fbpx
عاصفة الحزم ومآلاتها

 

كتب – د. عيدروس نصر ناصر النقيب.
رغم الفترة الطويلة التي مرت على المفاوضات السعودية -الحوثية التي جرت سراً في العاصمة العمانية مسقط وبوساطة وتيسير عمانيين على مدى شهور، ورغم الأثر الذي تركه الاتفاق السعودي- الإيراني الذي أعلن عنه في العاصمة الصينية بكين، بمساعدة ووساطة صينيين، أقول رغم أثر كل هذا على مسار الانقلاب والحرب والأزمة اليمنية عموما، إلا إن السرعة الدراماتيكية لتحول المواقف وتبدل الاستقطابات والتداعيات خلال الأيام الأخيرة تعتبر مفاجأة للكثير من المتابعين والسياسيين والإعلاميين اليمنيين، الذين كان بعضهم حتى قبل أسابيع بل وأيام يتحدث عن سحق الحوثيين عملاء إيران، والقضاء على المشروع الإيراني في اليمن.
بالأمس (الأحد 9 أبريل 2023م) حل السفير السعودي محمد آل جابر، وهو مهندس عاصفة الحزم وقبطان سفينتها الأول، حل ضيفا على عاصمة الحوثييين صنعاء وقابل كبار قادتهم وتبادلوا معا الابتسامات وتناول الإفطار في ضيافتهم وشربوا معاً كؤوس القهوة اليمنية والتقطوا الصور التذكارية وفي العموم بعث هذا الحدث عشرات الرسائل التي مجمل فحواها إن عاصفة الحزم غدت من الماضي بما لها وما عليها، لكن هذا الحدث المهم يترك وراءه عشرات الأسئلة من قبيل:
1. هل انتهت عاصفة الحزم إلى الأبد.
2. وإذا ما انتهت فهل جرى تقييم ماذا حققت وماذا أخفقت في تحقيقه؟
3. وماهي عوامل النجاج وأسباب الإخفاق؟
4. وما هي الضمانات التي يمكن الركون عليها لعدم نكث الحوثيين بما ستسفر عنه أو قد أسفرت عنه الاتفاقات الموقعة أو المزمع توقيعها معهم؟
5. ولن أتساءل أين موقع الشرعية اليمنية، وما مصير القضية الجنوبية من هذه المجريات، فهذا يستحق وقفة خاصة لاحقة.
السؤال الأهم قبل كل هذا هو هل كان الدور السعودي في التسوية المرتقبة دور الوسيط أم دور المفاوض في ما يخص سياساته وبلاده وحدوده؟
قبل محاولة البت في هذه الأسئلة والتساؤلات لنحاول الرد على السؤال: لماذا أعلنت عاصفة الحزم؟؟
  سنضيع وقتا وجهدا كبيرين في استعراض وقائع الانقلاب على سلطة الرئيس المشير عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه ونائبه لاحقا الأستاذ خالد محفوظ بحاح، وهو ما لا حاجة لنا به لذلك سنكتفي بالقول إنه وفي عشية إعلان عاصفة الحزم كانت قوات الجماعة الحوثية بالتعاون مع أتباع  الرئيس السابق علي عبد الله صالح قد دخلت محافظات الجنوب عن طريق تعز وإب ولم تكتفِ بقصف قصر المعاشيق بالطيران المقطع من صنعاء، لاستهداف الرئيس هادي الذي أفلت من قبضتها بمعجزة ( لا أحد يعلم تفاصيلها) بل اجتاحت محافظات لحج والضالع وعدن واقتربت من مدينة كريتر التي يقع في طرفها البحري قصر المعاشيق، وأوشكت أن تقبض على الرئيس هادي بمساعدة بعض المقربين منه عند اصطياها للأسرى الأبطال الوزير محمود الصبيحي ورفيقيه ناصر منصور وفيصل رجب فك الله أسرهم.
لا يبدي الحوثيون من اللغة ما يدل على ميولهم إلى السلام ونبذ السلوك واللغة العدائيين، فهم يتصرفون ويتحدثون تصرف وحديث المنتصر الذي أجبر عدوه على المجيئ إلى داره كالمعتذر، وما يزالون يطرحون الشروط الابتزازية للجميع ويكررون الحديث عن العدوان ويرفضون مخاطبة الطرف الشرعي ويعتبرونه من أدوات السعودية ومن صناعتها، وبالأمس طفحت المواقع والمنصات الحوثية بسيل من المفردات العدائية العائدة إلى ما قبل مشاورات مسقط في ذكر السعودية والحديث عن العدوان وجرائمه، وهو ما يطرح السؤال: عن ماذا أثمرت أو ستسفر زيارة السفير آل جابر؟
وعودة إلى موضوع عاصفة الحزم لا بد من التذكير أن عنوانها الرئيسي كان تمكين الشرعية من العودة إلى صنعاء، وعلى هامش هذا جاءت شعارات من قبيل “استعادة الدولة المخطوفة” و “رفع علم الجمهورية في جبال مران” وسواها.
* أين أصابت عاصفة الحزم وأين أخطأت ؟
لست مع الذين يقولون أن عاصفة الحزم قد أخفقت وخابت، لكنها لم تحقق ما كانت ترمي إليه، (أو لنقل ما أذيع أنها) جاءت من أجله وهو استعادة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقطع يد إيران في المنطقة.
وقبل الخوض في هذه الجزئية علينا الإقرار بحق السعودية في اختيار السياسات التي ترى أنها تخدم مصالحها وأن تغير تكتيكاتها بما يناسب توجهاتها، وفي هذا الإطار يمكننا احترام حقها في إعادة علاقاتها مع جمهورية إيران الإسلامية وبالتالي تغيير موقفها من الجماعة الحوثية، وتحمل ما سيستتبع ذلك من نتائج وقطف ما ستنتج من ثمار.
إن هزيمة مشروع الحوثي وشركائه ودحره من محافظات عدن ولحج وأبين والضالع ومديريات من شبوة ومديريات الساحل الغربي التي كانت القوات الانقلابية قد سيطرت عليها سيطرةً شبه كاملة قد جاء كانتصار لا جدال فيه لعاصفة الحزم كمعركة مشتركة بين قوات التحالف العربي ومعها مقاومة أبناء تلك ألأراضي، وبين التحالف الانقلابي بكل مكوناته، وكان يمكن لشركاء العاصفة أن يحققوا شيئا قريبا من هذا وربما أفضل من هذا في مناطق المواجهات في شرق محافظة صنعاء ومحافظات مأرب والجوف وتعز وإب وبقية ساحل تهامة وجميع محافظات الشمال لو إنهم وجدوا حليفاً وفياً وصادقاً في هذه المحافظات والمناطق، لكن الأمور سارت على نحوٍ مغاير كما يعلم الجميع، والتفاصيل مفهومة لكل ذي عينين وجرى التعليق عليها مئات المرات.
وأخيرا:
وأنا أكتب هذا المنشور تلقيت الأنباء المؤكدة عن الاختلافات بين السفير السعودي والوفد المرافق له من جهة وبين ممثلي الحوثيين من جهة أخرى حول تفاصيل لم تتضح بعد، لكن هذه الاختلافات تبين أن جماعة الحوثي المتطرفة لا تعرف المساومة ولن تتنازل عن عقلية المنتصر الذي يعتقد أنه جاء بخصمه مكرهاً إلى عقر داره وإجباره على التوقيع على ما يريده هو وجماعته وليس على ما يحقق السلام ويخفف من معاناة اليمنيين وينقل البلاد واهلها نحو رحاب الاستقرار والتنمية والعيش الكريم للناس الذين انهكتهم ودمرت حياتهم سياسات التهور والطيش والمغامرات والأيديولوجيا العنصرية والسلالية المقيتة.
         وللحديث بقية