fbpx
الطريق إلى اغتيال الهوية الجنوبية وخلفيات إعلان 21 مايو 1994م – بقلم /علي هيثم الغريب
شارك الخبر
الطريق إلى اغتيال الهوية الجنوبية وخلفيات إعلان 21 مايو 1994م  – بقلم /علي هيثم الغريب
 
 
 
  قرأت ما كتب عن إعلان 21 مايو 1994م , وسلبيات الاحتفال به , ونحن نعلم أن 21 مايو شكل ترجمة لمرحلة يمننة الجنوب العربي في 27 نوفمبر 1967م ,وليس ترجمة لبيان 21 مايو 1994م , وكان أساس المسار الذي خطه الحزب الاشتراكي اليمني باعتباره الممثل الوحيد لدولة الجنوب حينذاك , وكان مسارا متوقع حدوثه طالما واليمننة هي المسيطرة على القرار الجنوبي . وكانت بداية عام 1990م هي الانعطاف الذي حدث عام 1967م الذي تمثل ببداية التخلي عن المنطلقات والثوابت التي قامت على أساسها ثورة 14 أكتوبر 1963م ومن ثم أنتهاج سياسة السعي للدخول في المعادلة القومية والأممية وذلك بإدخال عنصر اليمننة في وثائق الثورة التحررية .ويلحظ هنا أن هذا الانعطاف ولأسباب عربية ودولية لم يتم ضمن إعلان أهداف الثورة الأولى , وإنما أخذ شكل تغيير للمسار بزاوية حادة لم تكشف في بداية انطلاقتها .ولكني أعتبر إعلان 21 مايو 1994م هو بداية العودة للجنوب بغض النظر عن بيان الإعلان .
 
وإذا كان هناك ضرورة لطرح ومناقشة مجريات القضية الجنوبية وواقع الشعب الجنوبي الحالي ولماذا كان إعلان 21 مايو والتعرض للأسباب الحقيقية التي أدت إلى جر الجنوب إلى 22مايو 1990م وفق شروط الكيان اليمني !! والتي رأيناها في الاتفاقيات التي بدأت عام 1972م في الكويت واللاحقة لها ، ونتيجة لاهتزاز الأنتماء للهوية الجنوبية كانت دائما مواقف المفاوض الجنوبي ضعيفة , وفقد الشعب الجنوبي بعدها كثيرا من حقوقه المشروعة(الهوية , القرار والسيادة) !!
 
وأتصور أن أخطر ما حصل هو توقيع ( اتفاقية 22 أبريل 1990م ) التي أجل فيها البحث في الكثير من أهم القضايا التي تهم الشعب الجنوبي وتعد من أهم مرتكزات إعلان وحدة 22 مايو 1990م . لهذا أعتقد أن إعلان 21 مايو 1994م أكد لنا أن الصراع بين الجنوب العربي واليمن ما زال مستمرا …والأزمة ما زالت باقية ..خصوصا بعد احتلال الجنوب في 7/7/1994م والانتشار للجيش اليمني على أرض الجنوب العربي ، وهذا يدعو كافة شرائح المجتمع الجنوبي من مكونات الحراك إلى الموظفين الجنوبيين ، لتحديد ( آليات الحل ) للواقع الجنوبي المرير وفق خطوات عملية وعلمية ووطنية لا تتعارض مع الإيمان بالهوية والتراث وعدالة القضية الجنوبية مع الأخذ بعين الاعتبار بالنظرة المستقبلية لطبيعة هذا الحل وشكل الدولة الجنوبية القادمة بأذن الله .
 
وبالعودة إلى إعلان 21 مايو , ما رأي أخي القارئ , هل الأفضل حرب واحتلال الجنوب بدون الإعلان عن دولة ؟ أم الأفضل الإعلان عن دولة بغض النظر عن أسمها وشكلها , لتبقى هي في مواجهة المحتل ؟ وضمن هذا الرأي ,باعتقادي أن الرئيس اليمني حينذاك علي عبد الله صالح كان يعتقد أن القوة ستجعل رئيس الجنوب علي سالم البيض يتنازل عن كثير من أولوياته ، وأهدافه ، ومبادئه ، وستجعل موقفه في خدمة أهداف ومصالح سلطات صنعاء القبلية والعسكرية والتجارية  ، حيث سيخسر الجنوب في النهاية كل حقوقه وقضاياه . ..ولكن البيض فوت هذه الفرصة , وبقي إعلان الدولة الجنوبية ليلة 22 مايو 1994م , شوكة في حلق المحتل اليمني .
 
فحتى لو تكيف بعض الجنوبيين مع الدولة اليمنية التي أحتلت الجنوب ’ فأن الدولة التي أعلنت عام 1994م ظلت هي الحامية لهذا الشعب الجنوبي الأصيل .
 
والغريب أنه بدلاً من أن ينظم الحزب الذي حكم الجنوب(الحزب الاشتراكي اليمني) أوضاع الجنوب السياسية ، والاقتصادية والأمنية بعد حرب احتلال الجنوب عام 1994م ، والخروج بتكتل جنوبي يكون قادراً على مواجهة تحديات الاحتلال  . . . بدلاً من ذلك . . . أستسلم هذا الحزب , بل وساند الاحتلال اليمني ، بحجة أن سياسة ما بعد الحرب تتطلب المرونة ، وقد وصلت المرونة بهذا الحزب إلى حد التخلي عن مبادئ ، وأهداف ، ومصالح الجنوبيين وبيعها بدون ثمن على طاولة المحتل بأبخس الأثمان .
 
على أية حال . . . نعود إلى صلب الموضوع . . . ونؤكد على أنه قد عقدت عدة لقاءات في الفترة من أغسطس 1990 إلى نوفمبر 1993م) بين الرئيس البيض وأطراف يمنية كثيرة ، لدفع البيض إلى مزيد من التنازلات , ولكن البيض حدد مسارة القادم , وهو العودة للجنوب.  
 
و لكي لا تخلط الأوراق . . وهو أن (مفهوم إعلان الوحدة في 22 مايو 19909م ) يرتكز على مسألة إنهاء الدولة الجنوبية حتى وأن كانت “ميمننة”  ، ويراد منه أيضاً ( استيعاب الجنوب في كيان القبيلة اليمنية الهزيل أصلا). وقد نوقش في اجتماعات الأزمة(1993-1994م)  كثير من الأمور المتعلقة بشكل النظام السياسي الجديد للوحدة ، واتفق أن تكون هناك (أقاليم ومرحلة انتقالية أخرى ) ، تنتهي (بإنشاء أقاليم بعيدا عن السلطة المركزية ، ومشروع مثل هذا وجد قبل عشرين عاما استرعى انتباه كثير من مشايخ الحكم وأمراء الحرب والفيد في صنعاء ، ووصفوه بأنه : مشابه لفك ارتباط الجنوب بصورة إجمالية !!
 
لهذا فأنا أرفض الفكرة القائلة بأن : إعلان الدولة الجنوبية في 21مايو1994م لم تكن له فوائد إيجابية في تلك الفترة الصعبة والمعقدة .  . . صحيح أنه لم يعلن فك الارتباط , ولكن أعلنت دولة ,وإعلان الدولة أفضل من أعلان فك الارتباط , وهذا خدمنا في أكثر من جانب في السنوات اللاحقة .. ولأن أغلب الجنوبيين حتى المؤيدين للدولة الجديدة(جمهورية اليمن الديمقراطية) كانوا يحملون في نفوسهم (مبرراً للاستسلام) منذ البداية ، فشعر الرئيس البيض إن تبدل (موازين القوى) لا يستدعي التنازل أو الاستسلام ،أو التمسك باتفاقيات ما قبل إعلان الحرب على الجنوب , ولكن ممكن أن يكون بإعلان الدولة الجنوبية حتى وأن كانت هشة . فمنطق الحرب الذي أعلن ضد الجنوب كان يحتم علينا أن نكون أقوياء لا ضعفاء مستسلمين .
 
وصحيح أيضاً أن كارثة عدم المصالحة الجنوبية- الجنوبية ، خلقت أموراً خطيرة في الجنوب قبل الاحتلال وبعده , مما أدى إلى تولد إحباط كبير عند الجنوبيين ضحايا الصراعات في الجنوب وضحايا حرب 1994م ، شجع نظام صنعاء على ظلم الجنوبيين وقتل الأحرار منهم ونهب كل أملاكهم ابتداء بالراتب وانتهاء بحقول النفط والأراضي .
 
وأعتقد . . . أن بيان البيض حتى وأن لم يكن منطقيا اليوم ، ولكنه حينها كان الرئيس البيض قد فكر فبأي سلاح سيحارب من أعلن الحرب عليه؟ بسلاح اتفاقيات إعلان الوحدة , أم بسلاح الدولة التي دخلت بشراكة مع دولة اليمن؟ ,أيحارب في ظل دولة الوحدة المعلنة أم باسم دولة تخص الجنوب؟ . وإلا كيف تكون المساواة ، وتوازن المصالح إن ظل متمسكا بوحدة مايو 1990م ؟، . والبيض قبل غيره يعرف جيداً أن الدولة التي أعلنت لا تفي بالغرض ، لكنه أراد من بيانه أن يرضي تيار متسلط داخل الحزب الاشتراكي اليمني والحصول على موافقته مهم في تلك الفترة . وفعلاً فقد صدر ، بعد يومين فقط من البيان تشكيل حكومة وحدة وطنية جنوبية , ذهبت نصف حقائبها للمتضررين من حكم الحزب الاشتراكي اليمني ، هذه الحكومة فعلا كانت ستبدأ بفتح حوار صادق بين الجنوبيين ، مما دعا الحزبيين “الشماليين” إلى نشر بيان شديد اللهجة ضد قرار تشكيل الحكومة (مع الأسف منهم من تستضيفهم قناة عدن لايف هذه الأيام) ،وقد حاول الرئيس البيض أن يفهم المتضررين من نظام الجنوب السابق حقيقة موقفه الجديد المساند والمؤيد لأي تصالح جنوبي-جنوبي . علاوة على إنني لم أجد في بيان الرئيس البيض اعترافا بالوحدة ، وهذا كان كاف لبدء التفاوض بين الطرفين , وإن سمي في قراري مجلس الأمن رقم(924 , 931 لسنة 1994م) بين “الأطراف” .
 
لقد كانت (أميركا) تريد أن تدفع (البيض ) إلى إعطاء تنازلات حيوية ومهمة ، ومن ثم الاعتراف بالدولة التي أعلنها  ، وفهم (البيض ) ومؤيديه ما تريده (واشنطن) بالضبط . . . وعملوا كل ما في وسعهم في هذا الاتجاه . . . وبنشاط غريب يدعو للتأمل . . . تم الاعتراف بطريقة أولية (بالدولة الجنوبية المعلنة في قرار أبهاء )، . . ولكن الأحزاب اليمنية أوجدت وضعا في الجنوب في ميزان القوى لا يسمح بالحديث عن استرداد دولة الجنوب . . . كما أن الأوضاع والمواقف الدولية أيضا كانت لا تسمج بالحلول العسكرية . . .وكان التوجه نحو حل سياسي وفاقي من قبل مجلس الأمن الدولي . . . والحل لا بد أن يتناول تنازلات ، ولكن تلك التنازلات لم تتطرق إلى الدولة الجنوبية المستعادة , ولم يرفضها مجلس الأمن , بل بالعكس كان أعضاء حكومة الدولة الجنوبية هم المفاوضون , وهذا بالعرف الدولي جزء من الاعتراف. . . ، فالدولة في شهر يونيو من عام 1994م أصبحت حقيقة واقعة . . . ، ثم أن الحل الوسط بين الطرفين المتفاوضين كان يعني التنازل عن أية مطالب في إطار الدولتين , وليس من خارجهما!!
 
والحقيقة . . . إني وقفت أمام كتابات أخوتنا الجنوبيين الذين نكن لهم كل المودة والاحترام وراجعت ما نشروه بشأن الاحتفال بيوم 21 مايو كيوم ل “فك الارتباط” ، وهي لا تنطوي على نقد كامل غير مبرر ، وكذلك لا تنطوي على مغالطات أو شتم (كما يعمل بعض موظفي مكتب الرئيس البيض وقناتهم) , ومن يتمعن فيها يعلم حجم الخوف على القضية الجنوبية ، فكل ما فيها يتماثل مع مشروعنا الوطني التحرري !!
 
في الأيام الأخيرة بعد الإعلان والاحتفال بيوم 21 مايو , أخذنا نسمع صراخاً من التيار المتطرف الذي حاكم الزعيم باعوم وفصله من المجلس الأعلى للحراك بأن البيض ذاهب إلى صنعاء كرئيس لليمن ، وأن الجنوب تعد له مصيدة ، فمن يقول إن الرئيس البيض ذاهب إلى صنعاء للتنازل فإنه لا يعرف علي سالم البيض ، ومن يقول إن الجنوب تعد له مصيدة فإنه لا يعرف الجنوب ولا يعرف رجاله .
أخبار ذات صله