين، كما أن الزواج عقد بين زوجين هما طرفا العقد، والقاعدة العامة في العقود تلزم كل طرف من الأطراف بما ينبغي أن يلتزم به من حقوق وما عليه من واجبات.
وأكّد أن الأصل في الطلاق الإباحة، مشددًا على أنه مكروه في حالتين أولاهما عدم وجود داعٍ، والأخرى إذا طلق الزوج زوجته في طهر مسّها فيه، بينما يكون محرمًا بالأحوال المنصوص عليها كطلاق الحائض أو طلاق لأكثر من ثلاث وذلك “لاستفراغ العدّة ولكون الزوج ضيّق على نفسه ما كان واسعًا من الله تبارك وتعالى”.
وأشار إلى أن الله اقتضت حكمته أن يتفرّد الزوج بالطلاق دون المرأة وهي – الطرف الثاني – وإلا لكان الطلاق باطلاً إلا أن يرضى الطرفان كما هو الحال بسائر العقود، مبينًا أن غاية الطلاق تكون بالتحلل من العصمة وعندها تنقطع عن المرأة حقوق الزوج وتنقطع عن الزوج الحقوق المتعلقة بالنكاح.
وبيّن أن الطلاق علاج وقوع الشقاق الذي لا يمكن درؤه بين الزوجين، مشيرًا إلى أن الفراق بالمعروف خير من المعاشرة بالسوء كونه ارتكاب أخف الضررين، كما أن الفراق مع السلامة من الشر خير من الاجتماع مع وقوعه.
وبالنسبة لشروط الطلاق قال قطب: إن شروط الطلاق هي العقل، والاختيار “ألا يكون مكرهًا”، ووجود العقد، والعصمة “فلا يقع إن قال لو تزوجت فلانة فهي طالق” لأنها ليست في العصمة فلا يقع وإن أصبحت كذلك، مؤكدًا أن السنة ليست شرطًا لصحة الطلاق عن الجمهور خلافًا لابن تيمية، وذلك لكون الطلاق نوعين “سني وبدعي”.
وأضاف: أما المبرّرات العامة للطلاق فهي: الشقاق إلى حد يستحيل الصلح معه، وتنافر طباع الزوجين وتبادل الكراهية بينهما أو من طرف منهما، وفساد أخلاق الزوجين أو أحدهما واستحالة تحقق الإصلاح، وإصابة أحد الزوجين بعاهة من جنون أو مرض معدٍ خطير أو عقم أو غيبة طويلة للزوج بحيث لا يعرف مصيره أو سجن مؤبد أو عسر في الإنفاق يستحيل تحمل الزوجة له وتعرّضها عندئذ للضياع، واتفاق الزوجين على الفراق بالمعروف.
وعما بعد الطلاق لفت قطب إلى أن الاسلام جعل هناك حضانة بعد وقوع الطلاق وهي حق مشترك بين الحاضن والمحضون، وقد غلّب الشارع الحكيم حق المحضون على حق الحاضن عند الاختلاف.
من جهته أكّد الدكتور طاهر شلتوت الاستشاري النفسي بمؤسسة حمد الطبية أن الطلاق نهاية لطريق أسري يشتمل على الكثير من الخلافات والتناقضات، لافتًا إلى أنه لا يوجد طلاق داخل أسرة تعيش حياة هانئة صحيحة سليمة، وإنما عادة ما يكون هو الحل الأخير الذي يلجأ إليه الطرفان بعدما تتعطل بهم سبل الحياة.
وأوضح أن المشاكل الأسرية غالبًا ما يكون لها انعكاسات سلبية شديدة على الأبناء في مختلف مراحل أعمارهم سواء قبل أو بعد الطلاق، فقبل الطلاق يعاني الأبناء خصوصًا الأطفال منهم من خوف شديد من المستقبل ويفكرون فيما ستقدّمه لهم الأيام من حياة مستقرة أو متوترة، لافتًا إلى أن التفكير في المصير ومكان المعيشة هو أهم ما يدور بذهن الطفل بعد ذلك، وكذلك التفكير فيمن سيرعاه ويحافظ عليه وغير هذا الكثير من الأسئلة الأخرى التي تتبادر إلى نفس الطفل حول مستقبله، بما ينعكس بالطبع على شخصيته في صورة قلق نفسي أو اكتئاب أو أعراض نفسية أخرى تسمى اضطرابات عدم التوافق تؤدّي إلى حدوث خلل في إنتاجية الإنسان في الحياة.
وأشار إلى أنه قد تتبادر إلى نفس الطفل أحاسيس بالظلم من هذه الأسرة وهذا المجتمع الذي حكم عليه أن يعيش بشكل مختلف عن باقي الأسرة الهادئة الهنيئة، ما يجعله طفلاً عدوانيًا يشعر بمشاعر سلبية تجاه الأسرة الأم أو المجتمع.
ولفت إلى أننا نستطيع أن نقول في عموم الوصف إن الطفل الناتج عن الطلاق هو طفل ممزق الأحاسيس يشعر بالخوف من المستقبل، وغالبًا ما يحدث له فشل في حياته الدراسية والعملية قد يمتدّ إلى حياته الزوجية في المستقبل.
من جانبه طالب الداعية الإسلامي الشيخ أحمد البوعينين إمام مسجد صهيب الرومي والمأذون الشرعي بمنطقة الوكرة بضرورة اتخاذ قرارات من قبل الجهات المعنية تلزم المقبل على الزواج باستخراج تصاريح من الجهات المختصة، مشيرًا إلى أنه قبل قيادة السيارة لا بد أن يمرّ السائق بدورات تعليمية يستمع خلالها لآراء مدربين محترفين، ومن ثم يتقدّم للاختبارات التي تثبت كفاءته من عدمها على قيادة السيارة والتي بناءً عليها يتم منحه رخصة قيادة للسيارة، مشددًا على أن قيادة الأسرة أهم وأصعب بكثير من قيادة السيارة.
وأكّد البوعينين أن أي أمر مثل هذا يمكن أن يكون صعبًا في البداية عند إلزام الناس به، ولكنه بعد ذلك سيتم التعوّد عليه كـ”الفحص الطبي قبل الزواج”، على سبيل المثال.
ودعا البوعينين مراكز الاستشارات العائلية التابعة للمجلس الأعلى للأسرة، لممارسة دورها في نشر الوعي، ومنح الرخص للراغبين في الزواج بعد تعليمهم أهمية الحفاظ على الكيان الأسري وطرق التعامل الأمثل مع المشاكل التي تواجه الزوجين بما يحافظ على العلاقة واللحمة الأسرية، مؤكدًا أن نشر الوعي المتعلق بكيفية إدارة الأسرة هو الحل الأمثل، لأن قصور الوعي هو السبب الأهم وراء زيادة نسبة الطلاق، إضافة لعدم تحمّل المسؤولية بالنسبة للزوج والزوجة.
وكشف البوعينين أن المشاكل البسيطة والصغيرة هي أكثر أسباب الزواج، مشيرًا إلى أن المرأة تحتاج إلى اهتمام وتعبير متجدّد عن الحب وطمأنينة يجب على الرجل توفيرها لها، كما أن الرجل يحتاج إلى الاحترام والثقة والتقدير والتشجيع وهي مسؤولية أصيلة تجب على المرأة.
وقال البوعينين إنه يخشى أن يكون الطلاق بمثابة عقوق مبكر للأبناء من قبل الآباء، معللاً بأن أبناء الطلاق يعيشون اليتم وآباؤهم على قيد الحياة، مشيرًا إلى أن معظم المشاكل ناتجة غالبًا عن سوء الاختيار، لافتًا إلى أن السؤال عن الزوج والزوجة يكون قبل الدخول وليس بعد العقد، داعيًا إلى أهمية إنماء وإعلاء جانب الخلق والدين لأنه من أسباب استمرارية الزواج.
وعن الحكمة من تشريع الطلاق أوضح البوعينين أن البيوت لا تبنى كلها على الحب، والطلاق في ظاهره نقمة غير أنه ولا شك يعدّ نعمة أحيانًا، مشيرًا إلى أن الابن والبنت قد يكونان الضحية غير أنه ولا شك في أن تربية الطفل في جو من التنازع والشقاق والتمزق رغم وجود الوالدين أخطر نفسيًا على الطفل من الطلاق.
وكشف البوعينين أنه كثيرًا ما يقوم بمحاولات للصلح بين الأزواج وخاصة في حال وجود الأولاد يستجيب خلالها 25? فقط يقبلون النصح ويمسكون زوجاتهم، بينما لا يستجيب الآخرون.
من جهته علق الدكتور عبد الناصر صالح اليافعي أستاذ الخدمة الاجتماعية المشارك بجامعة قطر على نسب جهاز الإحصاء بقوله: ما أعلمه أن 30? أو يزيد هي نسبة المطلقات ومعنى هذا أن بين كل 100 قطرية 30 مطلقة، ولا شك في أن نسب جهاز الإحصاء سليمة عمليًا، مؤكدًا أن تفسير هذه النسب والأعداد مسؤولية الباحث الاجتماعي، موضحًا أن رأيه كباحث هو أن 30? من القطريات مطلقات بالفعل لأن هناك من يعقد عليها ولا يدخل بها وهناك أيضًا من تطلق أكثر من مرة وتدرج أكثر من مرة في الإحصائيات، وهكذا أرى أن الإحصائيات سليمة من الناحية العملية وهذه وجهة نظري كباحث اجتماعي.
وقال اليافعي: إنه في أي بلد إذا أردنا أن نفسر الطلاق أو أية ظاهرة اجتماعية فلا بد أن ندرسها في إطار بيئتها ومجتمعها الخاص، كاشفًا أن الرصد الاجتماعي لهذه الظاهرة يوضح أن أعلى نسب الطلاق تقع بين الأعمار من 18: 25 سنة، وأن معظم هذه الحالات قائمة على أسباب اجتماعية ونفسية، وليست قائمة على الإعالة المالية أو السكنية، مشيرًا إلى أن السبب هو التجاذب المتبادل بين الزوج والزوجة، مؤكدًا أنه لا توجد أسباب جوهرية تدعو للطلاق في معظم الحالات التي كان من الممكن أن يتم علاجها.
وأضاف: محاسبة كل من الزوجين للآخر، حتى على مستوى المشاعر، وحب السيطرة والاستحواذ والغيرة الزائدة، إضافة لغياب الإرشاد والتوجيه وقصور الدور الدعوي، في حين يلعب الأطراف “الأهل والأصدقاء والأقارب” دورًا في وقوع الطلاق، عبر تهيجهم للمشاعر والأفكار السلبية، وإن كانوا بالقطع ليسوا دعاة طلاق غير أن نصائحهم بحجة المصلحة والكرامة تعد سببًا أساسيًا في تفاقم الأوضاع.
وتابع: الأبناء ليسوا طرفًا في المشكلة ولكنهم يدفعون الثمن بلا جرم منهم وهو ثمن فادح تتقطع عليه القلوب، حيث ينهار الطفل بسبب ضياعه بين أمه وأبيه ويشعر بالفراغ والتعاسة والخوف من المستقبل ما يؤثر سلبًا على مستقبلهم الدراسي، مؤكدًا أن انكسار الإطار أمام الطفل قد يدفعه للعزوف عن الزواج في المستقبل، ما يعدّ تهديدًا لبنية المجتمع.
وكشف اليافعي أن معظم الأزواج الذين يقع بينهم الطلاق عند مواجهتهم بأخطائهم يعارضون في البداية وبعد الهدوء يقرّون بأخطائهم التي تنتج غالبًا عن حدة المشاعر والعلاقات بين الزوجين.
وأكّد اليافعي أن الطلاق هو أكثر العوامل هدمًا للمجتمع لأن الأسرة هي وحدة بناء المجتمع، إضافة لكونه من عوامل الهدم للتنمية المستدامة التي ترتبط بالتطوّر المادي، غير أنني أرى أنها ترتبط أكثر بالجانب الاجتماعي، حيث يقطع الطلاق حلقات التنمية المستدامة، ولا شك أن الأسر السليمة ينعكس نماؤها إيجابيًا على المجتمع.

أخبار ذات صله