fbpx
نظرات في سورة الحجرات
شارك الخبر

اشتملت سورة الحجرات، رغم قصرها على آداب، وأحكام، دارت كلها حول التواصل والتفاعل بين الناس، وابتدأت بالتفاعل بين المؤمنين والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»، والمقصود ألا يبتدئ المؤمن أمراً من تلقاء نفسه، دون انتظار حكم الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، في الكتاب والسنة.
فلا يقدم المؤمن على أمر بغير انتظار حكم الشرع فيه، وجاء الأمر بالتقوى، ومن ثم التذكير بأن الله يسمع ويعلم، يسمع الآراء، ويعلم المقاصد، والنوايا، ثم ثنى بأبعد من ذلك، فنهى عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته، وبتوقير مجالس حديثه صلى الله عليه وسلم بعد مماته، وتوقير مسجده كذلك، ويقتضي ذلك من باب الإشارة لا التفسير، عدم تجاوز حكم السنة بالرأي المجرد، فإنه لا تساوي بين السنة والرأي، ولا ينبغي أن تسوى السنة بآراء الناس، كما لا يجوز تسوية مناداة النبي صلى الله عليه وسلم، كما ينادى غيره منا لناس في حياته، أو يذكر بعد وفاته كما يذكر غيره، فيؤدي ذلك لحبوط الأعمال وعدم قبولها، فإن كان رفع الصوت فوق صوته في حياته، محبطاً للعمل، فكيف برافض السنة، أو بمن يستهين بها؟
وفي المقابل وعد من يغض صوته أي يخفضه ويكفه بالأجر العظيم والمغفرة، أما امتحان القلب للتقوى أي تصفيته ليتقي ربه، فكلما كان أكثر أدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم، كلما كانت التزكية، وتصفية القلب إليه أعلى، وهنا إشارة، فإن كثيراً مما يرد في أخبار السنة الصحيحة قد لا يعقله العقل لأول وهلة، فإن استجاب، واطمئن له، كان ذلك أزكى للقلب، وأصفى له، وأقرب للتقوى.
ثم عقب بالحديث عن موقف صعب على النفس، وهو أن يقدم قوم في وقت غير مناسب فينادون النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، وهي المرة الوحيدة التي ذكرت فيه حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إشارة لطيفة للحجر والمنع، فهؤلاء محجورون ممنوعون من المعرفة، لأنهم في الأصل لا يعقلون، ففي معظم الآيات الكريمة التي تحدثت عن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كان الحديث عن البيت، وهذا لفظ موح بالبيات، وفيه القرار والطمأنينة، والعائلة التي تبيت معا، في كنف وقرار، في حين أن الحجرات، غرف متوزعة جذرها اللغوي الحجر، أي التحديد، فلا يطلع أحد على ما فيها، فتصون ساكنها عن الأغيار، وهذا ما وقع مع هؤلاء الذين كانوا لا يعقلون حتى أسلموا، فلو كان عندهم (حجر) لامتنعوا عن النداء بطريقة جافية على النبي صلى الله عليه وسلم، والحجر بكسر الحاء من معاني العقل عند العرب، يقول تعالى: «هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ».

المصدر: صحيفة العربش
أخبار ذات صله